ضاعفت التغيرات الدولية الحديثة من أهمية دراسة الصورة الذهنية والعوامل المتعلقة بتكوينها والبرامج اللازمة لتحسينها، وذلك من منطلق تجسيد الصورة الذهنية للتصورات التي يحملها الأفراد من مختلف الدول عن العالم من حولهم بمكوناته المختلفة، وتعد هذه الصورة نتاجًا طبيعيًّا لخبرات الأفراد المباشرة وغير المباشرة التي يتلقونها عبر تفاعلاتهم الاتصالية المختلفة.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، نجد أنها شهدت خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا مع إطلاق رؤية المملكة 2030 العديد من التحولات والموجات التحديثية في شتى القطاعات من أبرزها قطاع الترفيه مع استحداث الهيئة العامة للترفيه، التي بذلت بدورها جهودًا جبارة عبر أنشطة وفعاليات متعددة من أهمها موسم الرياض، مما أدى لتغييرات في الصورة الذهنية عن المملكة على مستوى العالم العربي، وهو ما نستعرضه في التقرير التالي.
- أهمية الصورة الذهنية ومكوناتها
تقوم الصورة الذهنية بدور مهم ومحوري في تشكيل الرأي العام، واتخاذ القرارات وتشكيل سلوك الأفراد، كما تساعد المنظمات والمؤسسات والقيادات السياسية في رسم الخطط، واتخاذ القرارات التي تُكوّن صورة إيجابية تتفق مع احتياجات الجمهور، فضلًا عن أنها تؤدي دورًا مهمًّا في إثراء أو تقديم الرؤية المتكاملة للدراسات الإعلامية والإدارية والاجتماعية والنفسية؛ نظرًا لكونها تقوم بدور مؤثر في السلوكيات والقرارات المتعلقة بتسيير أمور الحياة.
ويشير الباحثون إلى أن الصورة الذهنية تشتمل على 3 مكونات أساسية؛ المكون المعرفي، ويُقصد به المعلومات التي يدرك من خلالها الفرد موضوعًا أو قضيةً أو شخصًا ما، وتُعتبر هذه المعلومات هي الأساس الذي تُبنى عليه الصورة الذهنية التي يكونها الفرد عن الآخرين، وعن الموضوعات والقضايا المختلفة.
أما المكون الثاني فهو المكون الوجداني، ويُقصد به الميل بالإيجاب أو السلب تجاه موضوع أو قضية أو شخص أو شعب أو دولة ما في إطار مجموعة الصور الذهنية التي يُكوّنها الأفراد.
ويتمثل البُعد الثالث في المكون السلوكي؛ إذ يعكس سلوك الفرد طبيعة الصورة الذهنية المشكّلة لديه عن مختلف شؤون الحياة.
- الصورة الذهنية القومية وخصائصها
ومع تعدد أنماط الصورة الذهنية تبرز الصورة الذهنية القومية التي تشير إلى مجموعة من الانطباعات والأفكار والاتجاهات التي تُكوّن تمثيلًا عامًّا أو سائدًا، فهي عبارة عن وصف موجز، أو تصور موحد لشعب دولة ما أو حكومته.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل دول العالم تسعى إلى تشكيل صورة ذهنية قومية إيجابية لنفسها سواء داخل أو خارج البلاد، مستندة في ذلك على عدد من الأدوات منها وسائل الإعلام والاتصال، فكلما زادت القوة الإعلامية والاتصالية للدولة زادت قدرتها على تشكيل هذه الصورة.
وتتسم الصورة الذهنية القومية بمجموعة من الخصائص، أبرزها أنها ليست ثابتة أو مطلقة، بل نسبية متغيرة؛ تبعًا لتغير العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بجانب أن للصورة الذهنية القومية محددات تاريخية وسياسية واجتماعية ترتبط بالعلاقات الواقعية.
- اتجاهات الجمهور العربي نحو دور الهيئة العامة للترفيه
وفي هذا الإطار، سعت دراسة ميدانية نشرتها مجلة البحوث والدراسات الإعلامية بعنوان “اتجاهات الجمهور العربي نحو دور الهيئة العامة للترفيه في تغيير الصورة الذهنية للمملكة العربية السعودية”، لإبراز اتجاهات الجمهور العربي نحو الدور الذي تؤديه هيئة الترفيه في تحسين صورة المملكة العربية السعودية الذهنية. وتمثّلت عينة الدراسة من 400 مفردة من الجمهور العربي شملت (مصر والجزائر والسودان والبحرين والأردن)، شكلت الإناث 51% مقابل 49% للذكور، وبلغت نسبة عدد المفردات من مصر 32%، تلتها الجزائر 26%، ثم السودان 19.8%، والأردن 11%، وأخيرًا البحرين 10.8%.
وقد أظهرت نتائج الدراسة أن 93.5% من الجمهور العربي عينة الدراسة على علم بوجود ودور الهيئة العامة للترفيه، بينما جاءت نسبة من لا يعرفون عن وجودها ودورها 6.5%، وكان أهم مصدر من مصادر معرفة الجمهور العربي بوجود الهيئة هو مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة 93.2% يليه الإعلانات التلفزيونية بنسبة 80.2% ثم المواقع الإلكترونية 76.7% وفي المرتبة الرابعة الأهل والأصدقاء بنسبة 49.2% ثم البيانات الوزارية بنسبة 28%، تليها الإعلانات الإذاعية 26.2% ثم الإعلانات الصحفية بنسبة 24.5% وأخيرًا لافتات الطريق بنسبة 22%.
ووفقًا لنتائج الدراسة فإن 82.3% من الجمهور العربي عينة الدراسة، يرى أن دور الهيئة العامة للترفيه في تحسين صورة المملكة جاء إيجابيًّا. واتفقت العينة محل الدراسة على تميز العناصر الآتية: “السعودية مكان مناسب للتسوق” بنسبة 60.7%، كما أن “السعودية تمتلك أماكن جذابة وتتمتع بجو لطيف” بنسبة 52.7%، وأن “السعودية بها تنوع ثقافي وتاريخي” بنسبة 44.7%، ورأت 42.7% من العينة أن شعب السعودية ودود ومضياف.
كما أظهرت النتائج أن الهيئة العامة للترفيه اعتمدت في الاستراتيجيات الدعائية لتغيير صورة المملكة العربية السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعتبر من أهم الوسائل التي تستخدمها الهيئة في تنشيط دورها ووظائفها، وأن المضمون الذي تتوجه به الهيئة عبر رسائل إخبارية أو ثقافية أو ترفيهية أو غيرها، لا يؤدي إلى إدراك الحقيقة فقط، بل إنه يسهم في تكوين الحقيقة أيضًا.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن 79.5% من الجمهور العربي عينة الدراسة لديه صورة إيجابية عن المملكة بعد التعرض للأنشطة الترويجية لهيئة الترفيه؛ وعكست النتائج أهم العوامل التي جذبت انتباه الجمهور العربي، ومنها دعم وتطوير المسارح ودور السينما، وإقامة الفعاليات الفنية، والفعاليات الترفيهية المتنقلة والبرامج التلفزيونية الترفيهية، إضافة إلى توفير فرص عمل في العديد من مجالات الاستثمار وجذب الاستثمارات الخارجية، واتجاه الشركات للاستثمار داخل المملكة، وزيادة معدل عمل النساء في جميع الوظائف.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الهيئة العامة للترفيه استطاعت من خلال استراتيجيتها الدعائية وبرامجها التنفيذية ترسيخ انطباع إيجابي لدى الجمهور العربي الذي أضحى ينظر إلى المملكة كوجهة سياحية ترفيهية ووجهة للتسوق، وهو أحد المستهدفات الرئيسية للرؤية الطموحة للمملكة 2030.