شكّل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تغريدة على حسابه بموقع التدوينات القصيرة “تويتر” عن إصابته وزوجته ميلانيا بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، نقطة فارقة في صراع الولايات المتحدة مع الوباء العالمي، كما أن الإعلان جاء في توقيت حساس قبل نحو شهر من انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في 3 نوفمبر المقبل، لتجسد “مفاجأة أكتوبر” الأكثر دراماتيكية في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
وفي ظل الاهتمام العالمي بمرض الرئيس الأمريكي وتداعياته، سارعت العديد من شركات وسائل التواصل الاجتماعي في غضون دقائق من تغريدة ترامب إلى اتخاذ عدد من الخطوات للتنبؤ بالأكاذيب والشائعات المحتمل أن تظهر وكيفية التعامل معها بالاعتماد على السياسات التي طوروها في الأشهر الأخيرة للمعلومات المضللة عن الوباء والانتخابات.
تغريدة إعلان ترامب الإصابة بالفيروس الأكثر شعبية
ومن المؤشرات الرئيسية علي التفاعل الكبير من جمهور مواقع التواصل الاجتماعي مع الحدث المفاجئ، أن التغريدة التي أعلن فيها ترامب إصابته بالفيروس كانت الأكثر شعبية على الإطلاق بين تغريداته، إذ أعيد تغريدها أكثر من 915 ألف مرة.
ويري صامويل وولي، الأستاذ بجامعة تكساس أن لجوء الرئيس ترامب للإعلان عن إصابته بالفيروس عبر تويتر، يشير إلى أن هذا هو طريقه المفضل للتواصل مع الشعب الأمريكي بشأن الأشياء الأكثر خطورة.
ويمتلك ترامب أحد أشهر حسابات تويتر في العالم، حيث يُتابعه 86.6 مليون شخص ويستخدم الموقع للتعبير عن رأيه حول مختلف القضايا والترويج لحملته الانتخابية الرئاسية ومهاجمة منافسيه ومنتقديه.
ووفقا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، يستبعد خبراء وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتابعون حساب ترامب أن يتوقف عن التغريد أثناء الحجر الصحي، خاصة إذا ظلت أعراضه خفيفة، بل إن الحجر قد يمنحه مزيدًا من الوقت للتغريد، ومن المعروف على مدار السنوات القليلة الماضية أن ترامب ينشر تغريدات أكثر في أوقات الراحة أو السفر.
ولا يتعلق تزايد الإقبال على التغريد خلال عصر كورونا بسمات تتصل بشخصية الرئيس ترامب فقط، حيث أثبتت القيود المتعلقة بالحجر الصحي هذا العام أن الأشخاص يلجؤون إلى وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحيان، ففي الأسابيع الأولى للوباء، أفاد موقع تويتر أن عدد المستخدمين اليوميين بلغ 164 مليون شخص بزيادة 23 % عن العام السابق.
وقد وضع قادة وزعماء أخرون بالفعل نموذجًا لكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أثناء مكافحة فيروس كورونا، فعندما أصيب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالفيروس، وهو أيضًا يستخدم موقع تويتر بكثافة، قام باطلاع المتابعين على حالته بانتظام على المنصة حتى عندما دخل المستشفى.
توقعات بتكثيف الرئيس الأمريكي لتغريداته من الحجر الصحي
ويشير دارين لينفيل الباحث المتخصص في شؤون وسائل التواصل الاجتماعي والأستاذ بجامعة كليمسون الأمريكية إلي أن ترامب الذي بلغ متوسط تغريداته يوميا 37 تغريدة على مدار التسعين يومًا الماضية، انتظر ما يقرب من 18 ساعة ليغرد مرة أخرى بعد الإعلان عن إصابته، حيث نشر مقطع فيديو ليشكر الأمريكيين على دعمهم، معلنا انه سيتوجه إلى المستشفى، وقد حظى المقطع بأكثر من 27 مليون و800 ألف مشاهدة.
ويرجع لينفيل هذه المدة غير المعتادة بين التغريدتين بالنسبة لترامب، إلي أن الرئيس كان يُقيِّم الوضع وما يعنيه لحملته الانتخابية، حيث يعتمد ترامب على موقع تويتر لحشد مؤيديه والتواصل مع الجمهور بشكل عام، مرجحا أن يلجأ الرئيس الأمريكي بمجرد تحسن وضعه إلي تكثيف التغريدات أكثر من أي وقت مضى.
وقد نشر الرئيس ترامب أول تغريدة له من داخل مستشفى “والتر ريد” العسكري بعد نحو 5 ساعات من وصوله حيث أعلن فيها عن شعوره بالتحسن. وبعد 14 ساعة نشر تغريدة أخري أشاد فيها بالطاقم الطبي في المستشفى، ووصفه بـ”الرائع”، مشيرا إلى “كل الأطباء والممرضين في مستشفى والتر ريد المذهلة فضلا عن مؤسسات أخرى التحقت بهم”.
التنمر ضد ترامب والمعلومات المضللة تحديان رئيسيان أمام منصات التواصل الاجتماعي
لقد واجهت مواقع التواصل الاجتماعي تحدي يتصل بتفاعل المستخدمين مع خبر إصابة ترامب بكورونا، حيث نشر البعض تغريدات تعبر عن مشاعر مختلفة ما بين الصدمة والدعم والنقد والشماتة وصولا إلي الرغبة في وفاة الرئيس الأمريكي بسبب الفيروس.
وتشير مجلة “بوليتيكو” الأمريكية إلي أن موقع يوتيوب بدأ في توجيه عمليات بحث المستخدمين عن ترامب وكورونا إلى مقاطع فيديو من مصادر موثوقة مثل شبكة “سي.بي.إس” الأمريكية، وهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”، فيما قام موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، الشبكة الاجتماعية الأكبر على مستوى العالم، بإنشاء مركز عمليات لمتابعة أخبار ترامب وكورونا على غرار “مركز عمليات” مخصص للانتخابات الرئاسية، وفقا لما أعلن المتحدث باسم الشركة آندي ستون.
أما موقع التدوينات القصيرة “تويتر” فقد أعلن عن حظر المشاركات التي تأمل في وفاة الرئيس ترامب بموجب القيود التي يتبناها ضد التنمر أو السلوك البغيض. وقال موقع تويتر في بيان إن “المحتوى الذي يتمنى أو يأمل أو يعبر عن الرغبة في الموت أو الأذى الجسدي الخطير أو المرض المميت ضد أي فرد هو ضد قواعدنا”، ولدى كل من فيسبوك وتيك توك سياسات مماثلة.
كما استخدمت منصات التواصل الاجتماعي أسلوبًا تبنته في أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2016 وهو الاستعانة بمدققي الحقائق التابعين لجهات خارجية، فعلي سبيل المثال ذكر منشور تم تداوله على نطاق واسع بموقع فيسبوك أنه تم رصد ما تسمي بـ “طائرات يوم القيامة” العسكرية على الساحل الشرقي للولايات المتحدة حيث تم وضعها هناك للدفاع ضد هجمات الأعداء الأجانب الذين يستغلون الوضع الصحي الراهن لترامب. وقام موقع فيسبوك بإرفاق ملصق تحذيري بالمنشور، بناءً على تقارير من مدققي الحقائق بما في ذلك وكالة أسوشيتد برس.
وبالمثل، وضع تطبيق إنستغرام، نقلاً عن مدقق حقائق خارجي علامة تحذير من “معلومات خاطئة” على المنشورات التي تشير إلى أن مسلسل كارتون سيمبسون أظهر في إحدى المرات رسم كاريكاتوري لترامب في نعش.
وواجهت منصات التواصل الاجتماعي محتوى آخر أكثر صعوبة، يتمثل في المنشورات التي تجادل بأن ترامب يستخدم إصابته بكورونا لتجنب المناظرة الثانية مع منافسه المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن والمقررة في 15 أكتوبر الجاري أو للحصول على التعاطف قبل الانتخابات، إذ تشكل نظريات المؤامرة تحديًا خاصًا لمنصات التواصل الاجتماعي لأسباب عديدة، بما في ذلك أنه قد يكون من الصعب دحض تلك المعلومات، حيث غالبًا ما يتم إخفاءها بلغة مشفرة لا تعني سوى جمهورها المستهدف.
وفي كثير من الحالات، تستجيب المواقع بمحاولة الحد من انتشار هذا النوع من المواد ، مثل ترتيبها في مرتبة أدنى في نتائج البحث، بدلاً من التخلص منها تمامًا.
وفي ذات الإطار، تواجه منصات التواصل الاجتماعي تحدى صعب عندما تأتي المنشورات المشكوك فيها من حسابات شخصيات رفيعة المستوى، فعلي سبيل المثال نشر السيناتور الجمهوري كيلي لوفلر تغريدة علي حسابه بموقع “تويتر” قائلا “تذكر: الصين أعطت هذا الفيروس لرئيسنا دونالد ترامب وللسيدة الاولي ميلانيا، يجب أن نحاسبهم”، فيما ذكر متحدث باسم تويتر أن التغريدة لم تنتهك أي قواعد للمنصة، وبالتالي لن يتم اتخاذ أي إجراء بشأنها.
كما تم تداول منشور أخر على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يعتبر أن الحجر الصحي الحالي لترامب هو جزء من خطة، مفصلة من قبل مجموعة “QAnon” ( مجموعة افتراضية تشكل محور نظرية مؤامرة من ابتداع اليمين الأمريكي المتطرف) للاختباء قبل شن معركة ضد عصابة الاستغلال الجنسي للأطفال التي يديرها ديمقراطيون بارزون.
وتعليقا علي ذلك المنشور، قال المتحدث باسم فيسبوك آندي ستون إن المنشور يمر عبر عملية التحقق من الحقائق التابعة لجهة خارجية، موضحا أن الوقت الذي استغرقه هذا الأمر يعود إلى مدققي المعلومات، لكنه أشار إلي أنه قد تم تقليل عملية انتشار المنشور، بما في ذلك احتلاله مرتبة أدنى في خلاصات الأخبار التي تعتمد على الخوارزميات في فيسبوك.
في المقابل، قالت بعض منصات التواصل الاجتماعي البارزة إنها لم ترصد أي معلومات مضللة أو محتوى مشكوك فيه بشأن إصابة ترامب بكورونا، حيث أكد المتحدث باسم تيك توك، جيمي فافازا أنهم لم يشاهدوا الكثير من هذا المحتوى حتى الآن، مشيرًا إلى أن السبب يرجع إلي الأجواء الخفيفة عمومًا للمنصة وعدم وجود قوة دفع للتضليل السياسي.
وأخيرا.. يمكن القول إنه من المبكر الحكم على أداء منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية بعد مرور أول 24 ساعة على إعلان خبر إصابة الرئيس الأمريكي بفيروس كورونا، بالنظر إلي أن المعلومات المضللة تستغرق عادةً أياما للانتشار حتى تهيمن علي تفكير مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.