تواجه وسائل الإعلام مشكلة عند التركيز على الأخبار السلبية والإبلاغ عن المشكلات، خوفًا من أن يشعر هذا النهج الجمهور بالعجز والاستسلام إلى اللامبالاة، ويدفع قطاعات منهم ببساطة إلى التوقف عن متابعة الأخبار، إلا أن التغلب على تلك الإشكالية يكمن بكل بساطة في اتباع نهج يسمى بـ”صحافة الحلول- Solutions Journalism”.
وتعود جذور صحافة الحلول إلى “صحافة السلام- peace journalism” في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي و”الصحافة العامة- public journalism” في التسعينيات، فبينما تحدت الأولى النهج الصحفي التقليدي للنزاع باعتباره صراعًا بين جانبين في محاولة لإيجاد حلول غير عنيفة للمشكلات، انتقدت الصحافة العامة الاعتقاد بأن وظيفة الصحفي هي فضح المخالفات ودفع الأفراد للانخراط في الأمور ذات الأهمية العامة.
وخلال التقرير التالي نستعرض مفهوم صحافة الحلول وخصائصها وفوائدها والمخاطر التي تكتنف عملية تطبيقها.
ما “صحافة الحلول- Solutions Journalism“؟
يرجع استخدام مصطلح صحافة الحلول إلى الممارسين في الولايات المتحدة الأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي، ففي عام 1998 لاحظ الصحفيون ظهور نوع جديد من الصحافة يركز على دور الأشخاص والمؤسسات التي تعالج المشاكل الاجتماعية، وهي ليست المرة الأولى التي يكتب فيها محررو الصحف عن الحلول، لكنها كانت من أوائل المرات التي كتب فيها عن فكرة صحافة الحلول ولم يتم إضفاء الطابع الرسمي على هذه الممارسة إلا مؤخًرا من قبل مؤسسات مثل شبكة “سبارك نيوز-“SparkNews و”شبكة صحافة الحلول-Solution Journalism ” التي قدمت تدريبات للصحفيين في أكثر من 80 غرفة أخبار حول كيفية الإبلاغ بفاعلية عن القصص التي تركز على الحلول في التقارير التي تتناول الاستجابات للمشكلات الاجتماعية.
ولا يوجد تعريف محدد لصحافة الحلول، حيث تدور معظم التعريفات حول فكرة ربط وصف المشكلة بنظرة عامة على الحلول الممكنة أو الحالية لها. وعلى الرغم من ذلك يمكن تعريف صحافة الحلول بأنها تقارير قائمة على الأدلة وموجهة نحو تقديم حلول للقضايا الاجتماعية التي تشغل الجمهور على المستويين المحلي أو العالمي. ويلاحظ أن غرف الأخبار والصحفيين الذين يمارسون صحافة الحلول يقدمون تقارير تتضمن محتوى صحفيًا جاذبًا للانتباه إلى قضية معينة مع توفير نماذج لحلول ممكنة.
ويمكن للقصص التي تركز على الحلول إعادة صياغة المشكلات بطريقة تثير تفكيرًا جديدًا بين صانعي السياسات وأعضاء المجتمع على حدٍ سواء، إذن يترتب عليها تأثيرات من بينها جلب المزيد من الاستراتيجيات الفعالة إلى بؤرة اهتمام المجتمع، وتحديد أسباب التقاعس عن العمل، والمساعدة على تغيير مسار النقاشات المجتمعية والسياسات الرسمية، وكذلك إعادة تصور الوضع الراهن.
ماذا عن سمات وخصائص صحافة الحلول؟
توجد ثمة مجموعة من الخصائص المميزة لصحافة الحلول يمكن استخلاصها من خلال الإجابات على التساؤلات التالية:
هل تشرح القصة الصحفية أسباب مشكلة اجتماعية؟ إن توثيق أسباب المشكلة التي تحاول القصة الصحفية معالجتها سيوضح فرصة الحل في إيجاد تأثير.
إلى أي مدى يشترط أن تقدم القصة استجابة مرتبطة بهذه المشكلة؟ إذا كانت القصة لا تصف استجابة، فلا يمكن تصنيفها في إطار صحافة حلول.
هل تتدخل القصة في حل المشكلة وكيفية التنفيذ؟ تتعمق القصة الصحفية في كيفية حل المشكلات، والتحقيق في أسئلة مثل ما هي النماذج التي تحقق نجاحًا في تحسين الوضع إزاء مشكلة ما وكيف تعمل هذه النماذج؟
هل تقدم القصة أدلة على النتائج المرتبطة بالاستجابة؟ تدور صحافة الحلول حول الأفكار ومسألة تحديد ما يصلح أو لا يصلح تكون مدعومة حيثما أمكن بأدلة قوية، وتتمثل في تأكيدات المراقبين الموثوق بهم مع ضرورة عدم المبالغة في نجاعة تلك الحلول.
ماذا عن شرح القصة الصحفية لحدود الاستجابة؟ تنطلق صحافة الحلول من قاعدة أساسية وهي أنه لا يوجد حل مثالي لأي مشكلة اجتماعية، فكل استجابة لها محاذير وقيود ومخاطر، وما يميز صحافة الحلول الجيدة أنها لا تخجل من ذكر تلك القيود.
هل تستند القصة إلى مصادر لديها فهم لطبيعة ما يجري على أرض الواقع؟ تتسم صحافة الحلول بأنها صحافة نابضة تعتمد على رؤى إرشادية عملية من الأشخاص العاملين على الأرض الملتحمين بالمشكلة الذين يكونون على دراية بالواقع وتفاصيل تنفيذ الحلول.
ما مخاطر كتابة قصة صحفية تنتمي لنمط صحافة حلول؟
يتمثل الخطر الواضح لصحافة الحلول في أن ينتهي بها المطاف في المناصرة والبدء في دعم أشخاص أو منظمات معينة. ولتجنب هذه المخاطر وتعظيم القيمة المضافة، توصي لوسي سيرنا، منسقة برنامج صحافة الحلول في أوروبا الوسطى والشرقية بالالتزام بالمبادئ التالية:
تجنب تسليط الضوء على الأشخاص والتركيز على طرح حل للمشكلة وعرض كيفية حدوثها: يعتبر الأفراد في قصص صحافة الحلول محركًا للتغيير وليسوا أبطالًا، لذا يجب التركيز على ما فعلوه وعواقب أفعالهم، وما إذا كان نهجهم قابلاً للتكرار.
تقديم أدلة على التأثير ومدى فاعلية الحل المقترح: النيات وحدها لا تكفي، وقيمة صحافة الحلول تكمن في المعرفة القابلة للتطبيق، لذلك تكون أفضل لقطة في هذا النمط الصحفي هي تغطية قصص النجاح مع إبراز قابليتها للتطبيق في سياقات مختلفة، كما يمكن أن تكون قصص الفشل أيضًا ذات قيمة، فمن المهم أن يعرف الجمهور تلك المحاولات ويستخلص دروسًا مستفادة من تلك المساعي.
السعي لطرح رؤى تساعد الآخرين على الاستجابة للمشكلة وليس مجرد الإلهام: لا بد أن تقدم القصة الصحفية المزيد من التفاصيل العملية حول كيفية تطبيق الحل المقترح أو مكان البحث عن الإجابات والحلول.
مناقشة قيود أو محاذير الاستجابة: لا يُتوقع من صحافة الحلول تقديم حل مثالي للجميع، لأن مثل هذه الحلول ببساطة غير موجودة، بل إن القصة الصحفية تكون أكثر مصداقية إذا ناقشت القيود والمخاطر المرتبطة بالحل.
ماذا عن أوجه استفادة غرف التحرير من صحافة الحلول؟
وفقًا لمركز دراسة المشاركة الإعلامية بجامعة تكساس، إذا كانت القصة تحتوي على جميع المكونات الأساسية الخمسة لصحافة الحلول (مشكلة، حل، تنفيذ، نتائج، رؤى)، فمن المحتمل أن تؤدي إلى: تحسين تصور القرّاء لجودة المقالة، وزيادة اهتمام القراء بهذه القضية ومعرفتهم بها، بجانب زيادة النوايا لقراءة المزيد من المقالات حول هذه القضية، كما أنها تعزز إيجابية القراء، وتدفعهم إلى الاعتقاد بأن هناك طرقًا لمعالجة هذه المشكلة بشكل فعّال.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأجزاء اللاحقة من القصة (التنفيذ والنتائج والرؤى) تعمل بشكل جيد فقط إذا تم الإبلاغ عن المشكلة والحلول بشكل شامل.
وفي ذات الإطار، وجب التنويه أن تطبيق نهج صحافة الحلول لا يتطلب تغييرًا كاملًا في المؤسسة الصحفية أو الإعلامية التي تطبقه، حيث يمكن لوسائل الإعلام دمج صحافة الحلول في عملياتها اليومية، كأن تؤسس قسمًا منفصلًا بموقعها الإلكتروني مثل قسم “Education Lab” في موقع صحيفة “سياتل تايمز” أو يكون من خلال برنامج مثل “People Fixing the World” الذي يبث على هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن صحافة الحلول تمثل إعادة توجيه أساسية لماهية الصحافة، حيث يعمل هذا النمط من الصحافة على تحفيز القراء والمستمعين والمشاهـدين، كما يسهم أيضًا في تغيير الرأي العام، وقـد يـؤدي إلى تغيير في السياسات، ويسمح بوجود نقاش بنّاء بشكل أكبر وأقل إثارة للانقسام، لذلك تعتبر صحافة الحلول أداة لتعزيز ثقة المواطن في وسائل الإعلام وخلق علاقة جديدة معهم.
من جهة أخرى، إذا تم العمل بشكل جيد على سرد القصص باستخدام نهج صحافة الحلول، فسيمثل ذلك عامل جذب لاهتمام القراء والحفاظ عليهم، ومن المرجح أن تتم مشاركة القصص الصحفية الموجهة نحو الحلول على شبكات التواصل الاجتماعي لأن هذه القصص الصحفية تجعل القراء والمستمعين والمتابعين لها يشعرون بأنهم أقل عُرضة لكل من المَلل والفتور والسخرية من المشكلة التي تتناولها الصحافة.
كما يفضل الشباب القصص الصحفية المبنية على الحلول وهم أكثر حماسًا في مشاركتها عبر الإنترنت، وهذا النهج يمكن أن يجذب قراء جددًا ورعاة من المعلنين ما يعني توفير مصدر عائدات جديدة تقيم الصحافة من عثراتها المالية الخانقة على المستوى العالمي.
وأخيرًا، يبقى التأكيد على أن مفهوم صحافة الحلول ما زال بحاجة إلى مزيد من الفهم والتفسير في بيئتنا العربية من خلال معاهد وكليات الصحافة والإعلام، وكذلك تأهيل ممارسي الصحافة على تطبيق هذا النهج في إعداد القصص الصحفية للصحافة المطبوعة أو الإذاعية أو التلفزيونية.