تحليل

ارتدادات إقليمية.. هل تشتعل جبهة القتال في اليمن بعد سقوط الأسد في سوريا؟

شهدت الشهور الأخيرة وبالأخص الأسابيع القليلة الماضية تطورات سياسية وعسكرية غيرت من شكل توازن القوى في صراعات وأزمات ممتدة منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط، ما بين اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية إسماعيل هنية في طهران وخلفه يحيى السنوار في غزة، والقضاء على قيادات جماعة حزب الله اللبنانية وعلى رأسهم أمينها العام حسن نصر الله في معقله بالضاحية الجنوبية لبيروت، وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ووصف مراقبون تلك التطورات بأنها تمثل انهيارا لما يسمى بـ”محور المقاومة” الذي يعد واجهة للنفوذ الإيراني في المنطقة، فضلًا عن أنها تعيد ترتيب موازين القوى الإقليمية.

وفي ظل حالة الارتباك السياسي والميداني لحزب الله التي أجبرته على الانخراط في اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل برعاية أمريكية، وتضاؤل دور ميليشيات العراق منذ مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في غارة أمريكية بالعراق عام 2020، والقطيعة بين طهران ودمشق منذ لحظة سقوط نظام الأسد، تبدو جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) الذراع “الفاعلة” الوحيدة المتبقية لإيران، إذ سعت الجماعة خلال الأيام الماضية عبر ضربات صاروخية على تل أبيب وإعلانها إسقاط مقاتلة أمريكية من طراز “إف 18″ خلال استهداف حاملة طائرات في البحر الأحمر- قالت واشنطن إن الطائرة سقطت بـ”نيران صديقة”- لتوجيه رسائل بأن محور المقاومة ما زال قائمًا، لكن كل المؤشرات الراهنة تظهر أن اليمن بات على فوهة بركان.

  • علاقة الحوثيين مع إيران بعد سقوط نظام الأسد

لقد تولى الحوثيون في اليمن وزعيمهم عبد الملك الحوثي دورًا أكثر بروزًا داخل ما يسمى بـ”محور المقاومة” بعد خسارة قادة رئيسيين داخل حماس وحزب الله مثل يحيى السنوار وحسن نصر الله، ومما لا شك فيه أن انهيار نظام الأسد أفقد إيران نفوذها في سوريا، مما يعني أن طهران قد تضاعف دعمها للحوثيين كوسيلة للحفاظ على الذراع الوحيدة المتبقية لها لممارسة النفوذ في المنطقة. ومع ذلك، فإن قدرة إيران على تزويد الحوثيين بالموارد – بما في ذلك شحنات الأسلحة – قد تتأثر بسبب الاضطرابات في طرق الإمداد الإيرانية التي تمر عبر سوريا وكذلك العراق ولبنان، بحسب تقرير للمجلس الأطلنطي.

وفي الوقت نفسه، قد تستلهم القوات الحكومية اليمنية وحلفاؤها نجاح الفصائل السورية في الإطاحة بنظام الأسد، فتقوم بجهود عسكرية جديدة لإنهاء الانقلاب الحوثي في اليمن، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة إشعال الحرب بعد ما يقرب من 3 سنوات من الهدوء النسبي في البلاد، إذ تشير تقارير إعلامية إلى دعوة للنفير ضد الحوثي في عدد من الجبهات في اليمن، كما أن تصاعد الاشتباكات على الخطوط الأمامية في محافظات متعددة، مثل تعز والضالع وشبوة ولحج وما وراءها، ينذر بهجوم أكبر للقوات الموالية للحكومة اليمنية الشرعية على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

  • أوجه الشبه بين الحالة السورية واليمنية

وفقا لتقرير لمعهد “إنتربرايز” الأمريكي للأبحاث، فإن اليمنيين متحمسون حاليًا للخلاص من الحوثيين، فبعد ما يقرب من ربع قرن من الحكم، رحل بشار الأسد عن سوريا، ولم يتمكن داعموه الروس والإيرانيون من حمايته، وقد انهار حكم الأسد لأسباب بسيطة تتمثل في الفساد وسوء الإدارة لدرجة أن الجنود لم يروا سببًا للتضحية بحياتهم من أجله، وفي حين كانت لديه قاعدة بين الأقلية العلوية، إلا أن هذا لم يعد كافيًا.

وتنطبق نفس هذه السمات على الحوثيين في اليمن، ففي حين يتمتعون ببعض الدعم القبلي، إلا أنهم لم يتمكنوا من توسيع قاعدتهم خارج الأسرة والعشيرة بسبب حكمهم الفاسد، على الرغم من أنهم لا يزالون يتلقون عائدات كبيرة من ميناء الحديدة، بسبب عدم رغبة الأمم المتحدة في إلزامهم بشروط اتفاقية استوكهولم التي تحرمهم من القدرة على الاستفادة من الميناء والمساعدات الإنسانية الدولية. ولتعويض فشلهم في الحكم، يحاول الحوثيون فرض إرادتهم من خلال فوهة البندقية.

  • ضربات عسكرية إسرائيلية محتملة أوسع نطاقًا

اتصالًا بالتطورات الراهنة في المشهد الإقليمي، تبدو احتمالات تعرض اليمن لضربات عسكرية إسرائيلية أوسع نطاقا أكبر من أي وقت مضى، فقد توالت التصريحات الإسرائيلية الرسمية التي تتوعد الحوثيين، إذ صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الدرس الذي تعلمته حماس وحزب الله ونظام الأسد سيتعلمه الحوثيون أيضًا.

كما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس أن تل أبيب ستضرب بشدة جماعة الحوثي في اليمن التي لا تزال آخر منظمة تستهدف إسرائيل، مضيفا: “كما تعاملنا مع يحيى السنوار في غزة وإسماعيل هنية في طهران وحسن نصر الله في بيروت، سنتعامل مع رؤوس الحوثيين في صنعاء أو في أي مكان في اليمن”

وفي ذات السياق، رجحت مؤسسة “ساري” العالمية المهتمة بالشؤون الأمنية تنفيذ إسرائيل عملية شاملة بعيدة المدى في اليمن، مشيرة إلى أنه أصبح لدى المخططين العسكريين الإسرائيليين الآن نموذج لتفكيك البنية التحتية لوكيل إيراني آخر، والانتقال من الضربات الدقيقة الانتقائية إلى العمليات الشاملة المستدامة، متوقعة أن تركز الخطط العسكرية على مناطق حيوية مثل الحديدة، وهي مركز ساحلي استراتيجي ومعقل لقوة الحوثيين، ومنصة لتهريب الأسلحة، ومركز للهجمات على الملاحة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن اليمن ستكون على الأرجح  في المرحلة المقبلة جبهة قتال مشتعلة مع مجيء إدارة أمريكية جديدة برئاسة دونالد ترامب سيكون على رأس جدول أعمالها تقليم ما تبقى من أظافر لإيران في المنطقة لا سيما الحوثيين، الذين تعتزم إعادة إدراجهم على قوائم الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى