الدراسات الإعلامية

تيك توك.. منصة للنجومية والثراء السريع؟ أم تطبيق تكتنفه مخاطر الاختراق الشبكي وانحلال القيم؟

في الوقت الذي تُجبِر فيه عملياتُ الإغلاق بسبب وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) في جميع أنحاء العالم، الناسَ على البقاء في منازلهم، والحفاظ على التباعد الاجتماعي، حصل تطبيق “تيك توك TikTok” لمشاركة الفيديوهات القصيرة على دفعة كبيرة، وظهر كأكبر رابح على مدار الأشهر القليلة الماضية، إذ تم تحميله مليار مرة من متجر “جوجل بلاي – Google Play”.

وتفاعلت شركة “بايت دانس – ByteDance” الصينية المالكة للتطبيق مع الأزمة، عبر تفعيل البُعد الخاص بالمسئولية المجتمعية، مُتعهِّدةً بالتبرّع بمبلغ 250 مليون دولار لمساعدة جهود الإغاثة من فيروس كورونا على مستوى العالم، كما تبرّعت بـ 400 ألف بدلة طبية واقية من الموادّ الخطرة، و200 ألف قناع لحماية الأطباء والممرّضين في الخطوط الأمامية لمحاربة الوباء.

الأدبيات البحثية في دراسة تيك توك:

تناولت العديد من البحوث والدراسات العلمية تطبيق تيك توك وتحليل مميزاته، حيث قدّم Hou Liqian في دراسته عن “عوامل شعبية تيك توك”، مجموعةً من الدراسات والبحوث السابقة عن التطبيق، وقدّمت هذه الأدبيات السابقة تحليلاً لتطبيق تيك توك، كانت كالتالي:

أ‌)المزيج التسويقي وتيك توك:

قدم مكارثي مفهوم المزيج التسويقي في عام 1960، والذي يشمل عوامل المنتج والسعر والمكان والترويج، ويُمثّل تيك توك مزيجاً من المزايا التي تُقدّم منتجاً متفرداً.

فأولاً، ومن منظور تحديد موضع المنتج، أصبح سوق التطبيقات يسيطر عليه الأصغر سناً، لذلك فإن المستخدمين المستهدفين في المرحلة المبكرة من تيك توك هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و38 عاماً. ومن حيث ميزات المنتج، ينقسم تصميم الواجهة إلى التوصية والاهتمام، وهو أمر بسيط وسهل التشغيل، وبالتالي يجذب المزيد من المستخدمين المستهدفين. وباختصار، يحقق تيك توك تركيبة مفيدة من خلال تحسين العوامل الداخلية لتحديد موضع المنتج.

وثانياً، يُعدّ تفرّد المنتج أيضاً النقطةَ الرئيسية في التطبيق، فالسِّمة الرئيسية للتطبيق هي الموسيقى، التي تختلف عن تطبيقات الفيديو القصيرة الأخرى. حيث يمكن أن يُوصي تحليلُ البيانات الضخمة بالمحتوى الذي يهتم به المستخدمون وفقاً لتفضيلاتهم، ووقت الفيديو في الغالب 15 ثانية، مما يزيد من ثبات المستخدمين من خلال استخدام الوقت المخصّص.

ب‌)النموذج الاتصالي:

اقترح ديفيد بيرلو نموذج اتصال يَدمج الفلسفة وعلم النفس واللغويات والأنثروبولوجيا والاتصال الجماهيري والعلوم السلوكية والنظريات الجديدة الأخرى، لشرح العناصر المختلفة في عملية الاتصال. ويُحلّل هذا النموذج عمليةَ الاتصال إلى أربعة عناصر أساسية: المصدر، والرسالة، والقناة، والمتلقي.

ووفقاً للنموذج، يتم تحديد أي عملية اتصال من خلال العناصر الأربعة والعلاقة بينها، فالمصدر هو البادئ في عملية الاتصال بأكملها، والرسالة هي المحتوى الذي سيتم نشره، والقناة هي مجموعة متنوّعة من الأدوات لنشر المعلومات، والمتلقّي ليس فقط الشخص الذي يتلقى المعلومات ويفك تشفيرها، ولكنه أيضاً الشخص الذي يرسل التعليقات، وتعتبر الرسالة أهمَّ جزء في عملية الاتصال، فهي تربط المصدر والمتلقي وتعمل كحلقة وصل بينهما.

ومع التطوّر التدريجي للعلم والتكنولوجيا، دخلت الصين عصرَ الهواتف الذكية التي تعمل على تحسين السرعة وإثراء المحتوى، ويُعدّ تطبيق تيك توك الممارسة الأفضل لهذه الميزة التكنولوجية، حيث يمثل المحتوى كلَّ جوانب الحياة، وتجارب المستخدمين المختلفة.

وباختصار، يبدأ محتوى تيك توك بالكامل من احتياجات المستخدمين، ويزيد من تنوّع الفيديو وجودته، ويلبي خصائص الاستخدام لمختلف المستخدمين، وبالتالي يضمن التنوّع والأصالة في عملية الاتصال، بحيث يمكن تقديم محتوى الفيديو بشكل أفضل للمستخدمين.

إقبال هائل على استخدام التطبيق في ظل الحجر الصحي العام

وفقاً لما رصده موقع “أندرويد بوليس – Android Police”، تم تثبيت التطبيق خلال الفترة القليلة الماضية أكثرَ من مليار مرة على أجهزة أندرويد، وفي حين لا تصدر شركة “آبل – Apple” بياناً حول عدد عمليات التثبيت من متجر التطبيقات الخاصّ بها، فقد تمّ تصنيف تطبيق تيك توك نهاية فبراير الماضي، في المرتبة الرابعة بين تطبيقات الترفيه، وهو أيضاً ثالث أكثر التطبيقات المثبتة من على متجر جوجل بلاي.

وتُشير منصة Sensor Tower المختصّة بالتحليلات الإلكترونية، إلى أن التطبيق حقق أكثر من 115.2 مليون عملية تثبيت الشهر الماضي.

ويَسمح تيك توك لمستخدميه بإنشاء مقاطع فيديو لمزامنة الشفاه، تتراوح مدتها من 3 إلى 15 ثانية كحد أقصى، كما أنه يسمح بمقاطع فيديو قصيرة تبلغ 60 ثانية كحد أقصى.

ويَحظى تيك توك بالعديد من الخصائص المألوفة لمعظم منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام، إذ يعزز التواصل بين الأشخاص، ويسمح بمشاركة مقاطع الفيديو، والرد على مقاطع فيديو الآخرين.

ويتميز التطبيق بطابعه الفكاهي الترفيهي عبر تمكين المستخدمين من دمج الموسيقى، والقيام بمونتاج وإنتاج مقاطع فيديو جذابة للغاية، لهذا يمثل التطبيق أحدثَ مرحلة في ثورة ثقافية وتكنولوجية استمرت منذ منتصف العقد الأول من القرن الماضي، عندما ظهرت مواقع الشبكات الاجتماعية لأول مرة مثل “فريندستر – Friendster” و”ماي سبيس – MySpace”.

كما يتميّز تطبيق تيك توك عن غيره من التطبيقات مثل سناب شات، بالخوارزمية الخاصة بلوحة التحكّم الافتتاحية للتطبيق، فعلى عكس التطبيقات الأخرى، لا تمتلئ هذه الشاشة الرئيسية بالأشخاص الذين تتابعهم، لأن الخوارزمية تبحث عن مقاطع جديدة بدلاً من دفع المقاطع الشائعة بالفعل.

وسيلة سريعة لتحقيق الشهرة والثراء

في الوقت الذي رأى فيه المخرج الأمريكي الراحل آندي وارهول، في منتصف القرن الماضي، أن 15 دقيقة قد تجلب الشهرة إلى الشخص، اختزلت الثورة الاتصالية والتكنولوجية الراهنة تلك المدة إلى 15 ثانية فقط، وهي المدة القصوى لمقطع الفيديو مع الموسيقى في تطبيق تيك توك، الذي بات المنصة المفضّلة لمن هم دون سن الـ 25 عاماً.

وهناك القليل من السِّمات المطلوب توفّرها للتحوّل إلى “نجم تيك توك”، أولها أن يكون لديك شكل من أشكال الموهبة، سواء كان ذلك يتعلّق بالرقص أو مزامنة الشفاه أو الأداء المسرحي، فضلاً عن التحلّي بروح المرح، ما قد يدرّ أرباحاً طائلة.

وفي ظلّ العزلة الذاتية الناجمة عن كورونا، يُقبِل الأشخاص من جميع أنحاء العالم على استخدام التطبيق، لتخطّي حالة الملل، إذ بات متنفساً للملايين.

وقد نشرت منظمة DigitalLoft البريطانية أرباحاً تقديرية لكلّ مشاركة، لأكثر 10 أشخاص في حجم المتابعة على تطبيق تيك توك، وحلّت على رأس القائمة الراقصة الأمريكية “تشارلي ديميلو -Charli D’Amelio” (15 عاماً) حيث يتابعها ما يقرب من 46 مليون مستخدم، وتحقّق أكثر من 45 ألف دولار عن المقطع الواحد، تليها المغنية الأمريكية “لورين غراي – Loren Gray” (17 عاماً) ويتابعها نحو 42 مليوناً، وتكسب عن المشاركة الواحدة نحو 42 ألف دولار.

وأثار تحقيق نشره موقع ذا إنترسيبت الأمريكي، علاماتِ استفهام حول سياسة التطبيق في نشر المقاطع، ومدى إمكانية إتاحة الفرصة للجميع، إذ كشفت وثائق سرية اطّلع عليها الموقع، أن الشركة المالكة للتطبيق أعطت مشرفيه تعليمات بمنع ظهور الفيديوهات التي يَنشرها أصحابُ “الوجوه الدميمة”، أو المصوّرة في أحياء الفقراء أو منازلهم، في قائمةِ الترشيحات، من أجل الحفاظ على الصورة الجمالية للتطبيق، والتي تُعتَبر حاسمةً لنموّه وتعزيز انتشاره الهائل.

وقد أقرّت الشركة بوجود تلك المبادئ التوجيهية، بدعوى أنها لمنع التنمّر، لكنها أكدت على أنها ألغت بالفعل تلك التعليمات لاحقاً.

ثغرة أمنية تهدّد الخصوصية.. ومخاطر على المراهقين

يُعاني تطبيق تيك توك من ثغرة أساسية، وهي استخدامه بروتوكول اتصال HTTP غير الآمن لتمرير مقاطع الفيديو، فهذا يجعله أسرع وأبسط، ولكنه أيضاً معرّض لعمليات الاختراق والتلاعب.

ويَستخدم التطبيق شبكات توصيل المحتوى CDN لدفع المحتوى إلى جمهور عالمي يُقاس الآن بمئات الملايين.

ويُحذِّر خبراء الأمن السيبراني من أن بروتوكول الاتصال HTTP يمكن تتبّعه بسهولة، بل ويمكن تغييره من قبل جهات مشبوهة، حيث يفتح HTTP الباب أمام انتحال هوية الخادم ومعالجة البيانات، وهذا يجعله أداةً مثالية لأولئك الذين يحاولون بلا هوادة تلويثَ الإنترنت بمعلومات مضللة.

كما يُحذِّر الباحثون من أن تطبيق تيك توك لنظام تشغيل “آي أو إس – iOS” (الإصدار 15.5.6)، وتطبيق تيك توك لنظام “أندرويد – Android” (الإصدار 15.7.4)، لا يزالان يَستخدمان بروتوكول اتصال HTTP غيرَ المشفّر للاتصال بشبكة توصيل المحتوى.

وقد مَكّنت هذه الثغرة الأمنية من مراقبة مقاطع الفيديو التي تتمّ مشاهدتها من قبل مستخدمين بعينهم، أو عناوين بروتوكول الإنترنت “آي بي – IP”، ومع التحكّم بنقطة وصول المستخدم، يمكن تغيير المحتوى الذي تمّ تنزيله.

ويؤكد الباحثان طلال الحاج بكري وتومي ميسك في مذكرةٍ منشورة منتصف الشهر الماضي، أنه يمكن لأي جهاز توجيه بين تطبيق تيك توك وشبكة توصيل المحتوى الخاصة به، الكشف عن جميع مقاطع الفيديو التي قام المستخدم بتنزيلها ومشاهدتها.

بعبارةٍ أخرى، يمكن لمشغّلي شبكات “واي فاي – Wifi” العامة، ومزوّدي خدمة الإنترنت، ووكالات الاستخبارات، جمعُ هذه البيانات دون بذل الكثير من الجهد.

وفي ديسمبر الماضي، اكتشفت شركة “تشك بوينت – Check Point” للأمن السيبراني، عدداً من العيوب الأمنية في تطبيق تيك توك، بما في ذلك أنه سمح للهاكرز بالتحكّم في حساب المستخدم.

وأخيراً، إن لأيّ نوع من وسائل التواصل الاجتماعي مخاطره، وتزداد حينما ينتمي المستخدمون إلى فئة المراهقين، إذ لا يُقدِّر هؤلاء المراهقون العواقبَ المحتملة للمخاطر التي هُم على استعدادٍ لِتحَمُّلِها، من أجل أداءٍ حركي في مقطع فيديو، هذا فضلاً عن المخاطر التي تتّصل بنوع المحتوى الذي يشاهده هؤلاء المراهقون، فقد تكون هناك لغة بذيئة أو حركات جسدية غير لائقة، لذلك يمكن للوالدين تقييد التعليقات ومقاطع الفيديو الثنائية والرسائل الخاصة مباشرة في حسابات أبنائهم وبناتهم، مستفيدين من المزايا التي توفّرها اتفاقية المستخدم لتطبيق تيك توك، فهي تنصّ على حصول المستخدمين على إذن الوالدين، إذا كانت أعمارهم تقلّ عن 18 عاماً.

زر الذهاب إلى الأعلى