تقارير

جيل “Z”.. أمل الأتراك في التخلُّص من ديكتاتورية أردوغان

تتعاقب الأجيال ويأتي كلٌّ منها بما هو مختلف عما سبقه، إلا أن الجيل «زد- Z» تميَّز باختلافات كثيرة، فهذا الجيل هو الذي وُلد منذ منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، ويتميز باستخدامه التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير.

وفي تركيا يمثل هذا الجيل أملًا في إسقاط نظام رجب طيب أردوغان، وإعادة تركيا لطريقها الصحيح، فمنذ وصول أردوغان إلى سدة الحكم في أنقرة رئيسًا للوزراء (2003-2014)، ثم رئيسًا للدولة منذ عام 2014 عقب تعديله للدستور وإعطاء صلاحيات واسعة لمنصب رئيس الجمهورية، وهو يحاول إخراج جيل من الشباب التركي يُعرَفون بـ”لأتباع الأتقياء” لكن المؤشرات في الآونة الأخيرة أظهرت انقلاب السحر على الساحر، فهذا الجيل الذي يحاول الرئيس التركي الهيمنة عليه صار يرفض سياساته ممَّا يمهِّد الطريق لخروج أردوغان من السلطة خروجًا مهينًا.

وقد بدأت دلالات ذلك في مارس 2019 عندما خسر بن علي يلدريم، مرشح حزب العدالة والتنمية لانتخابات بلدية إسطنبول أمام “أكرم إمام أوغلو” مرشح حزب الشعب الجمهوري، ممَّا تسبَّب في ضربة موجعة للرئيس التركي، إلا أن نظام أردوغان وجَّه جهوده لإعادة الانتخابات بادعاء وجود مخالفات، وأعيدت الانتخابات في يونيو من نفس العام ولم تأتِ بجديد سوى أن أوغلو قد أعاد فوزه باكتساح هذه المرة، وفاز بنسبة 54% من أصوات الناخبين.

وأعطت تلك الانتخابات دلالة على دور الشباب التركي في الوقوف ضد نظام أردوغان وإسقاطه من خلال الصندوق، وبلغة الأرقام يبلغ عدد سكان تركيا نحو 82 مليون نسمة، ووفقًا لتقديرات هيئة الإحصاء التركية فإن الفئة العمرية ما بين 15 و24 تقارب على 13 مليون نسمة بنسبة 15.6% من السكان، وجاءت إسطنبول في مقدمة المدن التي يقطن فيها الشباب بمعدل أكثر من 2.3 مليون نسمة.

إطلالة لأردوغان عبر يوتيوب تفجِّر بركان غضب لدى الشباب

ظهر مؤخرًا عدد من المؤشرات على الإنترنت أظهرت التراجع الكاسح لشعبية الرئيس التركي، ففي 26 يونيو 2020 خرج أردوغان في خطاب موجَّه للطلاب على “يوتيوب” من خلال خاصية البث المباشر، في سبيل تحسين وجهه السياسي القبيح، إلا أنه وجد سيلًا جارفًا من التعليقات المنتقدة لسياساته القمعية، وإجماع آراء الشباب على أن الرئيس الحالي لن يكون خيارهم السياسي في الانتخابات المقبلة.

لم يأت هذا الأمر من فراغ، بل كان نتيجة دخول الشباب التركي في حالة إحباط متكرر، فقد أضرَّت بهم قرارات حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان، عندما أظهرت تخبُّطات وتغييرات في امتحانات القبول بالجامعات هذا العام، وهو الأمر المرتبط بفشل أنقرة في التعامل الحكيم مع وباء كورونا.

تحوَّل الأمر في الأيام التالية لحالة واسعة من الغضب الشبابي ضد أردوغان، فقد تلقَّى هذا الفيديو عدد 422 ألف “عدم إعجاب” في مقابل 123 ألف معجَب فقط، -وذلك حتى منتصف يوم 19 يوليو 2020- وتم تدشين الهاشتاق OyMoyYok# الذي يعني “لا أصوات لك” وأصبح من الأكثر تداولًا على تويتر في تركيا.

وبدلًا من أن يقوم النظام التركي بتلبية مطالب الشباب وحل مشكلاتهم، قام بوقف التعليقات على الفيديو، ولم يَلْبَثْ بعدها سوى أيام حتى أعلن أردوغان عزمه على التضييق والغلْق لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجد عليها هجومًا ضاريًا من الشباب التركي.

فشل جهود التوسُّع في المدارس الدينية من أجل استغلال الدين لجذب الشباب

نشأ جيل كامل من الشباب التركي الآن تحت حكم أردوغان رئيسًا للوزراء ثم رئيسًا للجمهورية، ولا شك أن المعتقَدَات التي لدى الشباب تؤثر بشكل فعال في البنية السياسية للدولة، وهو ما يدركه أردوغان تمامًا.

لذلك فإنه منذ عام 2012 قام بالتأسيس لمشروع ادَّعى أنه لتربية الأجيال المتدينة، مستغلًّا نظام التعليم في الدولة، وقام بضخ مليارات الدولارات في قطاع التعليم الديني، فزاد عدد مدارس “إمام خطيب” الدينية الثانوية في البلاد، بشكل كبير، وبعد أنْ كانت تلك المدارس تعمل على تخريج الأئمة والخطباء استغلَّها النظام في تحقيق أهدافه وتوسيع دائرتها لتشمل فئات عمرية صغيرة، ولم يكتف بذلك، بل إنه زاد من مخصَّصات التعليم الديني في المدارس العادية، كما قام بحظر تدريس النظريات الخاصة بالتطوُّر في المدارس.

وحتى عام 2018 قام أردوغان بزيادة عدد تلك المدارس من 450 مدرسة عام 2003 إلى 4500 مدرسة على مستوى البلاد، وزادت حكومته من ميزانية التعليم الديني في نفس العام بنسبة 68% لتصل إلى 1.5 مليار دولار.

ومن الجدير بالذكر هنا أن تلك المدارس قد تخرَّج فيها أردوغان نفسه ونخبة كبيرة من قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم.

ولم تحقِّق المدارس الدينية أداءً قويًّا، فهي ليست ذات جاذبية للشباب التركي، وأظهر استطلاع رأي حديث أن نسبة التديُّن قد تراجعت بين الشباب، كما أن مَن يسمُّون أنفسهم بالمحافظين دينيًّا قد قلَّت أعدادُهم في المجتمع التركي.

وأظهرت ورشة عمل خلال عام 2018 نظَّمتها وزارة التربية الوطنية في “قونية” –وهي معروفة بأنها منطقة محافظة دينيًّا– أن الطلاب في مدارس “إمام خطيب” يجادلون كثيرًا حول الإسلام، بل إن بعضًا منهم قد تخلَّى عن الدين، وهذه الأعداد في تزايُدٍ مستمرٍّ.

لم يدرك نظام أردوغان أنه السبب خلف ذلك، بل أخذ إعلامُه يروِّج إلى أن هناك مؤامرات غربية تقف وراء الأمر، لكن الحقيقة أن الشباب وجد خَيْبَةَ أملٍ في حكومة بلاده وطريقة استغلالها للدين، فهي من وجهة نظرهم قد جرَّدت الإسلام من جوهره الأخلاقي واستخدمتْه للتستُّر على الفساد وإضفاء الشرعية على حكم الرئيس الديكتاتوري، وهو ما يدفعهم للبحث عن مصادر أخرى للسلطة الأخلاقية.

كما يرتبط رفض الشباب لتجارة أردوغان بالدين في النظام التعليمي، بسوء نوعية التعليم، حيث إن التركيز على المواد الدينية فقط يأخذ مكان دراسة العلوم الأخرى، ولا يُحدِثُ تَوازُنًا في العملية التعليمية، وحتى الآباء المحافظون يشعرون بالقلق من أن الجرعة الثقيلة من التعليم الديني في المدارس الثانوية تمنع أطفالهم من تعلُّم ما يكفي من الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا للتنافس بنجاح في الامتحانات الجامعية.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الكثيرين يربطون بين ذلك التعليم وتراجُع مركز تركيا في التصنيف الدولي التعليمي، فقد تراجعت أنقرة في مؤشر PISA (البرنامج الدولي لتقييم الطلبة(
الذي يقيِّم التفكير النقدي من المركز 44 إلى 49 من أصل 72 دولة خلال عام 2018.

ويَزيد من القلق حول الأمر تدخُّلاتُ أردوغان في النظام التعليمي الجامعي، وقيامُه بتقنين ذلك بالتوازي مع تحويل الدولة للنظام الرئاسي في 2018، فامتلك اليد العليا لتعيين رؤساء جميع الجامعات العامة والخاصة، وأصبح أهلُ الثقة والموالاة السياسية هم مَن يقومون على هذه المناصب، رغم ضعف كفاءاتهم الأكاديمية.

وأدت تلك التغيُّرات إلى أنْ يترسَّخ لدى الكثير من الشباب الاعتقادُ بأن الحصول على تعليم جيد، لا يوجد في بلادهم إنما في الدول الغربية فقط، ورغم زيادة نسبة خريجي المدارس الثانوية الذين يلتحقون بالتعليم العالي، إلا أن الشباب لديه شكوك في أن شهادته ستوفِّر له وظيفة مناسبة، خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت إلى 27% عام 2019.

وممَّا يَزيد المخاوفَ انتشارُ ظاهرة محاباة الأقارب تحت حكم أردوغان، فأصبحت الوظائف تقدَّم للمعارف والأقارب فقط، حتى إن عددًا من الموالين لأردوغان يشتكون من عدم وجود توظيف على أساس الجدارة في كلٍّ من القطاعَيْن العام والخاص.

القمع يَدْفَعُ الشباب نحو الهجرة.. وسياسة للتفْرِقة بين الشباب الكردي والتركي

يزداد القلق لدى الشباب التركي من نظام أردوغان بشأن زيادة الاستبداد وتقليص الحريات، ووجد استطلاع خلال عام 2018 أن الغالبية العظمى من الشُّبَّان تقدِّر قيمة حرية التعبير، كما ظهر أيضًا أن الشباب الأتراك أكثر تسامُحًا تُجاه المجموعات العرقية والدينية المختلفة، وكان هذا اختلافًا جذريًّا عن استطلاعٍ مماثلٍ أُجري لنفس الفئة العمرية قبل 10 سنوات.

وفي نفس الاستطلاع لُوحظ انخفاض عدد المؤيدين لفكرة حظر الأحزاب إذا استوجب الأمر، بالإضافة إلى وجود إرادة لدى الغالبية العظمى من الجيل الجديد الذي نشأ في عهد أردوغان للانتقال إلى الخارج بحثًا عن الحرية والفُرَص المتساوية.

ومنذ عام 2015 قام الرئيس التركي ببناء استراتيجيته الانتخابية على أساس مناهض للأكراد، ممَّا ألغى جهوده السابقة للمصالَحَة مع الأقلية الأكبر عرقيًّا ولغويًّا في بلاده، وقام بتجريم المعارضة الكردية، وأَوْدَعَ الأعضاء المنتخَبين من الحزب الديمقراطي الكردستاني في السجون، كما استبدل برؤساء البلديات الكردية أشخاصًا موالين له.

إضافةً إلى ذلك فقد رفع أردوغان شعارات القومية التركية المناهضة للغرب، في سبيل توسيع قوة بلاده في المنطقة، ممَّا يُشعِل مشاعر الشباب التركي بشقَّيْه العلماني والمحافظ، ضد نظيره الكردي، ويجعله أقل تسامحًا تُجاه مَطالب الأقلية الكردية بالمساواة، ويقول الأكراد إنهم يتجنَّبون الحديث عن السياسة مع أصدقائهم الأتراك، كما انخفض عدد حالات التزاوج بين العرقين.

وأخيرًا.. حدثت تحوُّلات في خطاب أردوغان منذ عام 2012 متحدثًا عمَّا سمَّاه بـ«الحضارة» مُمَجِّدًا الجذور الإسلامية لتركيا وإرْثَها الاستعماريَّ العثمانيَّ، ويبدو أن هذه الجهود قد جاءت بنتائجها، وأصبح كثير من الشباب يعتبرون أنفسهم الآن جزءًا من الشرق الأوسط، على عكس الأجيال السابقة في ظل حكومات ذات توجُّه غربي، لكن آمالهم وطموحاتهم عَكْسُ ذلك، فهم يريدون الحصول على تعليم جيد والعيش في بلد حديث وحُر وديمقراطي، إذ يفضِّلون العيش في أوروبا على الشرق الأوسط.

وقد كانت عملية التخبُّطات والتغييرات في مواعيد القبول بالجامعة، ورفض الشباب التركي لذلك، قد أحدثت إشارة إلى أن “أردوغان” قد فشل في استمالة الشباب، وكما يقولون الآن “لا أصوات لك”، فإن ذلك يدل على أن “أردوغان” لم يَفْشَلْ فقط في تربية جيل من المؤيدين، بل ربما ظهر الجيل الذي سيهزمه في نهاية المطاف.

زر الذهاب إلى الأعلى