ازدادت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي بوتيرة متسارعة على مدى العِقد الماضي، واتّسعت رقعة مستخدميها بشكل كبير، وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة الأبحاث التسويقية “Hootsuite” في يناير 2020، تحت عنوان “We are social”، يَستخدم 3.8 مليارات شخص وسائل التواصل الاجتماعي، بزيادة 9% (321 مليون مستخدم جديد) عن العام الماضي، وسط توقّعات بأن يتجاوز عدد المستخدمين نصفَ سكان العالم بحلول منتصف العام الجاري.
ومع تفشّي وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، ودخول نحو نصف سكان العالم في حجر صحّي عام، ووسط حالة من عدم اليقين بشأن الفيروس، يَسعى ملايين الأشخاص حول العالم إلى الحصول على مصادر معلومات وأصوات موثوقة عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لمساعدتهم على التأقلم مع حَدثٍ أوجد حالةً استثنائية لم يشهدها العالم منذ زمن الحرب العالمية الثانية.
سِمات وأنواع المؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعي
يمكن تَعريف الأشخاص المؤثّرين في وسائل التواصل الاجتماعي، بأنهم أولئك الذين اكتسبوا سُمعةً لمعرفتهم وخبرتهم في موضوع أو مجالٍ ما، ويَنشرون مشاركاتٍ منتظمةً حول هذا الموضوع على قنوات التواصل الاجتماعي المفضّلة لديهم، ويَحْظَون بعدد كبير من المتابعين المتفاعلين، الذين يُولون اهتماماً وثيقاً لآرائهم، بحسب موقع “Influencer Marketing Hub” المتخصّص في دراسات التسويق المتّصلة بحسابات المؤثرين.
وتوجد العديد من الطرق لتصنيف المؤثرين، وتَتعلّق الطريقةُ الأكثر شيوعاً من بينها بأعداد المتابعين، ونوع المحتوى.
ووفقاً للمعيار الخاص بأعداد المتابعين، يمكن تقسيم الأشخاص المؤثّرين إلى 3 فئات:
المؤثّرون الكبار “ميجا إنفلونسرز – Mega-Influencers“: وهم الممتلكون لعددٍ كبير من المتابعين على شبكاتهم الاجتماعية، وعلى الرغم من عدم وجود قواعد ثابتة حول حجم المتابعين، إلا أن الرأي الشائع هو أن لدى المؤثّرين الكبار أكثر من مليون متابع على منصة اجتماعية واحدة على الأقلّ.
وهناك العديد من المؤثرين الكبار هم من المشاهير الذين اكتسبوا شهرتهم بلا اتصال بالإنترنت، مثل نجوم السينما والرياضيين والموسيقيين، وحتى نجوم تلفزيون الواقع. ومع ذلك، اكتسب بعضُ المؤثرين الكبار متابعتهم الواسعة من خلال أنشطتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتلجأ العلامات التجارية الكبرى فقط إلى المؤثرين الكبار للتسويق، وتكون خدماتهم مكلفة جداً، ويكون لديهم وكلاء يعملون نيابةً عنهم لإجراء أيّ صفقات تسويقية.
“ماكرو إنفلونسرز – Macro-Influencers“: هم الأشخاص الذين يمتلكون متابعة في نطاق يتراوح ما بين 40 ألف ومليون متابع على أي شبكة اجتماعية.
وهذه الفئة تتكوّن من نوعين من مشاهير الدرجة الثانية، الذين لم يصلوا بعد إلى النجومية، أو خبراء ناجحين على الإنترنت بات لديهم هذا الحجم من المتابعين، ومن المرجّح أن يكون النوع الأخير أكثرَ فائدة للشركات فيما يتعلّق بالتسويق المؤثّر.
ويتمتّع الماكرو إنفلونسرز بشكل عام بسمعة جيّدة، لذا بإمكانهم رفع مستوى الوعي، وعددهم أكبر من المؤثّرين الكبار، لذلك يصبح من السهل على العلامات التجارية أن تَجِدَ من تلك الفئة مَن هم على استعداد للعمل معها.
“ميكرو إنفلونسرز – Micro-Influencers“: هم أناس عاديون أصبحوا معروفين بفضل معرفتهم التخصّصية، ولديهم ما بين ألف و40 ألف متابع على منصة اجتماعية واحدة.
وتكاد شهرتهم تصل إلى مرتبة المشاهير التقليديين، لكن لدى الأجيال الجديدة التي تقضي وقتاً على الإنترنت أكثر من مشاهدة التلفزيون أو ممارسة الرياضة أو ارتياد دور السينما.
كما يمكن تقسيم الأشخاص المؤثّرين إلى 3 فئات، وفقاً للمعيار الخاص بنوع المحتوى:
المُدوّنون ““Bloggers: يَتمتع هؤلاء الأشخاص بعلاقاتٍ أكثر واقعية ونشاطاً مع معجبيهم، ويتخصّصون في قطاعات محددة، فعلى سبيل المثال، هناك مُدوّنات ذات تأثير كبير حول التنمية الشخصية والصحة وتربية الأطفال والموسيقى، والعديد من الموضوعات الأخرى.
أصحاب القنوات على اليوتيوب “يوتيوبرز – YouTubers“: ويُقدّمون نوعاً آخر من المحتوى المفضّل وهو الفيديو، وفي هذه الحالة بدلاً من امتلاك كلّ صانع فيديو لموقعه الخاص، يقوم معظمهم بإنشاء قناة على منصة YouTube.
المدوّنون الصوتيون أو “بودكاسترز – Podcasters“: يُقدّم هؤلاء الأشخاص شكلاً حديثاً نسبياً من المحتوى عبر الإنترنت، تزداد شعبيته، وهو عبارة عن حلقات صوتية أو مرئية.
ونادراً ما يَعتمد المدوّنون واليوتيوبرز والبودكاسترز على مواقعهم فقط، بل يُروّجون لمشاركات أو مقاطع فيديو جديدة بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل معظمَ هؤلاء الأشخاص مؤثرين أيضاً.
كورونا يُوجّه ضربة لدخول المؤثّرين من الناحية التسويقية
مع استمرار الشعور بآثار تفشّي الوباء في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي، يُواجه المؤثّرون على فيسبوك وتويتر وإنستغرام، ومنشئو المحتوى على يوتيوب الذين يكسبون الأموال من خلال عروض الرعاية، انخفاضاً في أعمالهم، بل إن بعضهم فقد صفقات الرعاية الخاصة، وحوّل الكثيرون منهم التركيز إلى مصادر الإيرادات البديلة، التي تسمح لهم بالاستمرار في كسب لقمة العيش دون مغادرة منازلهم.
وعلى سبيل المثال، تعتقد المدوّنة السياحية أونيكا ريمون، (التي تمتلك 84,900 متابع على إنستغرام)، أن الكثير من المعنيين بصناعة السفر يحبسون أنفاسهم، فالشركات متردّدة في اتخاذ أي خطوة جديدة، وبالتالي يؤثر هذا على دخل المبدعين.
ويرصد تقرير لشركة “إيزيا Izea”، المعنية بتشبيك المسوّقين مع المؤثرين، تأثير كورونا على صناعة التسويق عبر المؤثرين، حيث سَجَّل انخفاضاً حاداً في الأسعار المدفوعة لكلّ منشور عبر جميع وسائل التواصل الاجتماعي، علماً بأن مُعدّلات مشاركة المنشورات باتت أعلى من المعتاد، حيث يَقضي الكثيرون لساعات طويلة أوقاتهم في تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي.
وأجرت شركة “Influence Central” للتسويق استطلاعاً يَستكشف التفاعل بين وسائل التواصل الاجتماعي وكورونا والسّوق، وذلك على عيّنة تضم 370 شخصاً مؤثراً، وعلى اتصال وثيق مع الجماهير، بهدف معرفة كيف يُغيّر وباء كورونا ما يفعله هؤلاء الأشخاص المؤثرون وما ينشرونه.
وتُشير نتائج الاستطلاع إلى ارتفاع معدّل استخدام كلٍّ من إنستغرام وفيسبوك بنسبة 36٪، وموقع “بنترست -Pinterest ” بنسبة 37٪، والمدوّنات بنسبة 34٪، وهو أمر منطقي بالنظر إلى كون ملايين الأشخاص حول العالم في المنازل، في ظلّ الحجر الصحي العام.
كما يُخطط 50.2٪ من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، لإنشاء ونشر المزيد من المحتوى الفيديوي، ويبحث 88.9٪ من المؤثرين بنشاط عن طرق يمكن أن تساعد الشركات الصغيرة والعلامات التجارية المحلية، في ظلّ ذلك الوضع الاقتصادي.
وتَطرّق 73.6٪ من المؤثرين الذين شملهم الاستطلاع، مع متابعيهم، موضوع فيروس كورونا والبقاء في المنازل، وبينما ركز 26.6٪ فقط على محتواهم المنتظم على الرغم من الأزمة، فإن 70٪ آخرين قدّموا لجمهورهم إرشادات حول كيفية مساعدة الأفراد خلال المعركة ضد فيروس كورونا.
دور إيجابي في التوعية.. وتصاعد دور “ماكرو إنفلونسرز – Macro-Influencers“
يُمكن أن يلعب المؤثّرون على مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في التوعية بخطر كورونا، وإرشاد المتابعين حول طرق الوقاية، وقد شدّد مسئولو الصحة مراراً وتكراراً، على أن جيل الألفية هو المفتاح لوقف انتشار الفيروس.
وفي هذا الإطار، لجأت وكالة “Xomad” للتسويق (ومقرّها لوس أنجلوس)، إلى استخدام المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى جيل الألفية.
وتستخدم “Xomad” عادةً المؤثّرين لترويج علامات تجارية ترغب في بدء حملات لزيادة التفاعل والمشتريات، ولكن مع تفاقم أزمة فيروس كورونا، وتخطّي عدد المصابين مليوني شخص حول العالم، تحوّل تركيزها من مساعدة العلامات التجارية على تسويق منتجاتها، إلى نشر المعلومات حول الوباء العالمي.
ويُركز نموذج عمل “Xomad” على المؤثّرين من فئتي “ماكرو إنفلونسرز و”ميكرو إنفلونسرز”، ويقول روب بيري الرئيس التنفيذي لشركة “Xomad”، إن هاتين الفئتين من المؤثرين تَتمتّعان بعلاقة أكثر مباشرة مع متابعيهما، وعلى اتصال أفضل مع نبض المستهلك وعقليته.
وأخيراً، أدّت أزمة كورونا على ما يبدو إلى تحوّل في طبيعة الإقبال على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، إذ بات التركيز على فئة الخبراء المتخصّصين “ماكرو إنفلونسرز – Macro-Influencers” من الأطباء ومحلّلي البيانات، وعلى سبيل المثال، استطاع نوربرت إليكس، الخبير في تحليل البيانات والذي يَنشر على مدار الساعة تغريداتٍ حول الإحصاءات الخاصة بفيروس كورونا، أن يحصد أكثر من 180 ألف متابع في الشهر الماضي.