الدراسات الإعلامية

أزمة الاحتجاجات العنصرية الأمريكية في وسائل الإعلام

مقدمة

منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات الأمريكية في 25 مايو الماضي، بمقتل الأمريكي ذي الأصول الإفريقية “جورج فلويد” على يد الشرطي الأبيض “ديريك شوفين” في مدينة مينيابوليس، اهتمت وسائل الإعلام المحلية والعالمية بتغطية الأحداث المتلاحقة حول الاحتجاجات لطبيعة القضية التي تناقش ظاهرةً اجتماعيةً مهمةً متمثِّلة في “العنصرية”، خاصة أنها وقعت على أرض القوة العالمية الأولى التي ترفع لواء الدفاع عن الديمقراطية والحريات في العالم، والتي لطالما قدمت المجتمع الأمريكي على أنه يَنْعَمُ بالعدل والمساواة وأن التمييز صار من الماضي…، إلا أن ما حدث أظهر تضاربًا واضحًا وقوَّض مصداقيتها وفجَّر حقيقةً مهمةً تتمثَّل في ضعف السيطرة على المجتمع الأمريكي، وظهور هشاشة في بنيته، الذي طالما كان حلمًا للعديد من مواطني الدول الأخرى.

ويرى كثير من المراقبين للأحداث أن ما حدث مع “فلويد” ليس بمثابة حادثةٍ معزولةٍ، بل مؤشرٌ على تنامي العنف والتطرُّف والتمييز بحق الأقليات في المجتمع الأمريكي، فعلى الرغم من تصعيد المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة، لشخصياتٍ من مجتمع السود، على مدار السنوات الماضية وشغلهم مناصب رفيعة، أبرزهم الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”، ووزيرا الخارجية السابقان “كوندوليزا رايس” و”كولن باول”، ومستشارة الأمن القومي السابقة “سوزان رايس”، فإن الطبقات الدنيا من المواطنين الأمريكيين السود تعاني بحقٍّ من تبعات التمييز وظروف الحياة القاسية.

وفي إطار هذه الأزمة سعت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وفي سائر دول العالم، على اختلاف اتجاهاتها مع الإدارة الأمريكية وسياساتها ونظامها، إلى متابعة تلك الأحداث ونشر أخبارها وتقديم التحليلات والتفسيرات والقراءات حول الاحتجاجات وتبعاتها، من خلال تأطيرها ضمن زوايا ورؤى وأفكارٍ تخدم سياسات تلك الوسائل وأهدافها، وتوضح للجمهور ما تودُّ إيصالَه عبر تلك التغطيات، مما يجسِّد واحدةً من أهم النظريات الإعلامية “التأطير الإعلامي” (Framing)، التي تقوم على أساس أن أحداث ومضامين وسائل الإعلام لا يكون لها مغزًى إلا إذا وُضعت في تنظيمٍ وسياقٍ ينظِّم النصوص والمعاني، ويستخدم الخبرات والقيم الاجتماعية السائدة، بما يوفر القدرة على قياس محتوى الرسالة ويفسر دورها في التأثير على الآراء والاتجاهات؛ وبناءً عليه فإن تأطير الرسالة الإعلامية يقوم على وصف الحدث في إطار إعلامي، من حيث اللغة والصياغة، مع التركيز على عنصر محدد، لكي يصبح هذا الحدث مهمًّا في قلب الإطار الاجتماعي كله، مع أن هذا الحدث قد لا تكون له دلالة كبرى لدى الناس.

وتفترض نظرية “التأطير الإعلامي” أن أحداث وسائل الإعلام ومضامينها لا تنطوي على مغزًى معيَّنٍ، ولا يكون لها معنًى محددٌ، في حد ذاتها، وإنما تكتسب مغزاها ومعناها من خلال وضعها في إطارٍ أو سياقٍ إعلاميٍّ يحدِّدها وينظمها؛ ومن ثم تُنظِّم هذه الأُطُر الألفاظَ والمعانيَ والنصوصَ، وتستخدم الخبرات والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، وتُضفي على هذه الأحداث قدرًا من الاتساق؛ بالتركيز على بعض جوانبها وإغفال الجوانب الأخرى.

وقد سعى الكثير من الباحثين لتحديد مفهوم التأطير، فقالوا عنه إنه اختيار بعض الجوانب من الواقع دون غيرها، وجعلها أكثر بروزًا في النص الإعلامي، واتباع أسلوبٍ أو مسارٍ معينٍ يتمُّ من خلاله تحديدُ المشكلة أو القضية، وتفسيرُ أسباب حدوثها، وكذلك التقييمُ الأخلاقيُّ لأبعادها وجوانبها المختلفة، فضلًا عن طرح حلولٍ وتوصياتٍ بشأنها، والتأطيرُ أيضًا بناءاتٌ معرفيةٌ للقضية التي يتم إبرازها من خلالها، حيث يتناول الإطار الإعلامي أحد الأبعاد أو أكثر ويتجاهل الأبعاد الأخرى، ويبدو ذلك في صياغة الموضوع وتفسيره، أي أن الإطار ينقل جزءًا من الوقائع، وبعضًا من تفاصيل القضية ومعلوماتها، ويربطها بالحدث الآني، مما يعطي المعنى لهذا الحدث طبقًا للهدف الذي يرغب القائم بالاتصال في تحقيقه، وبعد ذلك تصبح القضية ذاتَ مغزًى لدى الجمهور.

ولا يتحقق تأثير التأطير فقط من خلال إبراز بعض الجوانب في الأحداث أو الوقائع، ولكن أيضًا من خلال الحذف أو الإغفال لجوانبَ أخرى، أو تقديم توصيات خاصة من خلال وسائل الإعلام، أي أن تأثير الأطر الإعلامية على الرسالة لا يتم عبر تشكيل الإطار بشكلٍ متعمَّدٍ فقط، بل يتحقق بالحذف والتجاهل والإغفال المقصود وربما غير المقصود من المصدر (القائم بالاتصال)، وبالتالي تؤثر عملية التأطير في القائم بالاتصال، ونص الرسالة، وجماهير المتلقين، والإطار الثقافي والاجتماعي؛ ولذلك فإن التأطير عملية هادفة من قِبَل وسائل الإعلام، عندما تعيد تنظيم الرسالة حتى تصبَّ في خانة إدراكات الناس ومؤثراتهم الإقناعية.

واستنادًا إلى تلك النظرية قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بتحليل أطر التناول الإعلامي لقضية الاحتجاجات الأمريكية الجارية للتعرُّف على اتجاهات تلك الوسائل وتفسيراتها للأحداث تبعًا لاختلاف انتماءاتها واتجاهاتها، وذلك على مستويات:

للتعرف على أطر التناول الإعلامي للاحتجاجات الأمريكية ومزيداً من التحليلات يمكنكم النقر على الصورة أدناه.. 

زر الذهاب إلى الأعلى