أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير طريقة الاتصال بين البشر من خلال ميزاتها وخدماتها المبتكرة، فهي مساحة للتفاعل الاجتماعي ومشاركة المعلومات في العالم الافتراضي، فمن خلالها يمكن لمستخدمي تلك المنصات الوصول إلى المعلومات أو الصور أو مقاطع الفيديو ومشاركتها في إطار مجموعات يربط بين أعضائها الاهتمامات المشتركة.
وفي السنوات الأخيرة، اهتمت العديد من البحوث الأكاديمية بتطبيق نظرية الاستخدامات والإشباعات على الوسائط الجديدة، بما في ذلك الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أظهرت عددًا من الإشباعات التي يسعى المستخدمون، لا سيما المراهقون، لتحقيقها من خلال الانخراط في المنصات الاجتماعية، ومن أبرزها التعرف إلى أشخاص جدد، تلبية للحاجة إلى الانتماء، وتحقيق الاستمتاع بهدف ملء وقت الفراغ، وأخْذ قسط من الراحة.
ولاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي فوائد أخرى مثل زيادة فرص التعرف إلى الذات، وحجم الدعم الاجتماعي المتصوَّر لدى المستخدم، وزيادة رأس المال الاجتماعي، وتلعب الخصائص النفسية والاجتماعية للمستخدمين دورًا في تحديد الدافع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الإشباع الذي تم الحصول عليه.
الإشباع المطلوب والمتحقَّق عبر مواقع التواصل الاجتماعي
وفقًا لمجلة Qualitative Market Research فإن الفرضية الأساسية لنظرية الاستخدامات والإشباعات هي أن الأفراد يبحثون عن وسائل الإعلام التي تلبِّي احتياجاتهم وتؤدي إلى الإشباع، وينقسم إلى عدد من الأنماط أبرزها:
- التفاعل الاجتماعي: يهدف المستخدم إلى التفاعل الاجتماعي مع أشخاص يتشاركون معه ذات الاهتمام.
- البحث عن المعلومات أو للتثقيف الذاتي: ويتعلق بكيفية استخدام المستهلكين لمواقع التواصل من أجل التعليم الذاتي والوصول إلى المعلومات.
- شغل الوقت: ويعني استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لشغل الوقت وتخفيف الملل أو الهروب من الواقع.
- الاسترخاء: أي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتخفيف من الإجهاد اليومي، وهو يختلف عن الترفيه، فالاسترخاء يوفر الراحة من التوتر بينما يركز الترفيه على الاستمتاع.
ووفقًا لنظرية الاستخدامات والإشباعات، يتم تحفيز مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بنوعين مختلفين من الإشباع، هما الإشباع المطلوب (أي الدافع والاحتياج) والإشباع المتحقق.
ويقصد بالإشباع المطلوب أنه توقعات المستخدمين لأنواع الإشباع التي سيحصلون عليها من استخدام الوسائط قبل عملية الاستخدام، بينما يشير الإشباع المتحقق إلى الاحتياجات التي تم تلبيتها فعليًّا باستخدام تلك الوسائط.
ويستخدم الأفراد الوسائط الاجتماعية للحصول على أنماط مختلفة من الإشباع مثل قضاء الوقت والتواصل الاجتماعي وجمع المعلومات الاجتماعية، كما أن كلًّا من نمطي الإشباع السالف ذكرهما وإمكانية الحصول عليهما من وسيط معين يؤثران في اختيار وتكرار وشدة استخدام هذا الوسيط.
وبحسب مركز بيو الأمريكي للبحوث، فإن مستخدمي الشبكات الاجتماعية يستهلكون منصات متعددة في وقت واحد، وهو ما يشير إلى حاجات وإشباعات مختلفة فيما يتعلق بكل منصة، حيث يستخدم “فيسبوك” بشكل أساسي للتواصل الاجتماعي والترفيه والبحث عن المعلومات، بينما يهتم مستخدمو تويتر أكثر بالأخبار العاجلة.
ويمتاز إنستغرام بمتابعة المعجبين واتجاهات الموضة، أمَّا سناب شات فيستخدم بشكل أساسي لشغل الوقت ومشاركة المشكلات وتطوير المعرفة الاجتماعية.
ووجدت دراسة منشورة في دورية “International Journal of Mental Health and Addiction“ أن استخدام فيسبوك كان مرتبطًا بتقديم الذات للآخرين والحاجة الملحة إلى الانتماء، بينما كان استخدام إنستغرام مرتبطًا بالتعبير عن الذات والتفاعل الاجتماعي ومراقبة الآخرين ومعرفة معلومات عنهم، والتوثيق والاسترخاء والإبداع.
أمَّا “سناب شات” فيُستخدم للحصول على إشباع يتعلق بالحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الأصدقاء والعائلة، وأمَّا بالنسبة لبعض الأنشطة مثل قراءة التعليقات والمشاهدة والإعجاب وعدم الإعجاب ومشاركة مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب، فهي مرتبطة بإشباع الحاجة إلى الترفيه.
الشعور بالوحدة والانخراط في المجموعات على منصات التواصل والرغبة في الانتماء
وتشير مجلة بحوث الحوسبة التربوية إلى أن الشعور بالوحدة عامل نفسي واجتماعي مهم يؤثر في استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما في حالة المراهقين، إذ ثبت أن المنصات الاجتماعية مثل “فيسبوك”، تقلِّل من الشعور بالوحدة لدى المستخدمين الشباب.
كما أن بعض المراهقين يلجؤون إليها من أجل العلاقات الاجتماعية والشعور بالانتماء، ويقصد بالحاجة إلى الانتماء أنها الحاجة إلى المشاركة مع الآخرين وقبولهم وتقديرهم.
وقد يلبِّي التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي حاجة الأشخاص للانتماء إلى مجموعة، إذ أكد عددٌ من الدراسات أن التفاعل عبر تلك المنصات يؤدي إلى مزيد من مشاعر الترابط ويعزز شعور الأفراد بالانتماء إلى مجموعة ما.
لكن اللافت أن الدراسات المتعلقة بانخراط المستخدمين في المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تتعمَّق في تقديم تفسيرات حول سلوك المستخدمين ومدى تفاعلهم على تلك المجموعات أو اكتفائهم بالمتابعة في صمت.
وفي المقابل، قد يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي أيضًا إلى زيادة الشعور بالوحدة، لأن المستخدمين لديهم وقت أقل للتواصل وجهًا لوجه مع الأصدقاء والعائلة.
نشر صور السِّلْفي على وسائل التواصل الاجتماعي والإشباع المتحقق
رصدت مجلة Telematics and Informatics العلمية المتخصصة في تقنية المعلومات مجموعة من الدوافع التي تحرك المستخدمين لمشاركة الصور السِّلفي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث تمثلت في البحث عن الاهتمام أو أنها عادة لدى المستخدم أو مشاركة المعلومات.
ومع اكتساب صور السِّلفي شعبية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، برز اهتمام أكاديمي بالبحث في الدوافع التي تغذِّي هذه الظاهرة، وهو البعد الذي اهتمت به دراسة نشرتها مجلة “Personality and Individual Differences” أجراها باحثون في كوريا الجنوبية، حيث استخدموا نظرية الاستخدامات والإشباعات لدراسة الدافع وراء نشر صور السلفي، والعلاقة بين ذلك النمط من الصور والشخصيات النرجسية.
وتشير النتائج التي توصلت إليها تلك الدراسة إلى أربعة احتياجات يتم إشباعها من خلال نشر هذه الصور وهي: البحث عن الاهتمام، التواصل، الأرشفة، والترفيه. مما يعني أن نشر الصور السلفي يتم بغرض الإشباع الشخصي، وليس بغرض إمتاع الآخرين بمشاهدتها.
وتشير دراسة لجامعة لودفيج ماكسيميليان الألمانية إلى أن ثمة تحيُّزًا لصالح الذات عند نظر المستخدمين إلى صور السلفي الخاصة بهم على أنها أكثر موثوقية والتعامل معها بروح الدعابة، بينما ينظرون إلى صور السلفي من قِبَل الآخرين بشكل سلبي على أنها تنم عن “نرجسية” أو أنها “غير موثوقة”.
وتوضح الدراسة أن الإناث من جيل الألفية اللائي ينشرن صُوَرَ السِّلفي مدفوعات بالحاجة إلى نقل انطباع بالسعادة وتعزيز تقديرهن لذواتهن، ومع ذلك فإن هذه الإشباعات تعتمد على التحقق المستمر من خلال الإعجابات والتعليقات والمشاركات، ممَّا يترك احتمالية حدوث آثار سلبية.
فالمقارنة المستمرة مع الملفات الشخصية الأخرى تظهر آثارًا سلبية على الذات، حيث يستنتج المستخدمون أن الآخرين يجب أن يكونوا أكثر سعادة أو نجاحًا. وبالتالي في كلتا الحالتين، قد تأتي نفس التقنية المستخدمة لتعزيز احترام الذات بنتائج عكسية أيضًا وتثبت أنها ضارة بالثقة.
وأخيرًا.. يتضح ممَّا سبق أن استخدام الأفراد لمواقع التواصل الاجتماعي يكون مدفوعًا بهدف أو محفِّزٍ ما لتلبية احتياجاتهم ورغباتهم، ويتأثر ذلك بالعوامل الاجتماعية والنفسية التي تتخلل عملية الاستخدام، كما تبرز الحاجة إلى المزيد من الدراسات الأكاديمية القائمة على النوع والعمر لإيضاح مدى التطابق أو الاختلاف في الإشباعات التي يسعى المستخدمون من الرجال والنساء، والكبار والمراهقين إلى تحقيقها من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وقياس تداعيات ذلك على سلوك المستخدمين في الواقع، سواء في حالة التمكُّن من تحقيق الإشباع أم لا.
كما تشكِّل عملية التعرف إلى طبيعة الاستخدام والإشباعات المطلوبة أهمية كبرى لدى صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تمثل بوصلة توجه جهودهم لتلبية تلك الحاجات، وبالتبعية فإن هذه العملية تحظى باهتمام المعلنين، لأنها ستكون مَنْفَذًا للوصول إلى شرائح واسعة من المستهلكين المفترضين.
وكذلك توجد حاجة لمزيد من الجهد البحثي لتطوير مقاربات تجمع بين نظريات علم النفس والاجتماع والتحليل الكمي من واقع بيانات وإحصاءات التفاعل الخاصة بالمستخدمين للخروج برؤية تفسيرية حول طبيعة استخدام بعض الأدوات مثل كتابة التعليقات والمنشورات، وإعادة التغريد على تويتر والإعجابات والأدوات التي تعبِّر عن الغضب والحزن والدهشة والصدمة، وهو تفاعل -بلا شك- يستند بدرجة أو بأخرى إلى المنظومة القيمية والأيديولوجية والحالة النفسية للمستخدم والسياق المجتمعي، فضلًا عن طبيعة المحتوى الذي يتم التفاعل معه.