ترجمات

سيناريوهات مستقبلية للمواجهة الراهنة بين إسرائيل وإيران

على وقع تصاعد الضربات الصاروخية والغارات الجوية المتبادلة بين إسرائيل وإيران منذ يوم الجمعة الماضية، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيكون هناك سلام قريبًا بين تل أبيب وطهران، مشيرًا إلى أن العديد من الاتصالات والاجتماعات تجرى الآن، مؤكدا أن البلدين ستعقدان صفقة، تمامًا كما جعل الهند وباكستان تعقدان صفقة أدت لوقف الصدام العسكري بينهما الشهر الماضي.

ومع أن المؤشرات الراهنة – حتى كتابة هذه السطور- حيث تصريحات طرفي الحرب، والعمليات العسكرية المتواصلة لا توحي على نهاية سريعة قريبة إلا أن مسألة خفض التصعيد ووقف إطلاق النار تبقى الشاغل الرئيسي لمختلف الدوائر الدبلوماسية في الشرق الأوسط والمعنية بشؤون تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية للنظام العالمي.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، تحليلًا تناولت فيه مسارات محتملة لانتهاء الحرب الراهنة بين إسرائيل وإيران، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:

  • سيناريو وقف لإطلاق النار مشابه لحزب الله في لبنان

وفقًا لهذا التصور، ستنفذ إيران عدة ضربات عسكرية ملفتة للنظر على إسرائيل، لتظهر أمام شعبها أنها ردّت على إسرائيل بضربات قاضية، لكنها سرعان ما تقبل الجهود الأمريكية والدولية لوقف إطلاق النار.

باختصار، استسلام مُضطر بدعوى حفظ ماء الوجه. وفي جوهره، هذا ما قبله حزب الله اللبناني، حليف طهران، بعد الحملة العسكرية الإسرائيلية على الجماعة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين.

والواقع أن الضربات الإسرائيلية على إيران حاليًا تحمل أوجه تشابه كثيرة مع تلك الجهود، فهي ضربات مدمرة على البنية التحتية العسكرية، مصحوبة باغتيالات عديدة للقيادات تُظهر اختراقًا استخباراتيًا شاملًا.

وقد وافق حزب الله، الذي كان يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة وعشرات الآلاف من المقاتلين، على وقف إطلاق النار بشروط إسرائيلية إلى حد كبير دون أن يُطلق هجومًا مضادًا فعالًا.

لا تريد إيران بالطبع الاستسلام تحت النيران، لكنها قد تسعى إلى الحفاظ على البقاء والقتال في مرحلة أخرى بدلًا من تحمل القصف المستمر.

  • سيناريو صمود إيران

يفترض أن تصمد إيران وتوجه بعض الضربات ضد إسرائيل بينما يتزايد الضغط الدولي على تل أبيب لوقف الحرب. وتجدر هنا الإشارة إلى أن إيران قادرة على إصلاح الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية في نطنز وأماكن أخرى بسرعة نسبية.

وبشكل عام، عندما تهاجم إسرائيل خصومها، غالبًا ما يكون هناك دعم قصير المدى من الولايات المتحدة، وحتى من حلفائها الأوروبيين الرئيسيين، لكن هذه الدول تسارع إلى الدعوة إلى إنهاء الأعمال العدائية حتى مع سعي تل أبيب لمواصلة الهجمات. وقد دعت فرنسا وبريطانيا بالفعل إلى خفض التصعيد. قد لا تهتم إسرائيل كثيرًا بآراء الأوروبيين – فهم يدعون إلى إنهاء الأعمال العدائية في قطاع غزة منذ شهور – لكنها قلقة أكثر بشأن الرأي الأمريكي، وخاصة رأي الرئيس ترامب، الذي إذا مارس ضغطًا حقيقيًا على نتنياهو، فقد تُقلص إسرائيل عملياتها، على أمل أن يكون الضرر الذي لحق بطهران كافيًا في الوقت الحالي.

وليس من الواضح ما إذا كان هذا سيؤدي إلى دبلوماسية مثمرة، فقد سعت الولايات المتحدة في عهد ترامب للتوصل إلى اتفاق تفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني وأخذت طهران المفاوضات على محمل الجد، بدعم واضح من قيادة البلاد، على الرغم من استمرار التوترات بشأن تخصيب اليورانيوم.

وكان ترامب قد دعا بالفعل إلى العودة إلى المفاوضات بعد الضربات، وكتب على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال” أن “على إيران إبرام صفقة، قبل أن يضيع كل شيء، وإنقاذ ما كان يُعرف سابقًا بالإمبراطورية الإيرانية، لا مزيد من الموت، لا مزيد من الدمار، فقط افعلوا ذلك، قبل فوات الأوان”.

وتتمتع هذه المفاوضات بجاذبية خاصة لدى إيران فاقتصادها في حالة يرثى لها، ووعد تخفيف العقوبات جذاب. علاوة على ذلك، بعد الحملة الإسرائيلية المدمرة، ستقدم إيران مزيد من التنازلات على الطاولة، لكن القيام بذلك في مواجهة الهجمات الإسرائيلية أصعب سياسيًا.

  • سيناريو الحرب الإقليمية

ثمة سيناريوهات محتملة أكثر قتامة، وربما أكثر ترجيحًا. أحدها هو أن تتوسع الحرب الإسرائيلية الإيرانية لتتحول إلى حرب إقليمية. فقبل الضربات الإسرائيلية، هددت إيران بمهاجمة منشآت أمريكية في الشرق الأوسط وهي هجمات في حال وقوعها ستزيد من احتمالية مشاركة الولايات المتحدة في القصف.

كما أن التعاون الأمني ​​طويل الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والدعم الأمريكي لتل أبيب في الدفاع الجوي ومجالات أخرى، قد يُقنع طهران بأن واشنطن في حالة حرب معها بالفعل. وبينما نفت الولايات المتحدة تورطها في الهجمات، تنظر إيران إليها على أنها متواطئة، حيث استخدام المفاوضات كغطاء للاستعدادات العسكرية الإسرائيلية.

ورغم أن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين حذروا من أن رفض إيران للاتفاق سيؤدي إلى عمل عسكري، إلا أن ترامب أكد قبل ساعات قليلة من العملية أن الولايات المتحدة ملتزمة بالحل الدبلوماسي وأن الهجمات ليست وشيكة.

من جهة أخرى، قد يرى المسؤولون الأمريكيون أن إسرائيل أنجزت نصف المهمة بالفعل، ويمكن للولايات المتحدة إكمالها، بقصف منشأة فوردو النووية بذخائر عميقة الاختراق.

من المرجح- وفقا لسيناريو الحرب الإقليمية- أن تستدعي إيران وكلاءها في العراق ولبنان واليمن لبذل قصارى جهدهم لمهاجمة إسرائيل، وقد يضيفون أهدافًا أمريكية إلى قائمتهم إذا دخلت الولايات المتحدة في المعركة لأي سبب كان. وبالتالي، قد تجد واشنطن نفسها تهاجم أهدافًا في اليمن -وهو خيار غير جذاب بعد أن انتهت عملية “الراكب الخشن” التي قادتها الولايات المتحدة منذ مارس الماضي ضد الحوثيين بوقف إطلاق النار-، والعراق، ومناطق أخرى.

  • سيناريو استمرار الضربات بوتيرة أقل حدة

 

الاحتمال الأخير هو أن الحرب لن تنتهي أبدًا -على الأقل ليس بالمعنى الرسمي- فرغم أن موجات الضربات الإسرائيلية المكثفة قد تتوقف عند نقطة ما، إلا أن صراعًا أقل حدة قد يستمر لأشهر مقبلة. قد تُطلق إسرائيل صواريخ أو تُشنّ غارات جوية على إيران من حين لآخر، إلى جانب اغتيالات وعمليات تخريب في إيران نفسها.

في المقابل، ستُطلق إيران وابلًا من الصواريخ على إسرائيل من حين لآخر، إلى جانب محاولات أخرى للرد. بمعنى أخر إنها ليست حربًا شاملة ولا حتى سلامًا هشًا.

وفي ظل استمرار الهجمات والردود المتبادلة، قد تُطوّر إيران برنامجًا نوويًا سريًا بعيدًا عن التزامات الحد من الأسلحة وعمليات التفتيش الدولية مُستخدمةً الضربات الإسرائيلية كمبرر. وإذا لم تُهاجم إسرائيل مواقع تخزين اليورانيوم المُخصّب الثلاثة، فلن تكون هذه المهمة صعبة على طهران.

 

زر الذهاب إلى الأعلى