أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي إحدى التقنيات الاتصالية المميزة للعصر الحالي، حيث يتم استخدامها من قبل مليارات الأشخاص حول العالم، ومن المتوقع أن ينمو العدد الإجمالي لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى 3.29 مليار مستخدم في عام 2022، وهو ما سيشكل 42.3% من سكان العالم.
وبالنظر إلى الجمهور الهائل الذي يقضي ساعات طويلة يوميًّا في استخدام مختلف المنصات الاجتماعية، فليس من المستغرب أن يتبنى المسوقون تلك المنصات كقناة تسويقية أساسية، ونظرًا للطبيعة المتغيرة السريعة لتلك المنصات وكيفية استخدام المستهلكين لها، لن يكون مستقبل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التسويق مجرد استمرار للوضع الراهن، وهو ما تناولته دراسة نشرتها “مجلة أكاديمية علوم التسويق- Journal of the Academy of Marketing Science”.
وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل القريب
سلطت الدراسة الضوء على ثلاثة موضوعات ظهرت في البيئة الحالية ستستمر في تشكيل مشهد وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل القريب، وهي الوجود الاجتماعي الشامل، وصعود المؤثرين، ومخاوف الثقة والخصوصية، فهذه المجالات المختلفة ستؤثر على عدد من أصحاب المصلحة، مثل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي سواء الأفراد والشركات والعلامات التجارية التي تستخدم هذه الوسائل وصناع السياسات العامة (مثل الحكومات والجهات التنظيمية).
الوجود الاجتماعي الشامل
كان نشاط وسائل التواصل الاجتماعي في البداية محصورًا في الغالب على منصتي فيسبوك وتويتر، ثم لاحقًا استفادت التطبيقات التي تخدم بشكل أساسي أغراضًا محددة من فرصة تضمين وظائف الوسائط الاجتماعية في واجهاتهم، فبات المستهلكون في عالم تتقاطع فيه وسائل التواصل الاجتماعي مع معظم جوانب حياتهم من خلال التفاعل الاجتماعي الممكّن رقميًّا في مجالات مثل السفر عبر تطبيق “TripAdvisor”، والعمل من خلال تطبيق “LinkedIn”، والطعام حيث تطبيق “Yelp”، والموسيقى من خلال تطبيق “Spotify”، وفي الوقت نفسه، عززت شركات وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية منصاتها لتوفير مجموعة أوسع من الوظائف والخدمات.
ومن منظور تسويقي، تشير طبيعة البيئة الحالية إلى أن كل جزء من عملية صنع القرار لدى المستهلك تقريبًا عُرضة لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال قد يبحث المستهلك الذي يتسوق لشراء سيارة عن معلومات عن الطراز الذي يرغب بشرائه من خلال سؤال أصدقائه على فيسبوك، وعلى الأرجح سيستمر هذا الاتجاه في النمو، بما يجعل مصطلح الإعلام الاجتماعي قديمًا، لأنه سيكون بمثابة وجود اجتماعي شامل في مختلف المجالات.
ظهور أشكال جديدة من التأثير الاجتماعي
تعتبر فكرة استخدام المشاهير في الأسواق الاستهلاكية أو قادة الرأي المشهورين في أسواق الأعمال، الذين يتمتعون بقيمة اجتماعية عالية للتأثير على الآخرين استراتيجية تسويقية معروفة، لكن كثافة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي زاد بشكل كبير من إمكانية الوصول وجاذبية هذا النهج.
وبشكل عام يعتبر اللجوء إلى المؤثرين أكثر جدارة بالثقة من المشاهير التقليديين، وهذا سبب رئيسي في نمو التسويق عبر المؤثرين، لأن السرد الشخصي مقارنة بالإعلانات، يعتبر أكثر دفئًا وشخصية، وأكثر فاعلية في إشراك المستهلكين، لذلك بدأت الشركات في احتضان المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، فخلال محادثات أجراها القائمون على الدراسة مع المديرين التنفيذيين لمواقع التواصل الاجتماعي، ذكر العديد منهم الأهمية المتزايدة للمؤثرين، وكيف تتطلع العلامات التجارية عمومًا إلى إدماج التسويق عبر المؤثرين في استراتيجيات التسويق الخاصة بهم.
وعلى الأرجح ستكون هناك إمكانات لتطوير التسويق عبر المؤثرين، وسيستمتع المستهلكون بمشاهدة تجربة حية لفترات أطول مع ظهور “المؤثرين الافتراضيين- Virtual influencers” (وهم مؤثرون يبدون كالبشر لكن ليسوا كذلك) الذين ليس لديهم قيود مثل التعب أو المرض أو انشغالات مثل الارتباطات الاجتماعية، ومع قوة الحوسبة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي سيصبح المؤثرون الافتراضيون أكثر بروزًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وهناك العديد من العوامل الجديرة بالدراسة عند التفكير في دور المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، منها خصائص المؤثر الحقيقي، ونوع المحتوى الذي يتم نشره، وما إذا كان هذا المحتوى مدعومًا أم لا، بالإضافة إلى فهم كيفية دمج محتوى المؤثر بنجاح مع أساليب التسويق التقليدية.
مخاوف الخصوصية على وسائل التواصل الاجتماعي
تعد مخاوف المستهلكين بشأن خصوصية البيانات وقدرتهم على الوثوق بالعلامات التجارية والمنصات ليست بالقضية الجديدة، إلا أن الطريقة التي يتكيف بها المستهلكون والعلامات التجارية وصانعو السياسات ومنصات التواصل الاجتماعي مع هذه المخاوف لا تزال في حالة تغير مستمر ودون حل واضح.
فمع تآكل الثقة في المنصات الاجتماعية والعلامات التجارية التي تعلن من خلالها، يفضل العديد من المستهلكين عدم مشاركة بياناتهم للحصول على تجارب أكثر تخصيصًا، فهم لا يشعرون بالارتياح لتتبع مشترياتهم ويرون أنه من غير القانوني أن تتمكن العلامات التجارية من شراء بياناتهم.
وفي هذا الإطار، يعتبر التأكد من الآثار غير المباشرة لانعدام الثقة على وسائل التواصل الاجتماعي على جهود التسويق من أبرز الملفات الجديرة بالبحث، من خلال سلسلة من الأسئلة منها هل يُنظر إلى كل المحتوى الذي تتم مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي على أنه أقل جدارة بالثقة إذا كانت المنصة نفسها غير موثوقة؟ هل هذا يمتد إلى رسائل العلامة التجارية المعروضة على الإنترنت؟ هل هناك تأثير سلبي غير مباشر على المحتويات الأخرى التي ينشئها المستخدمون والتي تتم مشاركتها عبر هذه الأنظمة الأساسية؟
وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل البعيد
حددت الدراسة ثلاثة اتجاهات ستغير بشكل هادف مشهد وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل البعيد، وهي محاربة الشعور بالوحدة والعزلة وخدمة عملاء متكاملة ووسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتواصل السياسي.
محاربة الشعور بالوحدة والعزلة
ارتبط الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي بالعزلة الاجتماعية والوحدة والاكتئاب، وقد ثبت أن استخدام فيسبوك مرتبط سلبًا برفاهية المستهلك، وأظهرت الأبحاث ارتباطية أن الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 10 دقائق يمكن أن يقلل من الشعور بالوحدة والاكتئاب.
وقد طورت شركات مواقع التواصل الاجتماعي أدوات للحد من وقت استهلاك المنصات، لذا يمكن أن تتناول الأبحاث المستقبلية ما إذا كان المستهلكون سيستخدمون تلك الأدوات أم لا على أحد الأجهزة العديدة التي توجد بها حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، فعلى سبيل المثال قد يقضي المستخدمون وقتًا أقل على فيسبوك وإنستجرام، لكن ربما يقضون هذا الوقت الإضافي على منصات تواصل اجتماعي أخرى.
كما يمكن أن تدرس الأبحاث المستقبلية ما إذا كان حجم الاستخدام أو أنواع منصات الوسائط الاجتماعية أو طريقة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل سلبي على الشعور بالوحدة.
خدمة عملاء متكاملة
استخدمت العديد من العلامات التجارية منصات التواصل الاجتماعي كمكان لتقديم خدمة العملاء، ومعالجة أسئلتهم، وحل المشكلات، ومن المتوقع أن تصبح خدمة العملاء القائمة على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر تخصيصًا وانتشارًا في كل مكان، حيث سيتمكن العملاء من التعامل مع الشركات في أي مكان وزمان، وستكون حلول مشاكل العملاء سهلة الوصول وفورية، وربما استباقية باستخدام الأساليب التنبؤية أي قبل أن يلاحظ العميل مشكلة أو يطرح سؤالًا في ذهنه.
وقد ظهرت منصات جديدة لجعل الاتصال بين العميل والشركة سهلاً، الكثير منها عبر تطبيقات المراسلة الفورية للشركات، والتي أطلقتها العديد من شركات التكنولوجيا الرائدة مؤخرًا كميزات متعلقة بالأعمال في الأنظمة الأساسية الحالية. وتسمح هذه التقنيات للشركات بالتواصل المباشر مع عملائها من خلال خدمات الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث توفر الاستجابات الأسرع – حتى اللحظية- القابلة للتطوير من خلال استخدام روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتواصل السياسي
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي منصات لتبادل الأفكار والآراء بما فيها الاتجاهات السياسية، وقد بدأت الأبحاث في استكشاف الطرق التي يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي من خلالها مكافحة الأخبار المزيفة عبر الخوارزميات التي تحدد جودة المحتوى المشترك.
فأحد العوامل التي ساعدت في ظهور الأخبار المزيفة هو غرف الصدى، ويحدث هذا لأن المشاركة المتكررة للأخبار المزيفة من قبل أعضاء المجموعة تعزز الألفة والدعم. كما يمكن أن يؤدي تكرار مثل هذه المقالات بواسطة الروبوتات إلى زيادة هذا التأثير.
وأظهرت الأبحاث الحديثة أنه في بيئة اجتماعية متصورة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، يكون المشاركون أقل عُرضة للتحقق من المعلومات، ويتجنبون المعلومات التي لا تتناسب بشكل جيد مع حدسهم.
وقد يكون من الصعب تصحيح المعلومات الخاطئة، خاصة إذا لم يتم التصحيح على الفور، واستقرت الأخبار المزيفة بالفعل في أذهان المستخدمين. وتبين أيضًا أنه حتى التعرض الفردي للأخبار المزيفة يمكن أن يحدث تأثيرًا طويل المدى على المستخدمين.
ولذلك هناك حاجة إلى مزيد من العمل من جانب صانعي السياسات والشركات والأكاديميين لفهم التطرف السياسي ومحاربته، مع الحفاظ على حرية التعبير. وبناءً على ذلك، فإن البحث الذي يوازن بين مخاطر محدودية حرية التعبير في مقابل أضرار نشر الأخبار المزيفة من شأنه أن يسفر عن رؤى نظرية وعملية ذات مغزى.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي كما نعرفها اليوم تختلف عما كانت عليه قبل عقد مضى، ومن المرجح أن تكون بعد عام من الآن مختلفة عما هي عليه الآن، ويرجع ذلك إلى الابتكار المستمر الذي يحدث على كل من الجانب التكنولوجي من خلال إضافة المنصات الرئيسية الجديدة والاستمرار في تطوير الميزات والخدمات، وجانب المستخدم عبر إيجاد استخدامات جديدة لوسائل التواصل الاجتماعي.
وأضحت وسائل التواصل الاجتماعي قناة تسويق واتصالات حيوية للشركات والمنظمات والمؤسسات، وتعتبر ذات أهمية ثقافية لأنها أصبحت بالنسبة للكثيرين، المجال الأساسي الذي يتلقون فيه كميات هائلة من المعلومات، ويشاركون المحتوى وجوانب من حياتهم مع الآخرين، الأمر الذي يستلزم مزيدًا من الجهود البحثية الأكاديمية والتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي لاستكشاف الاستخدامات التسويقية والتحديات التي تواجهها.