تقارير

محاولات خبيثة للعبث بخريطة الشرق الأوسط

شهدت الأسابيع القليلة الماضية كثيرًا من التصريحات الأمريكية والإسرائيلية التي تكشف عن رغبة في تنفيذ مخططات خبيثة تعبث بخريطة الشرق الأوسط، من خلال مقترح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول عربية، والتي قوبلت برفض عربي وفلسطيني ودولي واسع.

ولم تكن هذه المخططات بمثابة مفاجأة، فكثير من دول المنطقة – في بياناتها الرسمية – والمراقبين والخبراء الاستراتيجيين حذّروا مرارًا على مدى 15 شهرًا من الحرب على غزة من مساعي جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة؛ توطئة لبدء خطة التهجير القسري، كما تحدث ساسة إسرائيل، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة عن “تغيير وجه الشرق الأوسط”.

لكن مباحثات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نتنياهو في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، تضمنت الضوء الأخضر الأمريكي لذلك المخطط، بإعلان ترامب عن مقترح للسيطرة الأمريكية على غزة، وتحويلها إلى ما سمّاها “ريفييرا الشرق الأوسط”، وتهجير جميع الفلسطينيين من غزة، في خطوة لاقت رفضًا وتنديدًا عالميًا واسعًا مقابل احتفاء في إسرائيل التي سارعت حكومتها للتوجيه ببدء وضع خطة لما سمّته “المغادرة الطوعية” من القطاع.

  • السعودية تقود الرفض العربي لمخطط تهجير الفلسطينيين

وكانت المملكة العربية السعودية أول من تصدى لتلك الأطروحات الخبيثة عبر بيان صادر عن وزارة الخارجية، أكدت فيه على رفضها القاطع بالمساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي، أو ضم الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. كما شدّدت أيضًا على ثبات ورسوخ موقف المملكة من قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، وضعت المملكة – عبر بيانها – المجتمع الدولي أمام التزاماته وواجباته، بتأكيدها على ضرورة العمل على رفع المعاناة الإنسانية القاسية التي يرزح تحت وطأتها الشعب الفلسطيني.

وأظهر هذا البيان الدور القيادي المبادر والمؤثر للمملكة في تشكيل الموقفين العربي والدولي، إذ توالت بعده البيانات والتصريحات الرسمية للحكومات والمسؤولين من مختلف أنحاء العالم، والتي جاءت متطابقةً مع الموقف السعودي، وداعمةً للحق الفلسطيني.

وتضمّن رسالة طمأنة للشعب الفلسطيني، إذ تتصدى المملكة بكل إمكاناتها ومكانتها الدولية لتلك المخططات، كما أكد البيان على التمسك بالقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية كمرجعية لتسوية الصراع، وشدّد على ثبات الموقف السعودي تجاه الإدارات الأمريكية المختلفة فيما يخص القضية الفلسطينية.

  • رفض عربي للتصريحات الإسرائيلية المنفلتة

وأكد هذا البيان الذي صيغ بعبارات واضحة قاطعة لا تحتمل التأويل، دعم وتبني وإسناد الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني، كما دفع الجانب الإسرائيلي إلى إطلاق تصريحات استفزازية ضد المملكة، لا تروج فقط لمخطط تهجير الفلسطينيين، بل وإقامة دولة فلسطينية خارج الأرض المحتلة.

ولاقت تلك التصريحات رفضًا واستنكارًا عربيًّا، بتأكيد أن أمن واستقرار المملكة العربية السعودية خط أحمر لن يتم السماح بالمساس به، إذ أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا أكدت فيه رفض مصر بشكل كامل التصريحات الإسرائيلية المتهورة والمنفلتة التي تمس بأمن المملكة وسيادتها، وشدّدت فيه على أن أمن السعودية واحترام سيادتها هو خط أحمر، ولن تسمح مصر بالمساس به، مشيرة إلى أن استقرارها وأمنها من صميم أمن واستقرار مصر والدول العربية، ولا تهاون في ذلك.

كما حذّر رئيس البرلمان العربي محمد بن أحمد اليماحي، في بيان، من خطورة التصريحات الإسرائيلية، كونها سوف تؤدي إلى تأجيج الصراعات بالمنطقة، وتهديد الأمن والاستقرار والسلم العالمي، مؤكدًا تضامن البرلمان العربي الكامل مع المملكة العربية السعودية للحفاظ على سيادتها وأمنها واستقرار شعبها.

وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية أيضًا التصريحات الإسرائيلية العنصرية المعادية للسلام، وعدّتها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وميثاقها، وعدوانًا على سيادة وأمن واستقرار المملكة، بل والدول العربية كافة.

وشدّدت الإمارات على أن سيادة السعودية خط أحمر، وأنها لا تسمح لأي دولة بتجاوز ذلك أو التعدي عليه.

كما أكد العراق أن التصريحات الإسرائيلية تجاه السعودية تُشكل انتهاكًا صارخًا لسيادة المملكة، واعتداءً على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مشددًا على أنّ المساس بالسيادة الوطنية لأي دولة أمر مرفوض تمامًا.

من جانبها، ثمّنت المملكة العربية السعودية، في بيان لوزارة الخارجية، ما أعلنته الدول الشقيقة من شجب واستهجان ورفض تام حيال ما صرح به  نتنياهو بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، مشيرة إلى أن هذه المواقف تؤكد مركزية القضية الفلسطينية لدى الدول العربية والإسلامية.

وتضمّن البيان مجموعة من الرسائل تمثلت فيما يلي:

  • تسليط الضوء على جرائم التطهير العرقي بغزة، حيث أكد البيان الرفض القاطع لمثل هذه التصريحات التي تستهدف صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأشقاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عرقي.
  • قصور إدراك العقلية المتطرفة المحتلة، التي لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين، وارتباطه الوجداني والتاريخي والقانوني بهذه الأرض.
  • رسوخ الحق الفلسطيني، بالإشارة إلى أن الفلسطينيين أصحاب حق في أرضهم، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
  • مسؤولية نتنياهو واليمين المتطرف عن رفض السلام، بتأكيد أن أصحاب الأفكار المتطرفة هم الذين منعوا قبول إسرائيل للسلام، من خلال رفض التعايش السلمي، ورفض مبادرات السلام التي تبنتها الدول العربية، وممارسة الظلم بشكل ممنهج تجاه الشعب الفلسطيني لمدة تزيد على (75) عامًا.
  • تحديد المسار الوحيد للسلام، الذي يتمثل بالعودة إلى منطق العقل، والقبول بمبدأ التعايش السلمي من خلال حل الدولتين”.
  • تحركات عربية لإفشال مخطط التهجير

اتخذت الدول العربية سلسلة من التحركات في مواجهة مخطط التهجير الخبيث تستبق زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لواشنطن، يوم الثلاثاء، حيث أكّد وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات في بيان ختامي عقب اجتماع في القاهرة الأسبوع الماضي على رفض المساس بحقوق الفلسطينيين من خلال الأنشطة الاستيطانية، أو الطرد وهدم المنازل، أو ضمّ الأرض، أو من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بأي صورة من الصور أو تحت أي ظروف ومبررات.

كما بعث وزراء خارجية الدول الخمس، بالإضافة إلى مستشار الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ رسالة مشتركة إلى وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، يعارضون فيها خطط تهجير الفلسطينيين من غزة، التي اقترحها ترامب في أواخر الشهر الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، تستضيف مصر قمة عربية طارئة في  27 فبراير الجاري بالقاهرة، وذلك لتناول التطورات المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية.

وكانت البحرين رئيس القمة العربية الـ33 أكدت دعمها لمقترح عقد قمة عربية طارئة، مشددة على أن الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية ثابت وموحد، وأن السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط يعتمد على صيانة حقوق الشعب الفلسطيني، وعدم تهجيره من أراضيه. كما أكدت الجامعة الدول العربية، تماسك الموقف العربي ووقوف الجميع وراء الفلسطينيين ومصر والأردن في مسألة رفض التهجير.

وعلى صعيد تهيئة سبل الحياة في غزة وإعادة الإعمار، شددت مصر على لسان وزير خارجيتها بدر عبد العاطي على امتلاك رؤية واضحة لإعادة إعمار القطاع “دون خروج أي فلسطيني من أرضه”، مشيرًا إلى وجود توافق عربي على ذلك، ومحادثات مع الأمم المتحدة في هذا الإطار.

ومما لا شك فيه أن هذه الخطة ستكون في صدارة مباحثات وزير الخارجية المصري خلال زيارته الحالية لواشنطن، كما أنها تقضي على الذرائع التي استخدمها مسؤولون أمريكيون للتخفيف من وطأة مقترح ترامب، حين تحدث وزير خارجيته روبيو عن أن نقل الفلسطينيين خارج غزة سيكون مؤقتًا لأن القطاع غير صالح للسكن.

وتأسيسًا على ما سبق، يكشف الموقف العربي – وفي القلب منه موقف المملكة العربية السعودية – عن تشكيل كتلة صلبة ستتحطم عليها مخططات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وإحباط أي مساعٍ لتصفية القضية الفلسطينية والمحاولات الخبيثة لتغيير خريطة الشرق الأوسط، والعبث بأمن واستقرار المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى