تحرص الأنظمة ذات الأجندات المعادية للدول العربية، على توجيه رسائلها السامة إلى هذه الدول وشعوبها، والتي تحمل أفكارها وأهدافها، فتقوم تلك النظم المعادية، بتدشين المواقع والوكالات الإعلامية الناطقة بالعربية، لبث سمومها لشعوب المنطقة.
ويأتي على رأس هذه الأنظمة، نظام أردوغان في تركيا، الذي يتخذ من وكالة “الأناضول” بنسختها العربية، ذراعاً دعائياً له في الوطن العربي، يروّج لأكاذيبه وأوهامه، فلم یکتف نظام أردوغان بإنشاء قنواتٍ خاصة للموالين له من عناصر تنظيم الإخوان، بل سخّر له وكالة أنبائه الرسمية لتكون لساناً لعناصره.
الأناضول تحت السيطرة الأردوغانية
الرئاسة التركية منحت سلطة الإشراف وتعيين العاملين بوكالة الأناضول لمكتب اتصالات رئاسة الجمهورية
يرجع تاريخ إنشاء وكالة الأناضول إلى بداية تأسيس الجمهورية التركية، لتتولى الوكالة مهمة نشر القوانين التي كان يقرّها مجلس النواب في ذلك الوقت، كما وقفت شاهدة على كافة مراحل حرب الاستقلال التركية، وعلى كافة الأحداث التي أعقبت تأسيس الجمهورية.
كانت الأناضول مثالاً للمصداقية والمهنية، قبل أن يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية، ويحوّلها إلى ناطق باسمه
وقد كانت الأناضول، مثالاً للمصداقية والمهنية، قبل أن يستولي عليها حزب العدالة والتنمية، ويحوّلها إلى ناطق باسمه، للتتحوّل إلى آلة ترويج للشائعات وتشويه خصوم أردوغان السياسيين، والمبالغة في تصوير حجم إنجازات حكومته، فيما تتعرّض – في المقابل – وسائل إعلام معارضة لهجمة شرسة لغلق وتأميم المئات من الصحف والمواقع الإخبارية وتسويد شاشات الفضائيات، في أعقاب مسرحية انقلاب يوليو 2016.
السلطات التركية فتحت تحقيقات مع 58 معارضاً لسياسات النشر بوكالة الأناضول المنحازة لحكومة حزب العدالة والتنمية
وقد منحت الرئاسة التركية سلطة الإشراف وتعيين العاملين بوكالة الأناضول لمكتب اتصالات رئاسة الجمهورية، ونشرت الجريدة الرسمية القرار الرئاسي المتعلق بهذا الشأن، ووفقاً لهذا القانون، فإن مكتب الاتصالات الرئاسي سيكون مسؤولاً عن الوكالة الرسمية الأكبر والأقدم في تركيا لمدة 5 أعوام، على أن يتولى المكتب الرقابة على ميزانية الوكالة سنوياً، ما يضمن سيطرة أردوغان الكاملة على الوكالة.
هذا الإجراء جاء بعد سلسلة من الإجراءات التي مكّنت أردوغان من الهيمنة الكاملة على الوكالة، وإقصاء معارضيه عنها.
وفي مارس عام 2019 ذكرت صحيفة “جمهوريت” التركية، أن السلطات التركية فتحت تحقيقات مع 58 شخصاً من الصحفيين والفنانين والبرلمانيين المعارضين، بسبب انتقادهم لسياسات النشر المنحازة لحكومة حزب العدالة والتنمية التي تقوم بها وكالة أنباء الأناضول الرسمية.
وأشارت الصحيفة وقتها إلى أن التهم التي تمّ توجيهها إليهم، هي الإهانة وإلقاء الافتراءات، استناداً إلى تغريدات منتقدة لسياسات وكالة الأناضول للأنباء عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
إطلاق النسخة العربية للأناضول
اتخذت الأناضول موقفاً داعماً لقوى الإسلام السياسي، مما جعلها تصطدم بالحكومات التي جاءت بعد الثورات
في عام 2012 أطلقت وكالة أنباء «الأناضول» نشرتها باللغة العربية، بعد فترة تحضير بدأت في عام 2011، عقب اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي، ومثلما فعلت قناة «تي آر تي» العربية التي اتخذت من القاهرة مقراً إقليمياً لها، فعلت أيضاً وكالة أنباء «الأناضول».
واتخذت الأناضول موقفاً داعماً لقوى الإسلام السياسي، مما جعلها تصطدم بالحكومات التي جاءت بعد الثورات، ولا سيما بالنظام في مصر بعد مرحلة الإخوان المسلمين، وشكلت أداةً للهجوم عليه، ونتيجة لذلك أغلق مكتب الوكالة في القاهرة.
أما عن هدف التوسّع الكبير في إدخال اللغة العربية إلى وسائل الإعلام التركية، فكشف عنه المنسق الدبلوماسي العام لرئاسة الوزراء التركية جمال الدين هاشمي، في اجتماع نظمته المديرية العامة للصحافة والإعلام التابعة لرئاسة الوزراء بالتعاون مع وكالة «الأناضول» في مايو 2013، بقوله: «علينا الاعتراف بأن إصدار وكالة (الأناضول) نسختها العربية للمرة الأولى في تركيا، يُعدّ ثورةً تعادل ثورات الربيع العربي»، مشيراً إلى أن تدشين صفحات عربية لوسائل الإعلام التركية، تأتي في إطار التحوّل السياسي الذي تعيشه تركيا خلال العقد الأخير.
تضليل الأناضول في انتخابات إسطنبول
أردوغان يعتمد على الوكالة بشكل رئيس في الترويج لسياساته الشاذة، ما جعلها توصف بالبوق الناعق بالكذب
من آخر الأكاذيب التي روجتها “الأناضول” خلال انتخابات بلدية إسطنبول في مارس 2019، حينما نقلت تصريحات عن مسئولين في حزب أردوغان “العدالة والتنمية”، تزعم فوز بن علي يلدريم مرشح أردوغان على أكرم إمام أوغلو المرشح المعارض، ثم توقفت مدة 13 ساعة عن تقديم المعطيات الخاصة بنتائج الانتخابات المحلية المتعلقة بإسطنبول، بعد أن كانت النتائج تشير إلى فوز مرشح المعارضة.
ووصف موقع “عثمانلي” أردوغان بأنه يعتمد على الوكالة بشكل رئيس في الترويج لسياساته الشاذة، ما جعلها توصف بالبوق الناعق بالكذب، وحذرت أحزاب المعارضة وقتها من الأدوار التي تلعبها الأناضول لصالح حزب أردوغان، خاصة أثناء عمليتي التصويت والفرز، إذ سخرت “الأناضول” أدواتها لخدمة الحزب الحاكم، بنقل جميع الأخبار التي تزعم أن بلدية إسطنبول معقل أنصار أردوغان لا تزال تحت السيطرة، وأن بن علي يلدريم هو الفائز.
دفعت تلك الأكاذيب التي بثتها الأناضول في تلك الفترة مرشحَ المعارضة الذي أصبح رئيس بلدية إسطنبول فيما بعد أكرم إمام أوغلو، لانتقاد الوكالة في تغطيتها للانتخابات، فكتب على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في 31 مارس الماضي قائلاً : “لا آكل حقّ أحد، ولا أجعل أحداً يأكل حقي، أدعو وكالة الأناضول والهيئة العليا للانتخابات أن تكون شفافة وعادلة ومنصفة وأمينة، وألا تتدخل في النتائج، نحن نتتبع جميع الأصوات”.
وغرد أوغلو مرة أخرى في 1 أبريل قائلاً: “أحذر وكالة الأناضول التي لم تقم بإدخال البيانات، لا يمكنكم أن تحاسبوا المجتمعَ على ضميره وإحساسه العادل، لطفاً قوموا بوظائفكم على نحو صحيح”.
ونقل “عثمانلي” أن إمام أوغلو لم يكن وحده مَن انتقد الدور الذي قامت به الوكالة الرسمية، بل إن المتحدث الرسمي باسم حزب الشعب الجمهوري، فائق أوزتراك، قال إن الخاسر الوحيد في الانتخابات المحلية هو وكالة الأناضول، منتقداً دورها الكاذب، بالإضافة إلى رئيس الهيئة العليا للانتخابات “سادي جوفان” الذي تنصّل من بيانات وكالة الأناضول، مشيراً إلى أنها لا تعبّر عنهم، مؤكداً أنهم لا يقدمون لها أية معلومات، ولا يعرف من أين تحصل على معلوماتها حول الانتخابات.
وأشارت صحيفة “العرب” اللندنية في تقرير نشرته بتاريخ 3 أبريل 2019، إلى التلاعب الذي قامت به “الأناضول” في الانتخابات التركية، وفشلها في نشر نتائج عادلة وحقيقية عن الانتخابـــات البلدية، التي انتهت بفوز المعارضة في أهم المدن التركيـــة، وهزيمة مدوّية لحزب العدالة والتنميـــة الحاكم، الأمر الذي وضع الأناضول في اختبار المهنية، لكنها فشلت فيه، وفي ذلك انتهاك لحقوق الشـــعب التركـــي في الوصول إلى الأخبار الصحيحة.
ووفقاً لنفس التقرير، فلم تكن الأناضول وهي تحت وطأة الضغط الحكومي، مصدراً إخبارياً مفيداً للمراســـلين أو وسائل الإعلام العالمية، عندما تعمّدت عدم إظهـــار فـــوز المعارضة في بدايـــة الأمر، مما يؤكـــد أهمية مصـــادر الأخبار المســـتقلة في بلدٍ بذلت فيه الحكومـــة كلَّ جهودها لمحاربة الصحافة المســـتقلة والســـيطرة عليها، مرةً عبر المحاكمات والاتهـــام بالدعاية الإرهابية للصحافيين ووســـائل الإعلام، أو مصادرتها وضمها إلى مجموعات إعلامية كبرى خاضعة لهيمنـــة رجال أعمـــال مقربين مـــن الحكومة وتربطهم معها علاقات تجارية، وافتقـــدت الانتخابات البلدية التركية للشـــفافية والنزاهة بشـــدة، وجرت في ظـــل ظروف غير نزيهة يســـتغل فيها رئيـــسُ البلاد رجب طيب أردوغان جميعَ موارد الدولة وقوتها العاملة، إلـــى جانـــب الأســـلحة الدعائيـــة الإعلاميـــة للمحطات العامة والخاصة.
ورغم تلك الأكاذيب فقد عاقب الشعبُ التركي أردوغان بالتصويت لمرشّح المعارضة في انتخابات بلدية إسطنبول، الذي اكتسح منافسه الموالي لأردوغان، بعد إعادة الانتخابات في يونيو الماضي، فإذا كان هذا في الداخل فما بالنا بما تحاول الأناضول ترويجه في الخارج للشعوب العربية على وجه الخصوص.
الأناضول وأجندة العثمانية الجديدة
يحاول أردوغان من خلال سياسته الخارجية الترويج لمشروع العثمانية الجديدة، مستخدماً وكالة “الأناضول” في دعم أفرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في دول المنطقة
يحاول أردوغان من خلال سياسته الخارجية، الترويج لمشروعه الذي يطلق عليه العثمانية الجديدة، في إشارة منه لإحياء تاريخ الدولة العثمانية التي سيطرت على أغلب العالم العربي حوالي أربعة قرون، مستخدماً وكالة “الأناضول” في دعم الأطراف الموالية له في الدول العربية، متدخلاً في شؤونها الداخلية، وأهم تلك الأطراف الموالية لأردوغان هي أفرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المنشرة بمسميّات مختلفة، في الدول التي يعمل أردوغان على استعادة تاريخ أجداده فيها.
لا يوجد أدلّ على ذلك مما تفعله في الأزمة الليبية حالياً، فقد نشر موقع “أحوال تركية” التركي في 12 أبريل الماضي، أن أنقرة تزعم أنها حريصة على أن يسود السلام ليبيا، وتدعو الأطراف الليبية إلى بدء حوار ومباحثات سياسية للخروج من الأزمة الراهنة، وذلك في الوقت الذي ترسل فيه شحناتٍ من الأسلحة إلى أطرافٍ وفصائلَ متطرفة مقرّبة منها في طرابلس.
السياسة التي تنتهجها الأناضول للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، دفعتها لنشر تقرير في 13 أبريل الماضي كتبه خليل جيليك، بعنوان “معاداة الأتراك مرض مزمن في الإعلام السعودي”، يفضح هذا المقال خطط نظام أرودغان لزعزعة استقرار المنطقة العربية، في إطار سياسة التدخل الممنهجة لزعزعة استقرار الدول العربية، محاولاً نشر الفتنة في دولة عربية عظيمة، لا تدّخر جهداً في الحفاظ على استقرار الشعوب العربية.
مشكلة الإعلام التركي – وعلى رأسه الأناضول – الذي اعتاد الكذب والممارسات غير المهنية وغير الأخلاقية، مع السعودية كدولة وقيادة
ذلك التقرير التركي رد عليه الصحفي هاني الظاهري في مقال بعنوان “للإعلام التركي: هذه يدي”، نشر على موقع صحيفة عكاظ بتاريخ 14 أبريل عان 2019، أوضح فيه أن تقرير جيليك يفيض ألماً من سهام الكتاب السعوديين الشرفاء الذين تصدّوا للحملة الإعلامية التركية الشرسة على السعودية وقيادتها وتاريخها، موضحاً أن تلك الحملة التي انطلقت منذ أشهر وما زالت مستمرة بشكل هستيري وغير أخلاقي، معتمدة على نشر الأكاذيب والإشاعات لتشويه صورة المملكة دولياً، والإساءة لمكانتها، طمعاً في سرقة دورها التاريخي كقائدة للأمة الإسلامية.
وأوضح الظاهري في مقاله أن مشكلة الإعلام التركي – وعلى رأسه الأناضول – الذي اعتاد الكذب والممارسات غير المهنية وغير الأخلاقية، ليست مع كاتب سعودي أو صحيفة سعودية، وإنما مع السعودية كدولة وقيادة، وهو يعتقد بناءً على ذلك أن أي كاتب يردّ على الأكاذيب المنشورة فيه ويطرح الحقائق كما هي إنما يفعل ذلك بتوجيه رسمي أو مقابل أموال يتلقاها لفعل ذلك، وهذا أمر يعرف الجميع في السعودية أنه كذب محض، وأن السعوديين الشرفاء يدافعون عن وطنهم عشقاً له وحفظاً لصورته، ولأنهم قبل كل ذلك أحرار وطنيون لا يتبعون أحزاباً أو مشاريع سوداء، كما هو حال معظم وسائل الإعلام التركية.
ليست المملكة العربية السعودية فقط التي تحاول الأناضول تشويهها، بل إنها الآن تعمل على إشعال المزيد من التوتر في الأزمة الليبية، عبر نقل الأحداث بصورة مختلفة عن الواقع، متحيزة للميليشيات الموالية لأردوغان.
الأناضول ودعم التنظيم الدولي للإخوان
يهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من هيمنته على “الأناضول”، إلى جعلها منصة إعلامية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، إذ يعتبر حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان أحدَ أفرعه، فتبدّل الأناضول الحقائق التي تأتي على هوى التنظيم، الذي يُصنّف في كثير من دول العالم إرهابياً.
وقد وجد العديد من عناصر وقيادات تنظيم الإخوان الذين تستضيفهم تركيا ضالتهم في وكالة الأناضول، والتي تعدّ إحدى أهم المنصات الإعلامية التي تنطلق منها تصريحات أعضاء التنظيم الدولي في مهاجمة الدول العربية وأنظمتها.
ما زالت الأناضول تبث سمومها وتنشر كل يوم مقالات وتحليلات لدعم سياسة أردوغان في تبرير التدخل في شؤون الدول العربية
وفي ظل توجّه الإدارة الأمريكية لتصنيف تنظيم الإخوان في قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية، أخذت الأناضول مهمة الدفاع الشرس عن التنظيم، ونقلت في 30 أبريل الماضي عن متحدث حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك، أن توجه الولايات المتحدة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية”، من شأنه أن يعزّز معاداة الإسلام في الغرب وحول العالم، وأن القرار الأمريكي المحتمل “سيشكل ضربة كبيرة لمطالب التحوّل الديمقراطي في الشرق الأوسط، وسيؤدي إلى تقديم الدعم الكامل للعناصر غير الديمقراطية، وهذا أيضاً يعتبر أكبر دعم يمكن تقديمه للدعاية لتنظيم داعش”، ويبدو أن جليك تناسى أن تنظيم الإخوان أساء للإسلام أكثر مما أفاده، بعد التجارب التي شوهدت لممارسات عناصره منذ تأسيسه، وأنه عطل مسيرة التحوّل الديموقراطي في العديد من الدول على رأسها مصر، التي انقلبوا فيها على الديموقراطية، وسعوا لإنتاج نظام حكم يقضي على الدولة المصرية.
ما زالت الأناضول تبث سمومها وتنشر كل يوم مقالات وتحليلات لدعم سياسة أردوغان في تبرير التدخل في شؤون الدول العربية، سواء في مصر أو سوريا أو العراق أو السودان أو اليمن أو الصومال أو جيبوتي أو ليبيا وغيرها، من خلال دعم عناصر تنظيم الإخوان في كل هذه الدول، وتمنح الدعم الإعلامي والدعائي لأذرع تلك الجماعة على الأراضي التركية وخارجها، فهي لا تقلّ خطورةً عن شبكة الجزيرة القطرية، في نشر الأكاذيب ودعم الجماعات المتطرفة، ما يجعلهما وجهان لعملة واحدة.