مقدّمة..
مع استمرار حالة القلق العالمي نتيجة انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) في شتى أرجاء العالم، منذ ظهوره في مدينة ووهان الصينية أواخر العام الماضي، وصولاً إلى ما يزيد على 60 دولة أخرى، وتزايد عدد المصابين والوفيات، دون الوصول إلى إجراء وقائي فعّال يَقضِي على الفيروس، لجأت الحكومات إلى اعتماد عدد من الإجراءات التوعوية والوقائية المهمّة للسيطرة على انتشار كورونا.
وفي إطار حرص المملكة على سلامة مواطنيها والمقيمين فيها، اتخذت قيادتها عدداً من الإجراءات الاحترازية والوقائية للحدّ من انتشار الفيروس، ومن أهمّ تلك القرارات قرار وزير التعليم بتعليق الدراسة مؤقتاً في مدارس وجامعات المملكة، اعتباراً من يوم الاثنين 14/7/1441هـ وحتى إشعار آخر.
وذلك انطلاقاً من الحرص على حماية صحة الطلاب والطالبات والهيئة التعليمية والإدارية في التعليم العام والجامعي وضمان سلامتهم، وذلك في ضوء ما قضى به الأمر السامي الكريم رقم (42874) وتاريخ 11/7/1441هـ باتخاذ قرارات تعليق الدراسة في مناطق ومدن المملكة متى ما تطلّب الموقف ذلك.
ومع الاعتراف بحكمة القرار وأهميته في هذا التوقيت، إلا أنه كان مقيّداً بشروط لضمان استمرار جودة العملية التعليمية وفاعليتها، من خلال سير العمل بالمدرسة الافتراضية خلال فترة تعليق الدراسة عبر وسائل التعلّم عن بُعد، وتوفير الآليات المناسبة لذلك، إلى جانب مباشرةِ مكاتب الإشراف عملَها خلال مدة التعليق لمتابعة العملية التعليمية، والتنسيق في إجراءات التعليم عن بُعد، والردّ على استفسارات أولياء الأمور.
وقد أثارت تلك القرارات تفاعل المستخدمين السعوديين في تويتر، حول مدى فاعلية آليات التعليق وجدواها، وذلك حسب اختلاف خصائص المستخدمين ومواقفهم وطبيعة علاقتهم بالعملية التعليمية، فظهرت العديد من التغريدات والهاشتاقات التي تعبّر عن حالة القلق من الفيروس، وكذلك الموقف من الإجراءات المتعلقة بالعملية التعليمية وسُبل التحصيل من خلال آليات التعليم الإلكتروني ومدى فعاليتها، وعمليات تقييم الطلاب من خلال الاختبارات وتوقيت انعقادها، وهو ما تمّ رصده من خلال مجموعة الهاشتاقات التي كانت معنيّة بمناقشة موقف التعليم في المملكة.
موضوع الدراسة:
قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بتحليل محتوى الهاشتاقات البارزة التي تناولت تعليق العملية التعليمية في المملكة، حيث تم تحليل 6 من أهمّ الهاشتاقات التي تداولها مستخدمو تويتر بشأن موضوع تعليق الدراسة وإجراء الاختبارات، وتمثلت هذه الهاشتاقات في التالي:
- هاشتاق #تعليق_الدراسة، والذي تجاوز عدد تغريداته (368962) تغريدة، وعدد المتفاعلين معه (562738) مستخدماً سعودياً، وقت إجراء الدراسة، وتمحورت فكرته الأساسية حول مناقشة فعالية قرار التعليق، من حيث استمرار أو إلغاء الدراسة في الفصل الدراسي الثاني.
- هاشتاق #اعتمدوا_درجات_الترم_الأول، والذي تجاوز عدد تغريداته (100428)، وعدد المتفاعلين معه (439787)، وناقش المغردون فيه قرار تعليق الدراسة وأنه غير كافٍ، مطالبين بعدم استكمالها في الفصل الدراسي الثاني.
- هاشتاق #تقديم_الاختبارات، وتجاوز عدد تغريداته (36023)، وعدد المتفاعلين معه (41919)، وطالب المغردون فيه بتقديم موعد اختبارات الفصل الدراسي الثاني مع قرار تعليق الدراسة، وعدم الارتكان إلى فكرة إلغاء الدراسة أو اعتماد درجات الفصل الدراسي الأول كنتيجة نهائية للعام الدراسي الحالي.
- هاشتاق #استفتاء_الميدان_التعليمي، والذي يدور حول طلب الرأي ووجهة النظر حول قرار استمرار تعليق الدراسة أو تقديم موعد الاختبارات.
- هاشتاق #المدرسة_الافتراضية، ويتعلق بفكرة متابعة ونشر محتويات العملية التعليمية الافتراضية وأخبارها وأدواتها.
- هاشتاق #وزارة_التعليم، ويهتم بمتابعة أخبار وزارة التعليم، أو موضوعات العملية التعليمية ومخرجاتها وما يتعلق بها.
نتائج الدراسة:
تباينت اتجاهات التغريد في الهاشتاقات السابقة، فعلى صعيد التفضيل بين خياري استمرار تعليق الدراسة أو تقديم الاختبارات، والذي ظهر من خلال تفاعل المستخدمين السعوديين مع التغريدة الرئيسية لهاشتاق #استفتاء_الميدان_التعليمي، والتي طلبت الاستفتاء حول هذا الموضوع من خلال التفاعل بخاصية إعادة التغريد (الريتويت) كتعبير عن اختيار تقديم الاختبارات، أو الإعجاب كتعبير عن اختيار تعليق الدراسة، وجاء الاتجاه الغالب للمتفاعلين بتأييد قرار تقديم موعد الاختبارات، بواقع (7900) إعادة تغريد، مقابل (2500) إعجاب حتى وقت إجراء الدراسة.
وبشأن الهاشتاقين #اعتمدوا_درجات_الترم_الأول و #تقديم_الاختبارات، أظهرت أعداد المتفاعلين والمغرّدين حول فكرة عدم استكمال الدراسة واعتماد درجات الفصل الدراسي الأول، اتجاهاً قوياً، إذ تجاوز عدد المتفاعلين مع الهاشتاق المعنيّ بهذه الفكرة – وقت إجراء الدراسة – (439787) مستخدماً، من خلال (100428) تغريدة، وبنسبة 91% من مجموع المتفاعلين مع الهاشتاقين، ما يُظهر اتجاهاً أقوى نحو هذا الطرح من الاتجاه الآخر الخاصّ بتقديم موعد الاختبارات، وبفارق كبير في التفاعل، حيث وصل عدد المتفاعلين في هاشتاق #تقديم_الاختبارات (41919) متفاعلاً، من خلال (36023) تغريدة فقط، وبنسبة 9%.
وهو نفس الاتجاه الجماهيري الذي ظهر من خلال استفتاء الميدان التعليمي، حيث بلغت نسبة اعتماد نتيجة الفصل الأول 75%، مقابل 25% لتقديم الاختبارات.
أما بالنسبة للمداخل الإقناعية للأفكار الرئيسية التي عبّرت عنها مطالبُ المغرّدين، فقد اعتمدت الأفكار المؤيّدة لفكرة تعليق الدراسة على أطر المسئولية المجتمعية للاحتراز والوقاية من الفيروس، ومسئولية الأفراد عن اتخاذ الإجراءات الفردية المناسبة للوقاية، والوقوف إلى جانب قرارات الدولة المعنية بهذا الشأن، وكذلك أطر الدفاع عن قرارات ووجهات نظر المسئولين وقيادات المملكة، فيما يعتمدونه من إجراءات تتعلق بالصالح العام، وذلك من خلال مجموعة من الأساليب العقلانية للتعبير عن دواعي الفكرة وأهميتها وإجراءاتها، والأساليب العاطفية للتعبير عن أهمية القرار للصالح العام وحماية الوطن وأفراده.
في حين اعتمدت الأفكار المعارضة على أطر عقلانية ترفض فكرة تأجيل أو تعليق الدراسة لما لها من ضرر نفسي على الطلاب، لعدم انتظام العملية التعليمية وعدم وضوح معالمها، وضرر مادي نتيجة خطر التعرّض للإصابة بالفيروس بعد العودة، أو صعوبة التحصيل العلمي نتيجة عدم الانتظام في المؤسسة التعليمية وبالتالي ضعف التقييم.
كما أظهرت بعض التغريدات اتجاهاً فكرياً مختلفاً برفض اقتصار قرار التعليق على فئات معينة، واستثناء فئات مشرفي المكاتب الميدانية ومتابعي العملية التعليمية، بالإضافة إلى اتجاهات فكرية أخرى رفضت فكرة “انتقاد قرار التعليق تحت مبرّر أن من وراءه هم المعلّمون أنفسهم”.
أما الأفكار المؤيّدة لإلغاء الدراسة واعتماد درجات الفصل الدراسي الأول، فقد استندت إلى أطر عقلانية تُبرز ضرورةَ الاحتراز من مخاطر انتشار الفيروس، والحديث عن صعوبة استكمال الدراسة بهذا الوضع، مع عدم فاعلية عملية التعليم الافتراضي والتعليم عن بُعد – من وجهة نظرهم – كما في التعليم المباشر، بالإضافة إلى عدم توفّر المنصات والقنوات التعليمية الافتراضية لدى جميع الطلاب، كما اعتمد العديد منهم على أطر تقديم الحلول الوظيفية لكيفية تنفيذ الفكرة المقترحة، وآليات احتساب الدرجات الدراسية للطلاب بناءً عليها، في حين لجأت العديد من التغريدات إلى الدفاع عن الفكرة (اعتماد درجات الفصل الدراسي الأول)، والهجوم على مَن يعارضونها بقرار تأجيل الدراسة وتعليقها أو تقديم موعد الاختبارات، موضّحين ضعف مبرّرات أصحاب الاتجاه المعارض.
وكانت الأطر الفكرية المُطالِبة بتقديم موعد الاختبارات، معتمدةً بشكل أكبر على الأسلوب العاطفي، من خلال ضرورة الحرص على مصلحة الطلاب ومستقبلهم، وعدم الارتكان إلى درجات الفصل الدراسي الأول، لاحتمالات تعديلها، أو لضمان عدم ضياع مجهود الطلاب والمعلمين خلال هذه الفترة، مع ضرورة الحرص على صحة الطلاب من خلال تقديم موعد الامتحانات وعدم تأجيلها.
في حين كانت هناك تغريدات معارضة لهذا الاتجاه، تحت مبررات عدم اللجوء لأيّ تجمّعات قد تحدث أثناء الاختبارات، ما يزيد من فرص زيادة المخاطر، أو لعدم جدوى فكرة تقديم الموعد – من وجهة نظرهم -.
خاتمة..
لاحظت الدراسة حالة التفاعل الكبير من جانب المواطنين على منصة تويتر، مع الهاشتاقات الخاصة بالعملية التعليمية والبدائل المحتملة للتعامل مع انتشار فيروس كورونا، سواء باستمرار تعليق الدراسة، أو استئنافها وتقديم الاختبارات، أو الاعتماد على التدريس الإلكتروني عن بُعد، وهي حالة جدلية ناتجة عن حالة الحذر التي فرضها فيروس كورونا، إلى جانب التخوّف من توقف العملية التعليمية ومعدّل الجودة في التعليم الإلكتروني، وهي حالة طبيعية نتيجة الظروف الطارئة التي يمر بها العالم أجمع، ولهذا لجأ المواطنون إلى منصة تويتر للتعبير عن آرائهم حيال ذلك، وهي آراء وإن تنوّعت مُنطلقاتها، إلا أنها تتفق على الحرص على صحة طلاب المدارس والجامعات، والحرص على مستقبلهم الدراسي في الوقت نفسه.
لمزيد من التحليلات يمكنكم الضغط على هذه الصورة