في السابع من أكتوبر الجاري، استيقظت منطقة الشرق الأوسط والعالم على تطور غير مسبوق على الساحة الفلسطينية مع قيام عناصر من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية بشن هجوم مباغت بري وبحري وجوي على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، وإطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل، في يوم احتفال الإسرائيليين بعيد “سيمشات توراة” اليهودي، مما شكّل أكبر عملية للفلسطينيين ضد الاحتلال منذ نكبة عام 1948.
- تطور غير مسبوق
ويمكن تلمس التطور غير المسبوق لعملية “طوفان الأقصى” من خلال عدة مؤشرات أولها مسارعة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإعلان رسميًا عن كون إسرائيل في حالة حرب في قرار هو الأول من نوعه منذ حرب أكتوبر 1973 قبل 50 عامًا، بجانب استدعاء الجيش الإسرائيلي لـ300 ألف جندي احتياط في أكبر عملية من نوعها على الإطلاق.
أما عن المؤشر الثاني فيتصل بإعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نشر حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد” إلى شرق البحر المتوسط في رسالة ردع واضحة إلى حزب الله اللبناني، بعد ساعات من قصف قامت به عناصر الحزب تجاه مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة.
بينما يتعلق المؤشر الثالث بالداخل الإسرائيلي؛ حيث توصيف الإعلام العبري ومسؤولين إسرائيليين سابقين لما حدث، إذ تحدثت صحف إسرائيلية عن فشل استخباراتي وحمّلت نتنياهو مسؤولية ما يجري، فيما وصف المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام الدولي، جوناثان كونريكوس أن ما جرى بالنسبة لإسرائيل كان مباغتًا وأشبه بالهجوم الياباني على الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية، وهو الوصف ذاته الذي ذهب إليه رئيس مجلس النوب الأمريكي السابق الجمهوري كيفن مكارثي.
- خيارات إسرائيل
وفي ظل تقديرات إعلامية إسرائيلية بوجود أكثر من 150 أسيرا إسرائيليا في قبضة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، تبدو تل أبيب في خياراتها العسكرية مكبلة بقيود، إذ تنحصر في ثلاثة سيناريوهات رئيسة أولها يتمثل في شن الغارات الجوية – وهو ما يحدث الآن-، حيث استهدفت قطاع غزة بقصف انتقامي بأكثر من ألف طن من المتفجرات والصواريخ- بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي-، غير أن ذلك المسار محفوف بمخاطر على حياة هؤلاء الأسرى، إذ أعلنت كتائب القسام عن مقتل 4 أسرى إسرائيليين نتيجة القصف على القطاع.
بينما يتعلق السيناريو الثاني بتنفيذ القوات الخاصة الإسرائيلية عمليات خاطفة تستهدف تصفية قادة حماس أو تدمير أهداف ذات قيمة كبيرة أو تحرير أسرى إسرائيليين، وهي مسألة تستلزم معلومات استخباراتية دقيقة للغاية، في وقت تعرضت فيه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سواء “الموساد”، أو شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ” أمان” أو جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” لانتكاسة كبرى وحالة من الشلل المؤقت.
أما السيناريو الثالث– وهو الأقل احتمالًا- يفترض أن تشن إسرائيل هجومًا بريًا كبيرًا مع الاستعانة بفرق مدرعة تستهدف تدمير البنية التحتية لحركة “حماس”، لكن تل أبيب تدرك جيدًا صعوبات تلك الخطوة حيث القتال في بيئة حضرية كثيفة مثل غزة – 2.23 مليون نسمة وفقا لبيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني- سيكون بطيئا وصعبا وسيفضي لحرب شوارع، ومن المؤكد أنه سيسفر عن خسائر فادحة، تتسبب في إثارة الرأي العام العربي والعالمي.
ووفقًا لمجريات التطورات الميدانية- حتى الآن- فإن تل أبيب لجأت إلى تفعيل السيناريو الأول الخاص بتكثيف الضربات الجوية مع تشديد الحصار التام على غزة، ويأتي ذلك في ظل سعي حكومة نتنياهو لاحتواء الغضب الداخلي الإسرائيلي المتصاعد الذي ينذر بكتابة نهاية لمسيرته السياسية ولحزبه الليكود على غرار ما حدث لرئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير وحزب العمل بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973.
ويمكن تفسير إحجام تل أبيب حتى اللحظة الراهنة عن تفعيل السيناريوهين الثاني والثالث في سياق رغبتها في ترك مساحة للوساطات الإقليمية من أجل استعادة الأسرى الإسرائيليين في أقرب وقت، وهي مسألة لن تكون سهلة على الإطلاق بالنظر إلى عددهم الكبير والصفقات السابقة المماثلة، فصفقة إعادة جندي إسرائيلي واحد “جلعاد شاليط” في عام 2011 جرت مقابل الإفراج عن 1027 أسيرة وأسيرًا فلسطينيًا، كما أنها تمت بعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط في الأسر.
- التأثيرات المحتملة
من المؤكد أن عملية “طوفان الأقصى” سيكون لها تداعيات واسعة على أطرافها الرئيسة – إسرائيل والفصائل الفلسطينية لا سيما حماس – وعلى المشهد الإقليمي وتفاعل القوى الدولية مع القضية الفلسطينية. فعلى الصعيد الإسرائيلي، بلا شك سيتم فتح تحقيقات في الإخفاق على المستوى الاستخباراتي والعسكري، وعلى الأرجح سيذهب الائتلاف الحاكم أدراج الرياح، كما ستتم الإطاحة بعدد من القيادات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية.
أما على مستوى الفصائل، وإن استطاعت تحقيق مكاسب كتحرير أسرى إلا أنها ستكون “مكاسب وقتية”، قد تضطر إسرائيل لدفعها حاليًا، لكن بعد تجاوز تل أبيب اللحظة الحالكة الراهنة ستعمد إلى سياسات وإجراءات -ربما غير عسكرية- أكثر تشددًا وانتقامًا من غزة.
وعلى صعيد آفاق محادثات السلام التي تشهد جمودًا منذ عام 2014، فيمكن القول بأن عملية “طوفان الأقصى” تبعث برسالة مفادها أن استمرار إسرائيل – المتوقع – في الأعمال الاستفزازية سيُقابل بتصعيد من جانب الفلسطينيين، مما يعني المزيد من المواجهات الدامية التي تُضعف الفرص أمام الحلول السلمية وحل القضية وفق قرارات الشرعية الدولية. وهو ما يتطلب تحركا فاعلا من جانب القوى الإقليمية والدولية نحو إحياء عملية السلام.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة العربية السعودية كانت قد استشعرت مبكرًا مخاطر ما يجري حاليًا، وتكررت تحذيراتها من عواقب انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته. وبناءً عليه جددت مطالبتها للمجتمع الدولي بضرورة الاضطلاع بمسؤولياته والمضي قدمًا في عملية سلمية ذات مصداقية تؤدي إلى حل الدولتين وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة بما يُحقق الأمن والسلم في المنطقة.