في مقابلة نادرة على منصة “إكس” استمرت لأكثر من ساعتين، عاد الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب بشكل عملي إلى موقع التواصل الاجتماعي بعد غياب استمر 3 سنوات منذ إعلان الموقع – تويتر في حينها- حظر حساب ترامب بعد أحداث اقتحام مبنى الكونجرس في يناير 2021، ورغم أن المالك الجديد للمنصة الملياردير إيلون ماسك أعاد تنشيط الحساب في 2022، لكن الرئيس الأمريكي السابق لم ينشر أي تعليقات على المنصة منذ ذلك الحين سوى مرة واحدة قبل نحو عام.
وبينما يتبقى أقل من ثلاثة أشهر على الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل، يتطلع ترامب لكل نافذة تمكنه من الوصول إلى ملايين الناخبين بشكل مباشر، لذا جاءت عودته بقوة للمنصة، حيث أخذ يشارك العديد من مقاطع الفيديو الخاصة بحملته الانتخابية عبر الحساب قبيل ساعات من المقابلة التي حظي بثها المباشر بمتابعة أكثر من مليون مستخدم للمنصة، على الرغم من مشاكل تقنية واجهتها أدت لتأخير انطلاق البث المباشر لمدة 42 دقيقة، أرجعها ماسك إلى “هجوم DDOS”، أي “الهجوم الضخم لحجب الخدمة” من خلال إغراق خوادم الشركة بهدف تعطيلها، معتبراً أن هذا يُظهر أن هناك معارضة كبيرة لمجرد أن يستمع الناس إلى ما يقوله ترامب.
- لماذا لجأ ترامب إلى إكس؟
يمكن تفسير لجوء ترامب إلى منصة إكس في هذا التوقيت الحساس من الحملة الانتخابية الرئاسية – قبل أقل من شهر عن المناظرة المرتقبة ضد منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في 10 سبتمبر المقبل- إلى عاملين رئيسيين وهما:
- شخص المحاور:
الملياردير إيلون ماسك الذي أعلن رسميًا تأييده لترامب بعد تعرض الرئيس السابق لمحاولة اغتيال الشهر الماضي، فضلًا دعمه حملته الانتخابية بتبرع شهري يبلغ 45 مليون دولار، ولذلك فإن ترامب ضمن التوافق الأيديولوجي مع المحاور ومن ثم القدرة على الحديث دون التعرض لأسئلة هجومية أو تحمل عناء التحضير لاستراتيجية دفاعية خلال الحوار، بل إنه اتخذ من هذه المساحة منبرًا وفرصة لإطلاق تصريحات نارية واتهامات ضد خصومه بكل أريحية، لا يجدها سوى في البرامج الإذاعية الحوارية اليمينية أو المنافذ التلفزيونية المحافظة، حيث يُمنح ترامب مساحة لمشاركة وجهات نظره دون أي مقاطعة أو تحقق من الحقائق من جانب المضيفين له.
وقد تحقق ذلك أيضا على منصة “إكس” حيث تبادل ترامب وماسك مجموعة من نظريات المؤامرة والأفكار المتطرفة، فعلى سبيل المثال شبها المهاجرين غير الشرعيين بـ”الزومبي”، وتحدثا عما يُسمى بـ”انقلاب ديمقراطي” على الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل اختيار نائبته هاريس مرشحة للرئاسة.
وقد وصل التناغم بين ترامب وماسك لدرجة أن المرشح الجمهوري رحّب بانضمام الملياردير إلى إدارته حال فوزه بالانتخابات الرئاسية من أجل الاستعانة بجهوده في خفض النفقات الحكومية.
ويشار إلى أن ماسك-قبل فترة طويلة من إعلانه تأييده لترامب -، تحول بشكل متزايد نحو اليمين في منشوراته وقراراته على “إكس” ، واستخدم المنصة أيضًا لمحاولة التأثير على الخطاب السياسي حول العالم، فقد دخل في جدال مع قاض برازيلي بشأن الرقابة على المنصة إثر أمر قضائي بإغلاق حسابات تنشر معلومات مضلّلة، وضخم الادعاءات الكاذبة بأن الديمقراطيين ينقلون المهاجرين جوا بشكل سري للتصويت في الانتخابات الأمريكية، وأعاد أيضًا حسابات كانت محظورة مثل حساب الإعلامي اليميني المتطرف والمروّج لنظريات المؤامرة أليكس جونز.
- طبيعة المنصة:
على الأرجح جاء اختيار ترامب -وبالطبع فريق الاتصال الاستراتيجي بحملته الانتخابية- الظهور في مقابلة عبر “إكس” في الوقت الراهن، من أجل كسر موجة الزخم الذي تحظى به هاريس في وسائل الإعلام الأمريكية منذ انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، وهو ما دفع الإعلام التقليدي من صحف وشبكات تلفزيونية إلى تسليط الضوء مجددًا على ترامب، لا سيما في ظل توتر علاقته بالإعلام والصحافة وهو ما ظهر بجلاء الشهر الماضي، حيث كان عدوانيًا أثناء إجراء مقابلة مع لجنة من الصحفيات السود خلال مؤتمر الرابطة الوطنية للصحفيين السود، حيث شكك في الهوية العرقية لهاريس. كما جاءت إجابات المرشح الجمهوري، في مؤتمر صحفي تم تحديد موعده على عجل في بالم بيتش بولاية فلوريدا الأسبوع الماضي، ملتوية في كثير من الأحيان.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد “إكس” المرشح الجمهوري على الوصول لشريحة واسعة من الجمهور، فمتابعو ترامب على “إكس” أكبر بكثير منهم على موقعه الخاص للتواصل الاجتماعي “تروث سوشال”، فلدى المرشح الجمهوري ما يزيد قليلاً على 7.5 مليون متابع على “تروث سوشال”، بينما يتابع حسابه على “إكس” 88 مليونًا. ويحظى حساب ماسك، الذي استضاف المقابلة، بأكثر من 193 مليون متابع.
وقد حققت محادثة إيلون ماسك وترامب 16.4 مليون استماع، و84 مليون مشاهدة للمنشور، 319 ألف تعليق، و111 ألف إعادة نشر، و374 ألف إعجاب.
- تحذير استباقي من التضليل وتفنيد الادعاءات
كان من اللافت للنظر أن استضافة ترامب في مساحة على حساب ماسك قوبلت بتحذيرات استباقية من التضليل، وأعقبها تحليلات من مدققي المعلومات لتفنيد ما بها من ادعاءات. وقد حذر تييري بريتون، المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية، ماسك من احتمال “تضخيم المحتوى الضار” من خلال بث مقابلته مع ترامب. وحث بريتون في رسالة نُشرت على “إكس”، إيلون ماسك على ضمان امتثال المنصة لقانون الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قانون الخدمات الرقمية، الذي تم اعتماده في عام 2022 لمعالجة قضايا من بينها المعلومات المُضللة. وهو ما أثار حفيظة ستيفن تشيونج، المتحدث باسم حملة ترامب الانتخابية، الذي عد ذلك الأمر تدخلًا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، داعيا الاتحاد الأوروبي إلى “الاهتمام بشؤونه الخاصة بدلا من محاولة التدخل في الانتخابات الأمريكية”.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فعقب المقابلة، نشرت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية تحليلًا رصد نحو 20 “ادعاءً كاذبًا”- على حد وصفها- أطلقه ترامب خلال المحادثة مع ماسك، مشيرة إلى أن معظم تلك الادعاءات تم الرد عليها مرارًا وتكرارًا من قبل، وبعضها يعود إلى سنوات، وقد غطت مجموعة واسعة من الموضوعات من الهجرة والاقتصاد مرورًا بالسياسة الخارجية وسجل ترامب كرئيس وصولًا إلى منافسته هاريس.
- خطاب انتخابي مكرر
كما أن ترامب خلال مشاركته في مساحة ماسك لم يقدم سوى القليل للغاية من المعلومات الجديدة حول آرائه، إذ ركز على مهاجمة هاريس، ووصفها بأنها “محتالة” فشلت إلى جانب بايدن، في معالجة قضية الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة عبر الحدود مع المكسيك ، محذرًا من خراب الاقتصاد الأمريكي حال فوزها بالرئاسة، كما كرر عددًا من ادعاءاته غير المستندة لأدلة مثل تزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، وأن القضايا الجنائية المرفوعة ضده مؤامرة من قبل إدارة بايدن لتقويض ترشيحه، وأن قادة الدول الأخرى يرسلون بشكل متعمد المجرمين و”أشخاصهم غير المنتجين” إلى أمريكا.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن استضافة إيلون ماسك كمالك لواحدة من المنصات الرائدة للتواصل الاجتماعي لترامب في مساحة على حسابه الرسمي بالمنصة ودعوته الصريحة للمستمعين إلى دعم المرشح الرئاسي الجمهوري – رغم إعلان ماسك رغبته في استضافة هاريس أيضا- تثير العديد من التساؤلات حول مدى التزام المنصة بالحيادية خلال السباق الانتخابي الرئاسي، وتأثير ملكية المنصة على قراراتها التنظيمية، وكذلك فاعلية سياستها للتصدي لخطاب الكراهية ونظريات المؤامرة التي تشهد حالة من الرواج في ظل اشتعال المنافسة الانتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين.