تقارير

كيف أصبح فيسبوك منصة مركزية لنشر الأخبار المضللة؟

تتسابق شركات وسائل الإعلام الاجتماعية في الوقت الراهن حول كيفية كبح ما يسمى بـ”الأخبار الزائفة” والمحتوى المضلل وكذلك الذي يحض على الكراهية، وسط تنامي التأثيرات السلبية لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي في التفاعل مع العديد من القضايا الراهنة، وفي مقدمتها أزمةُ وباء كورونا المستجد “كوفيد-19” والممارسات العنصرية بحق الأقليات أو لأسباب عرقية.  

وبدأت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مثل مواقع التدوينات القصيرة “تويتر وفيسبوك وجوجل” في وضع علامات على المنشورات المضللة أو المتنازع عليها أو التي لم يتم التحقق منها، غير أن العديد من الدراسات المتخصصة، وكذلك الموظفون في تلك الشركات ما زالوا ينتقدون عدم بذل تلك المنصات الجهد الكافي للتصدِّي لتلك الظاهرة، والتي ظهرت على نحوٍ أكبرَ عبر فيسبوك الذي بات ساحة خصبة ومجالًا مفتوحًا لنشر المحتوى المضلل.

فيسبوك ساحة خصبة لتكاثر الأخبار المزيفة

وأشارت دراسة جديدة لجامعة “كولورادو بولدر “University of Colorado Boulder في الولايات المتحدة إلى أن موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يشكل بيئة خصبة لتكاثر الأخبار المزيفة أكثر من موقع التدوينات القصيرة تويتر.

وتشير الدراسة إلى أنه قبل عقد أو عقدين، لعبت مؤسسات الأخبار التقليدية دورًا رئيسيًّا في تحديد ما هو حقيقي أو غير حقيقي، لكن الآن، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومعاناة المؤسسات الإخبارية التقليدية من ضائقة مالية، يوجد تغير كبير يحدث في الطريقة التي تتدفق بها المعلومات عبر المجتمع.

وفحصت الدراسة 783 من مستخدمي فيسبوك وتويتر الذين تزيد أعمارهم على 18 عامًا، وبعد الحصول على إذن منهم، تم جمع وتحليل جميع مشاركاتهم خلال الفترة بين 1 أغسطس 2015 و6 يونيو 2017 (قبل وأثناء وبعد انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016).

وأجرى المشاركون أيضًا استبيانًا مطوَّلًا لتحديد مدى ثقتهم بالأصدقاء وأفراد الأسرة والمجتمع، ووسائل الإعلام الرئيسية.

ونظر الباحثون إلى مَن شارك المحتوى من 106 مواقع تم تحديدها على أنها أخبار مزيفة أو مواقع “وسائط مضادة” مثل الإذاعة الوطنية العامة “NPR” أو مجلةU.S. News & World Report، لافتين إلى أن الكثير من هذا المحتوى ليس خاطئًا تمامًا، ولكنه متحيِّز بشكل كبير ومضلل وحزبي للغاية.

وتوصلت الدراسة إلى أن “فيسبوك” هو القناة المركزية لنقل الأخبار المزيفة، إذ تم مشاركة 1152 قطعة من إخبارية مزيفة عبر فيسبوك، من بينها 171 خبرًا زائفًا شاركه مستخدم واحد فقط، في المقابل بلغ إجمالي المشاركات للأخبار الزائفة 128 قطعة فقط على تويتر.

وفي عينة فيسبوك، كان المستخدمون الذين صنَّفوا أنفسهم على أنهم محافظون للغاية الأكثرَ تداولًا للأخبار المزيفة التي تمت مشاركتها، وذلك بنسبة 26٪. أمَّا في عينة تويتر، فكانت نسبتهم 32٪ من إجمالي مشاركات الأخبار المزيفة.

لكن المستخدمين الذين صنفوا أنفسهم على أنهم ليبراليون للغاية، شاركوا الأخبار المزيفة بنسبة 17.5٪ على فيسبوك و16.4٪ على تويتر.

وإجمالًا، كان نحو خمس المستخدمين من ذوي التوجهات الأيديولوجية المتطرفة مسؤولين عن مشاركة ما يقرب من نصف الأخبار المزيفة على المنصتين.

أمَّا المستخدمون الذين لديهم مستويات عالية من وسائل الإعلام والثقة الاجتماعية فكانوا -بشكل عام- الأقلَّ احتمالًا لتبادل الأخبار المزيفة.

ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة، توبي هوب، الأستاذ المساعد في قسم الإعلان والعلاقات العامة وتصميم وسائل الإعلام بجامعة كولورادو بولدر: “وجدنا أن أنواعًا معينة من الأشخاص مسؤولة بشكل غير متناسب عن مشاركة المعلومات الزائفة والمضللة والحزبية المفرطة على وسائل التواصل الاجتماعي.

واعتبر هوب أن التمكن من تحديد هذه الأنواع من المستخدمين، ربما يوفِّر فهمًا أفضل بسبب قيامهم بذلك وتصميم التدخلات المناسبة لوقف نقل هذه المعلومات الضارة.

تناقض بين خطاب داعم للعدالة.. ومحتوى تضليلي يحض على الكراهية

اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة ردًّا على مقتل المواطن الأمريكي ذي الأصل الإفريقي جورج فلويد على يد شرطي أبيض بولاية مينيسوتا، فكتب مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ منشورًا طويلًا على صفحته الرسمية عبر فيسبوك مستنكرًا التحيز العرقي، مؤكدًا أن “حياة السود مهمة”، كما أعلن عزم الشركة التبرع بمبلغ 10 ملايين دولار لمنظمات العدالة العرقية.

ولكم يكن زوكربيرغ وحده من اتخذ ذلك الموقف، حيث تعهد جاك دورسي، المدير التنفيذي لموقع التدوينات القصيرة “تويتر” بتقديم 3 ملايين دولار لمنظمة مناهضة للعنصرية أسسها كولين كايبرنيك لاعب كرة القدم الأمريكي. كما أعلن موقع يوتيوب أيضًا أنه سيبدأ إنشاء صندوق بقيمة 100 مليون دولار لمؤسس المحتوى من ذوي البشرة السمراء.

وفي حين أن عروض الدعم هذه كانت حسنة النية، إلا أنها لم تعالج الطريقة التي تم بها تسليح المنتجات الخاصة بهذه المنصات بنجاح من قبل العنصريين والمحرضين، ويتم استخدامها لتقويض حياة ذوي البشرة السمراء وحركات العدالة الاجتماعية الأخرى.

فبعدما كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعمل كأداة لدعم المضطهدين والمهمشين، حيث استخدم النشطاء “تويتر وفيسبوك” لتنظيم المظاهرات وإيصال رسائلهم، لكن في السنوات الأخيرة، قلبت حركة رجعية يمينية ذلك المد تمامًا.

وبات البعض من أعلى الأصوات وأكثرها رسوخًا على هذه المنصات تنتمي إلى المعلقين المحافظين الذين يهدفون إلى السخرية من حركات العدالة الاجتماعية وتخريبها، بدلًا من دعمهم، والنتيجة هي نظرة مشوهة للعالم تتعارض مع المشاعر العامة الفعلية، وعلى سبيل المثال في اليوم الذي رفع فيه زوكربيرغ شعار “حياة السود مهمة”، كان المنشور الأكثر شعبية على فيسبوك، مقطع فيديو مدته 18 دقيقة نشرته الناشطة اليمينية كانديس أوينز، واصفة فكرة الشرطة المتحيزة عنصريًّا بأنها “رواية وهمية”، وحقق ما يقرب من 100 مليون مشاهدة.

وفي حين تم تعليق حساب أوينز على موقع تويتر هذا العام بعد أن شجعت متابعيها على انتهاك الحجر المنزلي، لكنها لا تزال تنشط على فيسبوك ويحظى حسابها بمتابعة 4 ملايين مستخدم، وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

مقاطعة مؤقتة للإعلان على فيسبوك بهدف تصحيح المسار

في 22 يونيو الجاري، قرر عدد من العلامات التجارية مقاطعة الإعلانات مؤقتًا على فيسبوك احتجاجًا على تعامل الشركة مع خطاب الكراهية والتضليل، حيث اتخذت خمس شركات على الأقل، مثل شركة The North Face  لتجارة التجزئة وموقع Upwork   للعمل الحر على الإنترنت قرارًا بسحب الإنفاق على الإعلانات عبر فيسبوك لشهر يوليو تفاعلًا مع هاشتاق #StopHateForProfit الذي أطلقته مجموعات الحقوق المدنية بما في ذلك الجمعية الوطنية لتقدم الملوَّنين NAACP ضد فيسبوك لوقف أرباحه نظرًا لسماحه بنشر محتوى يروِّج لخطاب الكراهية.

كما أكدت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الأسبوع الماضي، أن المعلنين لديهم “نفوذ هائل” لإجبار مواقع التواصل الاجتماعي على التصدي للمعلومات المضللة. وقالت بيلوسي في مؤتمر صحفي إن المعلنين في وضع يمكنهم من ثَنْيِ المنصات عن تضخيم المعلومات المضللة الخطيرة والمهددة للحياة.

وحتى الآن، التزم معظم المعلنين الذين انضموا لتلك الحملة بالحد من الإعلانات لمدة شهر واحد فقط، والعديد من العلامات التجارية الكبرى لم تعلن بعد ما إذا كانت ستشارك أم لا، ولذلك فالشركات المقاطعة حتى الآن ليست سوى جزء صغير من حجم المعلنين على المنصة.

وأخيرًا.. لم يكن لخطوات وفضائح فيسبوك تأثير كبير على صافي أرباحه، فقد حقق ما يقرب من 70 مليار دولار من عائدات الإعلانات في عام 2019 بزيادة بنسبة 27 % عن عام 2018، عندما حققت أرباحًا إعلانية بقيمة 55 مليار دولار، وذلك على الرغم مما واجهته الشركة العام الماضي من انتقادات عالمية بسبب السماح للسياسيين بالكذب على منصتها ولسوء التعامل مع خصوصية المستخدم.

زر الذهاب إلى الأعلى