دراسات الصورة الذهنيةدراسات وبحوث

ديكتاتورية أردوغان تزداد جنوناً.. هل حان وقت السقوط؟

يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الصعود نحو الهاوية، عبر سياساته الديكتاتورية وممارساته القمعية، التي طالب الجميع من أبناء شعبه، بما فيهم رفقاء دربه وقيادات حزبه الحاكم، الذين ضاقوا ذرعاً باستحواذه على القرار وانفراده بجميع السلطات، وبالعلاقات العدائية التي صنعها لتركيا مع معظم دول الجوار والقوى الدولية والإقليمية، والصراعات والحروب التي أقحم فيها بلاده.

يستمر الرئيس التركي في توزيع تهم العمالة والتخوين على مخالفيه، ويعاقب كلّ من يغرّد خارج سربه

وبينما يتعرض حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، لانقسامات وانشقاقات هزّت كيانه وأركانه، شهد إثرها خروج معظم قيادات الحزب التاريخية، وإعلانهم العزم على تشكيل حزب جديد، يستمر الرئيس التركي في توزيع تهم العمالة والتخوين على جميع من يخالفه، ويعاقب كل مَن يغرّد خارج سربه.

حوار أوغلو

لم تَمضِ سوى ساعات قليلة على إذاعة برنامج تلفزيوني، تضمن حواراً مع رئيس وزراء تركيا السابق أحمد دواود أوغلو، في 18 من يوليو 2019، حتى تم – بتوجيه من أردوغان – إيقاف البرنامج المذكور، كما تم إيقاف مقدّم البرنامج “ياوز أوغهان”، الذي قال على حسابه الشخصي بموقع “تويتر”، إن: “تركيا لا يبقى فيها شيء دون عقاب، لقد توقف البرنامج بسبب المقابلة التي أجريتها مع السيد داود أوغلو”.

أزعج حوار تلفزيوني أردوغان وطال كبرياءه وصورته الذهنية التي طالما حاول تصديرها لشعبه بصفته “الزعيم الملهم” الذي لا يخطئ!

كما علق داود أوغلو هو الآخر على هذا الأمر في تغريدة بـ”تويتر” قال فيها: “لقد شعرت بالحزن والأسف لوقف البرنامج، هؤلاء صحفيون مارسوا مهنتهم بكل حرية، لذلك هذا القرار غير صائب، لكن إذا أغلقوا باباً سنفتح آخر جديداً ولن نصمت”.

أزعج الحوار أردوغان وطال كبرياءه وصورته الذهنية التي طالما حاول تصديرها لشعبه، بصفته “الزعيم الملهم” الذي لا يخطئ، وأن نقد سياساته أو معارضتها هو من قبيل الخطايا والجرائم، التي يجب معاقبة مرتكبيها دون إبداء الأسباب.

دوامة المشاكل

 أردوغان المتسبب الوحيد في دخول تركيا دوامة المشاكل المتراكمة مع محيطها العربي

في هذا الحوار استطاع  “داود أوغلو” أن يبرّئ نفسه من الاتهامات التي تُوجَّهُ له بأنه السبب في توريط تركيا في أزماتها الخارجية مع دول الجوار، وتحديداً الأزمة السورية والعلاقة بتنظيم الإخوان، حيث أوضح أن أردوغان أصرّ على تهميشه وسلبه صلاحياته التي يكفلها له منصبه كرئيس الحكومة خلال الفترة بين عامي 2014 – 2016، فقد تم إبلاغه حينها بأن يكون رئيساً للوزراء من حيث الشكل فقط، وبدون أي صلاحيات فعلية، وهو ما يؤكد أن أردوغان كان المتسبب الوحيد في دخول تركيا دوامةً من المشاكل المتراكمة مع محيطها العربي، ومع العديد من دول العالم، وذلك بسبب دكتاتوريته وغروره الذي يتماهى مع أيديولوجيته الإخوانية القائمة على الوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة، وعلى الإقصاء والتفرّد بالرأي والقرار.

النظام الرئاسي

هاجم أوغلو النظام الرئاسي الذي استحدثه أردوغان، وقال إنه اتسم بغموض أكثر من النظام البرلماني

هاجم أوغلو النظام الرئاسي الذي استحدثه أردوغان في تركيا، وقال إنه اتسم بغموضٍ أكثر من النظام البرلماني الذي كان سارياً في البلاد لعقود طويلة، ووصفه بأنه نظام مختلط يجمع بين النظامين الرئاسي والبرلماني، مطالباً بضمان استقلال القضاء، وتحقيق التوازن بين رئاسة الجمهورية والقضاة، وتعزيز السلطات التشريعية، وأن يأتي نائب رئيس الجمهورية بالانتخابات، ويتم تعيين الوزراء على أسس سياسية تكنوقراطية.

انتقد “أوغلو” تولي أردوغان رئاسة تركيا وأن يحتفظ في الوقت ذاته برئاسة حزب التنمية والعدالة، مؤكداً أن ذلك الوضع تسبب في إلحاق الضرر بالحزب، وكانت حصيلته سلبية على حاضره ومستقبله، في إشارة منه إلى ما مُنِيَ به الحزب من هزائم نوعية ومؤثرة في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس 2019، وفي ما يعانيه الحزب حالياً من انشقاقات كبرى، كان أهمها انشقاق نائب رئيس وزراء تركيا السابق علي باباجان، وعزمه تشكيل حزب جديد ينافس حزب العدالة والتنمية.

زعيم جديد وقائد منتظر

كان الحوار مع أوغلو بمثابة تقديم “علي باباجان” إلى الرأي العام التركي، مرشّحاً قوياً لزعامة تركيا وقائداً منتظراً لشعبها

في الوقت الذي وجّه فيه الحوارُ ضرباتٍ موجعةً لأردوغان وفضح سياساته الخطرة على تركيا، كان كذلك بمثابة تقديمٍ لـ”علي باباجان| إلى الرأي العام التركي، مُرشَّحاً قوياً لزعامة تركيا وقائداً منتظراً لشعبها.

فقد أكد “أوغلو” أن تركيا بحاجة إلى رجل مثل باباجان، ومن ثم كان لا ينبغي التفريط في رجلٍ يُعدّ أحدَ رجال الدولة الناضجين، وأنه مِن العبث أن يَرحل رجلٌ بحجمه عن الحزب.

واستطرد قائلاً: “حينما تعرّض باباجان مؤخراً لاتهامات بالانتماء لحركة غولن، وكان بصدد فتح تحقيق معه، اتصلتُ به، وعبّرت عن دعمي له، فالوقوف وراءه وظيفتي، وبعد البيان الأخير الذي أصدرته بخصوص ما يعاني منه حزب العدالة والتنمية، تقابلنا وشدّدنا خلال اللقاء على أن تركيا بعد الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس الماضي تنتظرها مرحلة حرجة، لذلك أكدنا ضرورة الكشف عن الأخطاء داخل الحزب سواء فاز أم لم يفز بتلك الانتخابات”.

رسالة أوغلو السابقة

وكان رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، انتقد في رسالة طويلة نشرت في 22 أبريل الماضي، سياسات الرئيس أردوغان، ومن بينها الاعتقالات المسيّسة ضد أناس أقرباء لجماعة غولن المحظورة (تجاوز عدد المعتقلين أكثر من 100 ألف معتقل)، والتدخّل في شؤون الحزب، واستخدام لغة التخوين ضد الخصوم، والاستغلال العائلي للدولة (أردوغان عيّن صهره بيرق البيرق وزيراً للمالية والخزانة).

وحذّر أوغلو من مرحلة صعبة تنتظر حزب العدالة والتنمية، وتنتظر تركيا أيضاً، وطالب بمواجهة حقيقةِ التراجع في الدعم الشعبي للحزب وتقييم ذلك بطريقة حكيمة، خاصة فيما يتعلق بنتائج رئاسات بلديات أنقرة وإسطنبول.

تكلم أوغلو بصراحة تامة، عن استبدال لغة التواضع بلغة متكبرة أنانية، والخوض في منافسات من أجل إطلاق أسماء – حتى السياسيين الذين هم في أصغر المراتب – على الشوارع والمدارس والمباني، فضلاً عن التعامل بتعالٍ، والإصرار على الظهور الدائم بلا انقطاع، وتوسيع الهُوّة بين الوعود الخطابية وحقيقة الأوضاع، واستغلال أمور مقدّسة (نابعة من الدّين) من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

الخوف من باباجان

يخشى أردوغان كاريزما باباجان وشعبيته الجارفة سواء بين صفوف الحزب الحاكم أو بين جموع المواطنين الأتراك

قدّم علي باباجان استقالته، في 8 يوليو الجاري، رسمياً من “العدالة والتنمية”، في خطوةٍ كان لها بالغ الأثر على الحزب الحاكم الذي يعاني من انشقاقات متتالية، كان أهمّها نية 40 برلمانياً منتمين للحزب الحاكم الانضمام إلى الحزب الجديد، كما سارع 4 وزراء سابقين منتمين لحزب أردوغان، في 10 يوليو، إلى تأييد باباجان في خطوته الجديدة. ويُرجِعُ النواب الذين يعتزمون الاستقالة من العدالة والتنمية، اتجاهَهم لهذه الخطوة، إلى إصرار أردوغان على سياساته القائمة حالياً في المجالات كافة.

جدير بالذكر أن علي باباجان هو أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، ومثَّل الحزبَ داخل البرلمان في أربع دورات، منذ 14 نوفمبر 2002، وحتى 7 يونيو 2015، وخلال هذه الفترة شغل عدة حقائب وزارية، تنوّعت بين وزير الدولة المسئول عن الاقتصاد في أول حكومة برئاسة عبد الله جول (2002-2007)، بعدها تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رجب طيب أردوغان الأولى (2007-2009)، ثم عاد مرةً أخرى وزيراً للدولة لشؤون الاقتصاد (2009-2011)، وفي الفترة بين عامي 2009 و2015، كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء آنذاك أردوغان، وعيّنه أردوغان أيضاً كبير المفاوضين للانضمام للاتحاد الأوروبي.

لهذا يُجمِع المراقبون على أن أردوغان لا يأبه بكبار المنشقين عن حزب العدالة والتنمية مثل أحمد داود أوغلو، أو رئيس تركيا السابق عبد الله جول، بقدر ما يأبه لانشقاق علي باباجان، الذي يمتلك حضوراً مشابهاً لحضوره، وكاريزما ليست عادية، بالإضافة إلى شعبيةٍ جارفة سواءً بين صفوف الحزب أو بين جموع المواطنين الأتراك، الذين باتوا يعقدون آمالهم عليه، بصفته نجماً صاعداً، ليعيد الأمجاد الاقتصادية لبلادهم مرة أخرى، خاصة وأنه أكد أكثر من مرة، أن حزبه لن يقتصر على المنشقين عن حزب العدالة والتنمية والتيار الإسلامي فقط، وإنما سيفتح أحضانه للجميع، العلماني والليبرالي والكردي والمحافظ واليساري. لذا فقد تسبّب خروجه عن الحزب في إصابة أردوغان بحالة من الفزع، إذ إنه كان مهندس التنمية الاقتصادية التي شهدتها تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، ومن بعده بدأت الأمور تزداد سوءاً، إلى أن بات الأتراك يذوقون مرارة الأوضاع الاقتصادية السيئة.

المعارضة التركية

وكما خرجت الموالاة على أردوغان بهجومها الصاعق، لم يسلم أيضاً من هجوم معارضيه الضاري، فقد شن زعيمُ المعارضة التركية، كمال كليجدار أوغلو، في 16 يوليو 2019، هجوماً على السياسة الخارجية للرئيس التركي، رجب أردوغان، وقال إن “مصلحة تركيا فوق كل اعتبار.. يجب إحلال السلام مع مصر، وعلينا عدم الخوض في نزاعات مع الأمم الأخرى”، كما طالب الحكومة بالتوقف عن إرسال أسلحة إلى ليبيا، متسائلاً عن سبب إقدام أنقرة على تأجيج النزاع، في وقتٍ يمكنها أن تكون فيه وسيطاً لإنهاء الحرب.

أردوغان.. هل اقتربت النهاية

ضاق الأتراك ذرعاً بالسياسات الداخلية الفاشلة لأردوغان، وبأدواره التآمرية على الصعيدين الإقليمي والدولي

لا تبدو سيرورة الأمور في صالح أردوغان، مع توالي الهزائم والتصدّعات في صفوف حزبه، بسبب سياساته المقامرة والخاسرة، الأمر الذي انعكس سلباً على هياكل الحزب وكوادره العليا ونوابه في البرلمان، وبات الحزب في مأزق سياسي كبير، في وقت ضاق الأتراك فيه ذرعاً بسياساته الفاشلة على المستوى الداخلي، وبأدواره التآمرية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو ما يعني أن المستقبل لن يكون في صالحه، وأن المنشقين عن الحزب ومعهم المعارضة، سيسعون لتحقيق الانتصارات السياسية خلال الفترة المقبلة، لتنهي عصر أردوغان وتزيحه عن السلطة، حتى لا يتكرّر وصف تركيا مرةً أخرى بـ”الرجل المريض”، وهو الوصف الذي دُمِغَتْ به الدولة العثمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر.

زر الذهاب إلى الأعلى