تختلف القيادة في العصر الرقمي اختلافًا جوهريًّا عن أي وقت مضى، فالقادة الناجحون الآن لا يحملون سوى القليل من الشبه مع أسلافهم، وتعني القيادة بأبسط معانيها الإبحار بسفينة المؤسسة إلى الحقبة التالية بنجاح، وبالنظر للواقع الراهن فإنها تعني تحديدًا قيادة سفينة التحول الرقمي.
ويجب أن يكون كل قائد في أي مؤسسة قادرًا على الإجابة عن سؤال بسيط: “كيف نتطور؟”، وأن يدرك التحديات والفرص التي تطرحها التكنولوجيا سريعة التطور في محاولته تصميم وتنفيذ الاستراتيجية الخاصة بمؤسسته.
ووفقًا لمجلة “فوربس” الأمريكية فإن 28% فقط من الشركات الكبرى تنجح في التحول الرقمي، وهذا يعني أن 72% من القادة يفشلون إمَّا بسبب طريقة تفكيرهم أو تصرفهم أو لنقص في عمليات التدريب للموظفين.
القيادة الرقمية والتحول من الهرمية إلى مشاركة الجميع
ووفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، تتعلق القيادة الرقمية بتمكين الآخرين من القيادة وإنشاء فرق عمل منظمة ذاتيًّا تعمل على تحسين الأنشطة اليومية، فلم تعد القيادة هرمية الطابع بل أضحت تقوم على مشاركة ومساهمة من الجميع.
وتزداد أهمية القيادة الرقمية في ظل حاجة القادة إلى التعامل مع تغييرات غير مسبوقة ومستقبل غير متوقع وصعب بسبب الثورة الصناعية الرابعة المدفوعة بظهور التقنيات الجديدة، وفي مثل هذا العالم، ستلعب القيادة دورًا أكبر من أي وقت مضى، وسيتعين على القادة رسم خطوات التحرك إلى الأمام وسط بيئة تتسم بالتحولات والاضطرابات والفوضى والغموض.
وتشير دراسة أجرتها شركة “ماكنزي-McKinsey” إلى أن الأنظمة البيئية الرقمية الناشئة يمكن أن تحقق عائدات تزيد على 60 تريليون دولار بحلول عام 2025. وسيكون دور القادة الرقميين بارزًا حيث سيتولون توجيه وتصميم وبناء الأنظمة التي تخلق مستقبلًا شاملًا للجميع، ممَّا يتطلَّب وضع استراتيجيات تصنع قادة على جميع المستويات في المؤسسات.
كما يسهم نمو الاقتصاد الرقمي الذي يتسم بالتطورات المستمرة والسريعة، في زيادة حاجة القادة إلى تمكين فرقهم للعمل باستقلالية وحرية واتخاذ القرارات. وتحتاج المنظمات إلى تشجيع كل عضو في الفريق على المساهمة بأفكار ورؤى ومعرفة لتحقيق الأهداف المشتركة للمنظمة.
ويجب على القيادة إنشاء رؤية مقنعة، والتواصل بوضوح مع أفراد المنظمة حتى يفهم الجميع ما يحاول الفريق تحقيقه ولماذا؟
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ملاحظات مثيرة للاهتمام وردت في تقرير البنك الدولي لعام 2019 تحت عنوان البيئة المتغيرة للأعمال، ومنها أن شركة IKEA، عملاق تجارة الأثاث السويدية، استغرقت 30 عامًا بعد تأسيسها في عام 1943 قبل أن تبدأ في التوسع في أوروبا، وأصبحت عائداتها 42 مليار دولار بعد سبعة عقود.
في المقابل، وصل عملاق التجارة الإلكترونية الصيني “علي بابا” إلى مليون مستخدم في عامين فقط، وجمع أكثر من 9 ملايين تاجر عبر الإنترنت محققًا مبيعات سنوية بلغت 700 مليار دولار في 15 عامًا باستخدام التقنيات الرقمية.
متطلبات وسمات القيادة الرقمية الناجحة
وفي هذا الإطار، تشير مجلة فوربس الأمريكية إلى أن ثمة فرصة أكثر من أي وقت مضى لتمكين القادة من تغيير طرق عملهم للنجاح في اقتصاد عالمي رقمي جديد وهو ما يتطلب اتباع الخطوات التالية:
إعادة تشكيل القيادة من أجل إيجاد “قادة المستقبل” الذين تشتد الحاجة إليهم ويمكن لكفاءاتهم معالجة الطبيعة المتغيرة للعمل واحتياجات المواهب ومتطلبات المنافسة وتوقعات العملاء وتأثيرهم، وكذلك إعادة صياغة مستقبل القيادة.
بناء بيئة عمل فعالة ومتنوعة للقادة لتحقيق الازدهار في الاقتصاد الرقمي الذي يحتضن طرقًا جديدة للعمل والقيادة، وتعزيز الثقة والشفافية والأصالة والتعاون والتعاطف.
زيادة الجاهزية الرقمية للتحول المؤسسي، وعلى مستوى فريق العمل لقيادة فعالة في الاقتصاد الجديد مع الاستفادة من حلولهم المبتكرة والإبداعية والاستباقية دون إهمال القيم المبنية على الصدق والإلهام والشمول والنزاهة.
القضاء على نقاط الضعف لدى القيادة والثقافة ورأس المال البشري، والتي تعوق الاستراتيجية التكنولوجية وتمكين المواهب، فواحدة من أكبر العوائق في معظم المنظمات هي السياسات والممارسات التي عفا عليها الزمن، حيث يعد تكييف العمل من المنزل عمليًّا ضروريًّا للنجاح التنظيمي بعد جائحة فيروس كورونا الحالية.
تقييم ومعالجة نقاط الضعف الشخصية، حيث يجب أن تكون القيادة المستقبلية متسقة مع مجموعة المهارات التي يجب امتلاكها، فالعمل أضحى يتم بسرعة فائقة، ويجب أن تكون عملية اتخاذ القرار سليمة وعاجلة.
وتشير مجلة “فوربس” إلى أن القيادة الرقمية الناجحة تتسم بمجموعة من السمات:
- ينظر 89% من القادة الرقميين إلى الاستراتيجية على أنها خطوة للأمام فقط مع مراجعة مستمرة للنيات، فهي ليست عملية نصف سنوية أو سنوية.
- يطرح 93% من القادة الرقميين سؤالًا مستمرًّا حول كيفية التوصل إلى فكرة تقلل التكاليف وتزيد من الفعالية وتكون مبتكرة حقًّا في نفس الوقت.
- يدرك 88% من القادة الرقميين أن البيانات لها معانٍ جديدة، وتأتي من مصادر متعددة.
مقومات تطور المؤسسات في العصر الرقمي
ووفقًا لموقع “impact international” فإن المؤسسات التي تضع شخصًا مسؤولًا عن “الاستراتيجية الرقمية” لن تنجح، فهذا التفكير القديم المستند إلى تعيين شخص ليكون مسؤولًا عن مشكلة ما في المؤسسة، بينما يمضي باقي أفرادها في العمل كالمعتاد، لم يعد حلًّا.
فالقادة الحقيقيون لا يستطيعون ترك أشياء مهمة مثل مستقبل المؤسسة لشخص مسؤول عن الاستراتيجية الرقمية، فبدلًا من ذلك يحتاج هؤلاء القادة إلى رؤية أنفسهم كأطراف فاعلة أساسية في فترة انتقالية شديدة الاضطراب تؤثر على المنظمة ككل.
ورصد الموقع مجموعة من الشروط المسبقة للمؤسسات لتتطور بنجاح في العصر الرقمي، وهي كالتالي:
الانتقال من نمط الطيار الآلي (تكرار سلوك معين دون تفكير) إلى الاستراتيجية المقصودة: فهناك عدد كبير جدًّا من المنظمات تعمل بنمط “الطيار الآلي”، مدفوعة بأرقام قصيرة المدى، حيث تقوم بالأشياء نفسها بالطريقة التي تفعلها دائمًا، وبعضها يكون ضعيفًا جدًّا في الاستراتيجية بشكل عام، لذا فإن ربط الاستراتيجية بهدف محدد هو طريقة لإيقاف تشغيل نمط الطيار الآلي والبدء في القيادة بشكل حقيقي.
التحول من التقاعس عن القيادة إلى التحيز للعمل القيادي: نسمع الكثير عن السرعة فيما يتعلق بالتكنولوجيا الرقمية وحاجة المؤسسات إلى التحرك بسرعة، لكن الفرق بين المنظمة السريعة والمنظمة البطيئة يرجع إلى حد كبير إلى السرعة في اتخاذ القرارات.
وكلما كانت البيئة أكثر غموضًا أصبح قادة المؤسسات أكثر تحفظًا، لذلك تبرز الحاجة إلى تحويل القدرات القيادية بطرق تخترق وتخلق تحيزًا جديدًا للعمل.
التحول من المال إلى القيمة: في عالم مُمكَّن رقميًّا ومفتوحًا وشفافًا بشكل متزايد، يكون العملاء أقل اهتمامًا بسعي الشركة لتحقيق الأرباح وأكثر اهتمامًا بالقيمة المقدمة لهم وللعالم.
ولا تؤدي مطاردة الأرقام عادةً إلى تقديم تجربة رائعة للعملاء.
الانتقال من التركيز الداخلي إلى الخارجي: تظل العديد من المنظمات منطوية خاصة عندما يكون هناك تهديد محتمل، لذا يحتاج القادة إلى مقاومة إغراء إغلاق أبوابهم وعزل أنفسهم أثناء تفكيرهم، وبدلا من ذلك يحتاجون إلى النظر إلى الخارج.
التحرر من قيود الماضي والتطلع إلى المستقبل: توجد حاجة إلى التخلي عن الماضي، حيث ترى العديد من المنظمات الماضي كدليل للمستقبل، لذلك تبرز الحاجة إلى خرائط تحرُّك جديدة ويحتاج القادة إلى إنشائها بجرأة.
مزيد من الشفافية: يحتاج القادة الآن إلى قبول إتاحة جميع المعلومات حول المنظمة بشكل متزايد للجميع، أي تسهيل إضفاء الطابع الديمقراطي على المعرفة والمعلومات، بحيث يمكن للعديد من الأفراد استخدامها من أجل تحفيز العمل. وستكون جميع المنظمات مسؤولة بشكل متزايد أمام جمهور مستنير ومتعلم ومنظم.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأنه يمكن للقادة الذين يفهمون قيمة التنوع والشمول والانفتاح أن يواجهوا تحديات الاضطرابات التكنولوجية، ويحتاج هؤلاء القادة إلى إنشاء أنظمة تضمن الشفافية والتدقيق الشامل للعمليات وأعلى المعايير الأخلاقية، كما يتطلب التعامل مع البيانات الشخصية وخصوصية الأفراد ومعلومات المنظمة فرض الامتثال الصارم والشفافية.
وفي عالمٍ تحرِّكه التكنولوجيا، تُحدث الطريقة التي يتم بها قيادة الأشخاص داخل المؤسسات الفرق الحاسم في نجاحها. حيث يحتاج القادة في هذا العصر الجديد إلى الإلهام والمشاركة والقيادة بتفاؤل، فالقادة الرقميون في مختلف المستويات سيكون لهم القدرة على تشكيل مستقبل المؤسسات التي يعملون بها.