تفجير مفاعل نطنز الإيراني ومسار محادثات فيينا

في مؤشر واضح على اشتداد وتيرة الحرب السرية التي تدور رحاها بين إيران وإسرائيل، تعرضت منشأة نطنز النووية الإيرانية في 11 أبريل الجاري إلى تفجير غامض ألحق أضراراً فادحة بالمنشأة التي تعتبر محطة رئيسية في البرنامج النووي الإيراني، حيث سارعت طهران إلى توجيه أصابع الاتهام إلى تل أبيب، واصفة ما حدث بأنه “إرهاب نووي”، في توصيف يوحي بشدة قوة الصفعة التي تلقتها إيران، الأمر الذي تدعمه تقديرات استخباراتية أمريكية تشير إلى تعطل قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم في نطنز لمدة 9 أشهر على الأقل.
وربما يمثل هجوم نطنز ذروة ارتفاع منسوب التوتر بين إيران وإسرائيل في ظل انخراط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في محادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، إذ تخوض كل من طهران وتل أبيب منذ أسابيع ما يمكن تسميته بـ”حرب بحرية” في المنطقة، من أبرز مظاهرها استهداف إسرائيل السفينة “سافيز” التابعة لميليشيا الحرس الثوري الإيراني بلغم لاصق في البحر الأحمر، وتحديداً في منطقة بين السواحل الإريترية واليمن، انتقاماً من ضربات إيرانية سابقة لسفن إسرائيلية في بحر العرب وخليج عمان.
أهمية منشأة نطنز النووية.. وفرضيتان حول طبيعة الهجوم
تعتبر محطة نطنز المنشأة الرئيسية في البرنامج النووي الإيراني، فهي أكبر منشأة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في البلاد، وتتكون المنشأة الواقعة في مقاطعة نطنز في محافظة أصفهان من ثلاثة مبانٍ كبيرة تحت الأرض، قادرة على تشغيل ما يصل إلى 50 ألف جهاز طرد مركزي، وبدأت عمليات تخصيب اليورانيوم هناك منذ عام 2007، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”.
وقد تعرضت هذه المنشأة خلال العقد الأخير للعديد من الهجمات، من أبرزها تعطل التخصيب في عام 2010 بسبب فيروس “ستوكسنت- Stuxnet” الإلكتروني، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه من تصميم الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث أدى إلى تغيير السرعات التي تدور بها أجهزة الطرد المركزي، ما تسبب في تدمير ما يقرب من ألف جهاز.
وفي يوليو الماضي، أُصيبت منشأة فوق الأرض لتجميع أجهزة الطرد المركزي بأضرار بالغة جراء ما وصفه مسؤولون إيرانيون بأنه حريق ناتج عن عمل تخريبي، ورداً على ذلك بدأت إيران في بناء هيكل جديد تحت الجبال المجاورة لمجمع نطنز.
أما عن طبيعة الهجوم الذي استهدف شبكة الطاقة في المنشأة النووية في 11 أبريل الجاري، فتتعدد الروايات بشأنه، إذ تشير تقارير إسرائيلية نقلا عن مصادر بالمخابرات الإسرائيلية إلى أنه هجوم سيبراني من تنفيذ الموساد، وإن صحت تلك الرواية سيكون ما جرى أحدث حلقة في الحرب الإلكترونية المتبادلة والمتزايدة بين الطرفين، حيث استهدف كل منهما ما يسمى بـ”أنظمة التحكم الصناعية- Industrial control system”، إذ تبدو محاولات اختراق واستغلال تلك الأنظمة واحدة من أكثر الخطوط الأمامية خطورة في الحرب السيبرانية حول العالم.
وتتمثل جاذبية الهجمات الإلكترونية عبر التكنولوجيا التشغيلية في أنها – على عكس عمليات القرصنة التقليدية لسرقة البيانات – تهدف إلى إحداث تأثير مادي، سواء كان انقطاع التيار الكهربائي أو تلوث المياه أو حتى الانفجار، وفقاً لصحيفة “جارديان” البريطانية.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد ألقت باللوم على قراصنة إيرانيين في هجومين على محطات معالجة المياه في البلاد العام الماضي، وأعقبهما إعلان طهران عن هجمات إلكترونية أصابت البنية التحتية الإلكترونية للموانئ الإيرانية، ولذلك إذا ثبت أن هجوم نطنز ناتج عن اختراق إلكتروني سيعتبر امتدادا لهذا الصراع السيبراني.
وفي مقابل رواية الهجوم السيبراني، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نقلا عن مسؤول بالمخابرات الأمريكية، أن انفجار نطنز تم بواسطة عبوة ناسفة تم تهريبها داخل المنشأة وتفجيرها عن بُعد، مشيرة إلى أن الانفجار أحدث أضراراً جسيمة بأنظمة الكهرباء الأساسية والاحتياطية، واللافت هنا أن الرواية الإيرانية للحادث تتفق مع تقدير المخابرات الأمريكية، إذ أكد رئيس مركز البحوث في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، أن التفجير تم بواسطة إدخال مواد شديدة الانفجار إلى المنشأة، كما أفاد مصدر في وزارة الأمن الإيرانية بأنه تم تحديد هوية شخص تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في المنشأة وجارٍ اتخاذ اللازم لإلقاء القبض عليه، ما يعني استبعاد فرضية الهجوم السيبراني.
دلالات توقيت استهداف المحطة النووية الإيرانية
توجد ثمة مجموعة من الدلالات المرتبطة بتوقيت الهجوم على منشأة نطنز النووية، سواء على الصعيد الداخل الإيراني أو الإقليمي أو الدولي، وهو ما يتضح من خلال ما يلي:
بالنسبة لإيران، جاء الهجوم غداة إعلان السلطات الإيرانية أنها وضعت في الخدمة سلسلتين جديدتين من أجهزة الطرد المركزي المحدثة التي تتيح تخصيب اليورانيوم بسرعة، حيث دشن الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال المراسم التي نُظمت بمناسبة “اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية” سلسلة في نطنز تتضمن 164 جهازاً للطرد المركزي من نوع “آي آر-6″، وسلسلة أخرى تتضمن 30 جهازاً من نوع “آي آر-5”.
أما عن السياق الإقليمي، فقد تزامن الحادث مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى تل أبيب وهي أول زيارة يقوم بها وزير من إدارة الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل رغم مرور أكثر من شهرين على توليه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، وبعد تقارير عن تجاذبات بين تل أبيب وواشنطن محورها إيران.
فعلى الأرجح استهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من وراء هجوم نطنز ضرب عصفورين بحجر واحد، فقد أراد توظيف الحادث في تعقيدات المشهد الداخلي الإسرائيلي في ظل مسار متعثر بشأن عملية تشكيله الحكومة الجديدة بعد انتخابات الكنيست الأخيرة وسط سيناريو يلوح في الأفق بانتخابات جديدة ستكون الخامسة خلال عامين، والثاني إيصال رسالة واضحة إلى الإدارة الأمريكية الديمقراطية بضرورة تغيير النهج المتراخي تجاه طهران، الذي تبدو مؤشراته واضحة من الخطاب الأمريكي إزاء المباحثات بشأن الاتفاق النووي، وبدت رسالة نتنياهو  واضحة في تصريحاته بعد لقائه أوستين، حيث أكد أن إيران أكبر تهديد لإسرائيل في الشرق الأوسط، وأنه لن يسمح لطهران بالحصول على القدرة النووية.
وعلى المسار الدولي حيث محادثات فيينا، يأتي تفجير نطنز بعد يومين من بيان للاتحاد الأوروبي وصف فيه جولة المباحثات بين إيران والدول الأطراف في الاتفاق والتي شاركت فيها واشنطن بشكل غير مباشر في العاصمة النمساوية بأنها كانت “بناءة”، فضلاً عن تأكيد الصين وروسيا أن الأمور تمضي في مسارها الصحيح وهامش الخلاف يضيق، وتوافق أطراف المحادثات على استئنافها الأسبوع الحالي.
 صفعة على وجه طهران وفشل استخباراتي خطير
يشكل الهجوم على منشأة نطنز صفعة جديدة لطهران تضاف إلى سجل الاختراقات والضربات التي تلقتها خلال الأشهر الماضية، والتي كان أكثرها وقعاً وأشدها إيلاماً اغتيال محسن فخري زادة كبير العلماء الإيرانيين النوويين في وضح النهار قرب العاصمة طهران في نوفمبر الماضي، وقد أدى حادث نطنز إلى تعالي الأصوات المنتقدة لفشل أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، فعلى سبيل المثال وصف رئيس مركز البحوث في البرلمان الإيراني، علي رضا زكاني، إيران بأنها أصبحت “جنة للجواسيس”، حيث باتوا منتشرين ويتحركون بحرية.
ومما لا شك فيه أن تفجير نطنز سيلقي بظلاله على مسار محادثات فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، فعلى الأرجح سيؤثر على موقف إيران التفاوضي، والتي لطالما استغلت ورقة التلويح برفع معدل التخصيب كأداة ضغط من أجل محاولة انتزاع مكاسب على طاولة المفاوضات، إذ رجحت مصادر مخابراتية أمريكية أن الدمار الذي لحق بنطنز، شكل ضربة قوية لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وأن استعادة طاقة التخصيب قد تستغرق 9 أشهر على الأقل.
ورغم أن السلطات الإيرانية ألمحت عقب الهجوم إلى وقوع أضرار بأجهزة الطرد المركزي، إلا أنها سعت بقدر استطاعتها للتقليل من تأثير الضربة بإعلانها أنها ستستبدل أجهزة الطرد المركزي المتضررة بأخرى أكثر تطوراً، ثم أكدت لاحقاً اعتزامها البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% ما يجعلها قادرة على الانتقال بسرعة إلى نسبة 90% وأكثر، وهي المعدلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية، علما بأنها تخصب حالياً اليورانيوم بنسبة 20%، وهي نسبة أعلى بكثير من معدل 3,67% المنصوص عليه في الاتفاق النووي.
أما عن مستقبل المسار التفاوضي في فيينا، فيستبعد مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي (مركز بحثي مقره واشنطن)، أن يؤدي هجوم نطنز إلى إفساد محادثات فيينا، حيث ترغب كل من الولايات المتحدة وإيران في العودة إلى الاتفاق النووي بطريقة تخدم مصالحهما الخاصة، معتبراً أن الهجوم سيولد نصيبه من الإدانة الإيرانية لكنه لن يشكل عقبة أمام الدبلوماسية.
وقد بدت مؤشرات على ذلك بالفعل في تصريحات إيرانية وأمريكية، إذ قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن الهجوم يعزز موقف إيران في مفاوضات فيينا، كما أكد البيت الأبيض بدوره أن واشنطن لم تشارك في هجوم نطنز بأي شكل من الأشكال، وأنها تركز على المباحثات الدبلوماسية في فيينا.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن الهجوم على مجمع نطنز النووي أظهر هشاشة السلطات والأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية، وعدم قدرتها على حماية الأصول النووية التي تعرف أنها مستهدفة من قبل الخصوم، ما يمثل فشلاً استخباراتياً خطيراً لطهران، كما يشير تفجير نطنز أيضاً إلى أن أي تفاهمات قد يتم التوصل إليها في فيينا دون تمثيل باقي الأطراف الإقليمية وتوسيع نطاق التفاوض ليشمل معالجة كافة شواغلها إزاء البرنامج النووي والسلوك التخريبي لطهران في المنطقة، لن تكون كفيلة بتحقيق الاستقرار، بل ستستمر التوترات الإقليمية، وتتواصل دوامة الهجمات والأعمال الانتقامية، لا سيما بين إسرائيل وإيران ما قد يضع المنطقة على حافة الانفجار.