تقارير

الإعلان والإعلام وكورونا.. حدود التأثير وملامح التغيير

على وقع الإجراءات المتعلقة بالإغلاق الكليّ أو الجزئي حول العالم، لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، توقعت منظمة العمل الدولية تقليصاً في الوظائف تُقدَّر بـ 200 مليون وظيفة خلال الثلاثة أشهر القادمة، بما يؤثر على ما يقارب 2.7 مليار عامل، أي 4 من بين كلّ 5 من القوى العاملة العالمية، ويُعدّ قطاع الإعلام أحدَ أهم القطاعات المتأثرة بعمليات الإغلاق بشكل غير مباشر، عبر انخفاض حجم الإعلانات.

إقبال على قراءة الصحف يقابله انكماش الإعلانات

ففي الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعدّ من بين أكثر الدول تأثراً بوباء كورونا، حيث سُجِّلت أكثرُ من 25 ألف حالة وفاة، وأكثر من 600 ألف إصابة بالفيروس، أدى الانكماش الاقتصادي إلى فقد ما يقرب من 17 مليون أمريكي لعملهم، فضلاً عن تخفيضات بالأجور، وأُغلِقَت العديدُ من المنافذ الإعلامية.

ولم تكن المشكلة لدى الصحف في إيجاد الجمهور، فالتعطّش إلى الحصول على الأخبار خلال وقت الأزمات يَدفع أعداداً كبيرة من القراء إلى قراءة المطبوعات، ولكن مع توقف الشركات أو إغلاقها، لم تعد هناك رغبة أو قدرة على دفع ثمن الإعلانات، فانهار جزء كبير من نظام دعم هذه الصناعة.

ويرى ديفيد تشافيرن، الرئيس والمدير التنفيذي لـ “نيوز ميديا ألاينس”، وهي جمعية تجارية تمثل الصحف في الولايات المتحدة وكندا، أن انكماش الإعلانات المستمر يعتبر أمراً وحشياً.

ومع زيادة القراء ودفعهم لاشتراكات في الصحف، قد يُساعد ذلك بعضَ المؤسسات الإعلامية على الصمود مثل “سياتل تايمز”، التي تمتلك قاعدة من عائدات الاشتراك، يُمكِن أن تساعدها على تَحمُّل الأزمة، إلا أن تلك الاشتراكات لا تكافئ المكاسب من الإعلانات.

وعلى سبيل المثال، يقول آلان فيسكو، مدير الشؤون المالية لـموقع “باز فيد” الإخباري BuzzFeed News، إن “الاشتراكات التي تمثل أكثر من 60٪ من عائدات الموقع تتزايد، لكنها لا تعوض الانهيار التام للإعلانات، ومن غير الواضح إذا كانت الأمور ستعود إلى مستويات ما قبل الوباء أم لا”.

وتوقع فيسكو حدوث مزيد من الأزمات، وإغلاق المزيد من الصحف، ونتيجة لذلك سيحدث المزيد من الفقر في صناعة الأخبار.

أما كين دكتور، وهو محلل صناعة الأخبار في Newsonomics، فيرى أن تأثير تراجع الإعلانات على وسائل الإعلام، سيكون أسوأ بكثير من التأثير الذي أحدثته الأزمة المالية العالمية عام 2008 على القطاع، حيث شهدت إعلانات الصحف وقتها انخفاضاً بنسبة 19٪.

ثمة عامل آخر، اجتمع مع انكماش حجم الإعلانات، وهو انهيار ثقة الجمهور في مصادر الأخبار السائدة، ليس منذ وقت تفشّي الوباء فقط، بل منذ سنوات قبل ذلك، فمثلاً يكشف تقريرٌ صادر عن معهد “رويترز” لدراسة الصحافة العام الماضي، أن 40% فقط من الإيطاليين الذين شملهم الاستطلاع، يثقون في وسائل الإعلام الإخبارية، وهي نسبة يصفها التقرير بأنها منخفضة بشكل كبير، في حين أن الثلث فقط اعتقد أن وسائل الإعلام ترصد الأوضاع جيداً.

 تسريح العمالة وتخفيض الأجور وتوقف إصدارات

لا تتوفر بَعدُ بياناتٌ دقيقة عن عملية فقدان الوظائف في قطاع الإعلام، ولكن “جد كولكو” كبير خبراء الاقتصاد في موقع Indeed.com الأمريكي المتخصّص في عرض الوظائف، يقول إن القوائم الجديدة للوظائف في قطاع الإعلام والاتصالات قد انخفضت بنسبة 35% في آخر شهرين، مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي، مضيفاً أن انخفاض عدد الوظائف الأخرى كان أقلّ جذرياً حيث بلغ 24%، مما يُشير إلى أن الوباء كان له تأثير أكبر على صناعة الإعلام منه على الأعمال التجارية الأخرى.

وفي سبيل قياس آثار الوباء على الصحف والمجلات وشركات الإعلام الرقمي، أجرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، مقابلاتٍ مع المديرين التنفيذيين، وموظفي غرف الأخبار، وقادة النقابات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وخلصت إلى أنه تمّ تسريح ما يُقدَّر بنحو 28000 موظف في شركات وسائل الإعلام الإخبارية بالولايات المتحدة، أو تخفيض أجورهم منذ بداية تفشّي فيروس كورونا.

ومن أبرز هذه التجارب تجربة شركة Gannett الإعلامية العملاقة، التي مَنحت عدداً من موظفيها البالغ عددهم إجمالاً 24 ألف موظف، إجازة خمسة أيام غير مدفوعة الأجر شهرياً حتى يونيو.

كما أثّر توقفُ حركة الخطوط الجوية في المجلاّت التي توزّع في الطائرات، وهو ما تؤكده “ديب هوب” المتحدثة باسم شركة النشر MSP-C، إذ تشير إلى أن مجلة Sky، التي كانت توزّع على طائرات شركة “دلتا” لمدة عشر سنوات، أُغلِقَت وسُرِّح جميعُ موظفيها الـ 16، كما ألغت خطوط “ألاسكا” الجوية عدد أبريل ومايو، من مجلة “ألاسكا بيوند”.

تجربة تبعث الأمل.. وفرصة لإعادة التموضع

رغم أن تجارب تسريح العاملين في مجال الإعلام أو التقليل من أجورهم هي الحالة السائدة، إلا أن هناك حالةً إيجابية تُعتبر استثناءً في هذه الفترة، قامت بها شركة “هيرست” Hearst Corp في الولايات المتحدة، وهي تمتلك 33 محطة تليفزيونية، وعشرين صحيفة، بالإضافة إلى المجلات، حيث أظهرت قدرةً على تجاوز هذه الأزمة المحتدمة.

وأعلن الرئيس التنفيذي للشركة “ستيف شوارتز” أنه لن تكون هناك تسريحاتٌ للموظفين الإعلاميين البالغ عددهم 24000 موظف، علاوةً على ذلك، حصل جميعُ الموظفين على زيادةٍ في الأجور بنسبة 1%، وقالت الشركة أيضاً إنها ستقدّم مليون دولار للصليب الأحمر الأمريكي، ومليون دولار إضافية لمنظمة United Way.

ولا تُعتبر هذه التجربة إلا استثناء، فقد ساعدت الإمكانياتُ الكبيرة للشركة قدرتَها على الصمود، كما أن ذلك يُعتبر فرصةً لهذه المؤسسة لعرض أعمال الخدمة العامة، وجذب المزيد من الجماهير.

تُولَدُ الفرصُ من رحم المعاناة، وربما يَستفيد قطاعُ صناعة الإعلام من تلك الأزمة مستقبلاً، فبالنظر إلى الناحية الإيجابية، نجد أن النُّسَخ المادية من المطبوعات قد زادت رغم إغلاق آلاف أكشاك بيع الصحف.

وتقول جوليا بوسيتي من Rai 3 وهي قناة تلفزيونية إيطالية، إنها فرصة لوسائل الإعلام التقليدية في إيطاليا لإعادة الانتشار، واستعادة الثقة المفقودة، هذه هي اللحظة التي ستتمكّن فيها الصحافة التلفزيونية والمطبوعة أيضاً من استعادة ثقة مُشاهديها وقرائها، من خلال تقديم أنواع مختلفة من الصحافة، بحيث تُغطِّي الوباءَ المتفشّي حالياً، وتُقدّم تقارير تحاول فهمَ جذور المشاكل التي نواجهها الآن.

توقّعات بارتفاع حجم الإعلانات على المنصات الإلكترونية

يتوقع موقع eMarketer المهتمّ بالتسوّق الإلكتروني، أن يصل إجمالي الإنفاق على إعلانات الوسائط في جميع أنحاء العالم إلى 691,70 مليار دولار، بزيادة 7٪ عن عام 2019، وفقاً لأحدث تقديراته الصادرة في 6 مارس الماضي، وهو ما يمثل انخفاضاً عن توقّعات الموقع السابقة، والتي قَدَّرت أن الإنفاق الإعلاني في جميع أنحاء العالم سيرتفع بنسبة 7,4٪ إلى 712,02 مليار دولار هذا العام.

ويمكن أن تكون الشبكات الاجتماعية مستفيدةً رئيسية، حيث يلجأ الناس إلى هذه المنصّات للتواصل مع الأصدقاء والعائلة، في ظلّ التباعد الاجتماعي، أو للوصول إلى محتوى إخباري، على الرغم من المخاوف التي قد تكون لديهم حول قدرة شركات التكنولوجيا على العمل كمصدر معلوماتٍ موثوق به.

ويُفيد استطلاعٌ أجراه مركز “بيو” للأبحاث، بأن 55٪ من البالغين الأمريكيين حصلوا على أخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، غالباً أو في بعض الأحيان، عام 2019، مقارنةً بـ 47٪ في عام 2018.

ويُقدِّر موقع eMarketer أن البالغين الأمريكيين من 18 عاماً وأكثر، سيقضون 54:56 دقيقة يومياً على الشبكات الاجتماعية في عام 2020.

ومن المحتمل أيضاً أن تَستفيد خدماتُ بثّ الفيديو المتدفقة، حيث يسعى الجمهور للحصول على مزيد من الترفيه أو المحتوى الإخباري مثل Netflix و Hulu و Amazon Prime Video، ما قد يؤدّي لاجتذاب مشتركين جدد.

زر الذهاب إلى الأعلى