أدى تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال العقدين الماضيين إلى انتقال العالم من مرحلة الإعلام التقليدي إلى الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي، التي غيرت من طرق وأساليب التواصل بين المؤسسات والجمهور، وأوجدت مسارًا جديدًا للاتصال المؤسسي والسياسي، وأتاحت حجمًا هائلًا من البيانات التي يمكن من خلالها رصد توجهات واهتمامات الرأي العام، ومن ثم إعداد رسائل اتصالية للتأثير فيه.
وفي ظل الدور الذي تقوم به المنصات الاجتماعية في دفع المستخدمين للمشاركة النشطة للمعلومات والتفاعل مع الأحداث والقضايا بشكل آن، بات من غير الممكن فصل عالم السياسة حاليًا عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، فالنجاح في استخدام تلك المنصات يُمكِّن الفاعلين السياسيين من الحصول على دعم إيجابي، وفي المقابل فإن الفشل في الاستفادة منها يهدد بإلحاق أضرار واسعة بصورتهم أمام الجمهور.
عناصر الاتصال السياسي
تتمثل المرتكزات التي تقوم عليها عمليات الاتصال السياسي في 3 عناصر، وهي كالتالي:
“الأيديولوجيا- Ideology“:
هي نظام من الأفكار والمعتقدات المتعلقة بالسلوك البشري الذي يتم تبسيطه والتلاعب به عادةً من أجل الحصول على دعم شعبي لأفعال معينة، وعادة ما يكون عاطفيًا في إشارته إلى الفعل الاجتماعي.
“الدعاية- Propaganda“:
يتم من خلالها التلاعب بالبيئة، إذ تسعى رسائل الدعاية إلى إحداث التأثير باعتبارها إحدى أدوات “الحرب النفسية”. وقد أدى تطوير تقنيات الاتصال الجديدة إلى تغيير طريقة نشر الدعاية، فباتت حملات الدعاية تجري عبر جميع وسائل الاتصال المتاحة، وخاصة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي أحدثت ثورة في مجال الدعاية من حيث أساليبها ومدى وسرعة انتشارها. هذا ويمكن تعريف الدعاية الحديثة بأنها جهد متسق ودائم لإنشاء أو تشكيل الأحداث للتأثير على علاقات الجمهور بمشروع أو فكرة أو مجموعة.
“الإقناع –Persuasion“ :
هو عملية تواصل للتأثير على الآخرين، حيث تحتوي الرسالة الإقناعية على وجهة نظر أو سلوك مرغوب فيه للمتلقي ليتبناه بشكل طوعي، ويعتبر الإقناع صفة بمعنى أن الأفراد يستجيبون للرسالة الإقناعية التي تعد بتلبية رغباتهم أو احتياجاتهم. بعبارة أخرى الإقناع هو عملية متبادلة يعتمد فيها الطرفان (المرسل والمستقبل) على بعضهما البعض، وهو ما يتجسد عمليا في حالة السياسي والناخب.
الإعلام الجديد والفاعلية والمشاركة السياسية
وفرت شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فرصة للشباب لإجراء نقاش سياسي من خلال مجموعات وصفحات وحسابات مختلفة، فقد طور الإنترنت اهتمامات مستخدميه تجاه السياسة وحسّن الفاعلية السياسية للمستجيبين، وجعلهم يقدمون على المشاركة السياسية عبر الإنترنت وخارجه.
وقد اهتمت العديد من الدراسات الأكاديمية ببحث تأثير الإنترنت على المشاركة السياسية في العالم الرقمي أو العالم الحقيقي، وتناولت كذلك دوره في تشكيل تصورات المواطنين عن السياسة، إذ أصبح استخدام الإنترنت المصدر الرئيسي للفاعلية والمشاركة السياسية، وتعزيز الوعي حول التصويت وتنظيم الحملات الانتخابية، من منطلق حقيقة مفادها أن وسائل الإعلام الجديد تعمل على زيادة نسبة إقبال الناخبين من بين مستخدميها، كونها تساعدهم على فهم الشؤون السياسية بشكل أفضل من خلال الحصول على المعلومات، وإتاحتها منبرًا للتواصل مع جماهير كبيرة.
وتؤكد دراسات عديدة ركزت على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الأنشطة السياسية بين طلاب الجامعة أن محتوى فيسبوك يظهر استجابة إيجابية فيما يتعلق بالمشاركة السياسية. كما اهتم نفرٌ من الباحثين بتقييم الروابط الاجتماعية عبر الإنترنت والمشاركة السياسية، وفحص كيف تزيد المنصات عبر الإنترنت من التفاعل السياسي؛ إذ وجدوا أن وسائل الإعلام الجديد تسمح بالمشاركة في السياسة والتعبير عن الآراء علانية، كما أن الحملات الإلكترونية على منصات التواصل تربط المستخدمين بشكل مباشر، وتعزز من مشاركتهم سواء قبل الانتخابات أو بعدها.
وفي هذا الإطار، وجدت دراسة أجراها مركز “بيو” الأمريكي لاستطلاعات الرأي وتناولت العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة السياسية، أن 39% من البالغين في الولايات المتحدة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وأن واحدًا من كل ثمانية بالغين يستخدمونها لأغراض مدنية وسياسية.
من جهة أخرى، أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي اتجاهات جديدة للمشاركة السياسية وغيّرت أنماط الاتصال السياسي، إذ سعت دراسة نشرتها مجلة ” Business Horizons” إلى استكشاف الحقائق حول الوسائط الاجتماعية والرقمية في الاتصال السياسي، وخلصت إلى وجود علاقة قوية بين السياسيين ومستخدمي تلك المنصات، فقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تحسين التفاعل بين الناخبين والسياسيين بشكل كبير، فعلى سبيل المثال كشفت دراسة تحليلية لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على السلوك الانتخابي في الهند، أن منصات التواصل توحد الأفراد داخل الأحزاب السياسية.
وفيما يتعلق باستخدام السياسيين لوسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على تصورات الناخبين، وجدت الدراسة أن الناخبين يستجيبون بشكل أكثر إيجابية للمحتوى الشخصي للسياسيين بدلاً من المحتوى المهني. وقد أظهرت النتائج بوجه عام أن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم على نطاق واسع كشبكة اتصال بين المرشحين والناخبين لتوفير المعلومات السياسية، والدعوة إلى المشاركة وتعبئة الجمهور، كما تلعب دورًا حيويًا في التثقيف السياسي.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في عالم السياسة
من المهم للمؤسسات السياسية أن تشارك بفاعلية في الاتصال السياسي القائم على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة خلال أوقات الحملات الانتخابية، حيث تعتبر المنصات الاجتماعية بمثابة قاعدة معلومات لمعرفة الرأي العام حول السياسات والمواقف السياسية، بالإضافة إلى أنها منصة لبناء الدعم المجتمعي للسياسيين، وقد أظهرت دراسات عديدة أن السياسيين في جميع أنحاء العالم قد اعتمدوا على وسائل التواصل الاجتماعي لبناء علاقات مع الناخبين والمشاركة في حوار مباشر مع المجتمع وتشكيل النقاش السياسي، فهذه المنصات لديها القدرة على خلق مساحة للحوار مع الجمهور وجذب الناخبين الشباب وهم شريحة مهمة بالنسبة للسياسيين.
وتشهد العديد من التجارب بهذا، فعلى سبيل المثال، يُنظر إلى النجاح في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على أنه أحد عوامل فوز الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008، وقد تم توجيه حوالي 30% من رسائل حملة أوباما من خلال وسائل الإعلام الجديد. وقبل أوباما بسنوات برز اسم السياسي الأمريكي الديمقراطي “هوارد دين” الذي كان قادرًا على استخدام الإنترنت لجذب انتباه الرأي العام.
تحديات وسائل التواصل الاجتماعي للفاعلين السياسيين
يرتبط بتوسع السياسيين في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من التحديات، يأتي على رأسها فقدان حدود المكانة الاجتماعية في هذا العالم الرقمي، لذلك يجب أن يكون الفاعلون السياسيون مستعدين لمواجهة النقد حتى وإن كان لاذعًا، كما يجب عليهم أن يدركوا أيضًا أنه على الرغم من أنهم قد يكونون حزبًا سياسيًا حاكمًا أو مسؤولًا كبيرًا، فإن مواقفهم على وسائل التواصل الاجتماعي ستكون متساوية مع مستخدمين آخرين، وإذا لم يتم التعامل مع هذه التحديات بحكمة، فالنتيجة أن هؤلاء الفاعلين السياسيين سيصبحون في الواقع موضع ازدراء في الفضاء الإلكتروني.
من جهة أخرى، لم يعد بإمكان الفاعلين السياسيين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة “للتنفيس- “ventفي عصر التفاعل الرقمي، فقد يكون عدم مراعاة الدقة في إصدار الرسائل السياسية والصور مصدرًا للإزعاج.
وأخيرًا، لا تضمن بيئة الوسائط الرقمية سلامة المعلومات، فبمجرد نشرها على الإنترنت، يمكن لأي شخص تعديلها، علمًا بأن الكثير من مستخدمي الإنترنت ورواد مواقع التواصل الاجتماعي لا يهتمون بالبحث والتدقيق في صحة المعلومات.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت فعالة للغاية في وضع الأجندة السياسية للمجتمعات، وحشد الرأي العام وتشجيع المشاركة السياسية، فهي تمثل قفزة كبيرة عن الفترات الماضية التي كان الفاعلون السياسيون يعتمدون فيها بشكل رئيسي على الكتيبات والمنشورات والملصقات والجرافيتي واللافتات وحملات طرق الأبواب لكسب الناخبين.
فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتحول جزء كبير من الإعلانات إلى هذه المنصات أضحت الإعلانات السياسية جزءًا من ذلك المشهد، كما تحول أيضًا الاعتماد من الاستعانة بشركات علاقات عامة إلى الاستعانة بمتخصصين في استراتيجيات التسويق وإدارة الحملات عبر المنصات الاجتماعية.