يسعى كثير من الدول لاستضافة الأحداث الرياضية العالمية الكبرى لما لها من أثر كبير اقتصادي وثقافي على الدولة المضيفة، وتعزيز مكانتها بين بلدان العالم، لذا قد تؤدي تلك الاستضافة لتغييرات في الصورة الذهنية للبلد مما يؤثر على نيات زيارتها كوجهة سياحية، فضلًا عن كون الحدث الرياضي الضخم إحدى الطرق لتقوية العلامة الوطنية.
وقد أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا بتعزيز صورتها الدولية في ظل رؤية المملكة 2030 عبر مزيد من الانفتاح الثقافي والسياحي على العالم، وتنظيم الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية العالمية، فمن أهداف الرؤية التعريف بتراث المملكة الإسلامي والعربي والوطني، بالإضافة إلى تحسين حياة الأفراد والمجتمع عبر برنامج جودة الحياة، والذي يُعنى بتحفيز المشاركة الوطنية في الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث والدراسات الإعلامية في عددها الصادر في مارس 2024، دراسة بعنوان “الفعاليات الرياضية العالمية كقوة ناعمة في صناعة الصورة الذهنية للمملكة العربية السعودية: الفورمولا 1 أنموذجًا”، من إعداد الدكتور عبد الوهاب مستور السلمي، الأستاذ المشارك بكلية الاتصال والإعلام في جامعة الملك عبد العزيز، والباحث وائل طه القحطاني بالكلية ذاتها، حيث تناولت الدراسة استضافة بطولة الفورمولا 1، التي أقيمت في مدينة جدة من 25 إلى 27 مارس 2022، ونستعرضها على النحو التالي:
- عينة الدراسة
تمثلت عينة الدراسة في 162 شخصًا من حضور “الفورمولا 1” عام 2022 في جدة خلال أيام السباق الثلاثة من غير السعوديين والذين لا يقيمون حاليًا بها، وشكّل الذكور 66.7% من العينة مقابل 33.3% من الإناث.
وكانت أعلى نسبة من الفئة العمرية “30 إلى أقل من 40 سنة” بنسبة 33.3%، تلاها كل من فئتي (18 إلى أقل من 30 سنة) و(40 إلى أقل من 50 سنة) بنسبة 26.7% لكل منهما، وأخيرًا نسبة 13.3% من عينة الدراسة في الفئة العمرية (50 إلى أقل من 60 سنة).
وشكّل حملة البكالوريوس والليسانس 53.3% من العينة، مقابل 40% من حملة مؤهل الدراسات العليا، وأخيرًا 6.7% من حملة المؤهل المتوسط وأقل.
كما تنوعت جنسيات المشاركين في الدراسة، وجاءت النسبة الأعلى من الجنسية الألمانية 16.4%، تليها الروسية 14.5% ثم الفرنسية والأمريكية بنسبة 12.1% لكل منهما، والهولندية بنسبة 7.9%، ثم الإسبانية والبلجيكية والهندية بنسبة 4.8% لكل منهم، والسويدية بنسبة 4.2%، يليها الفلبينية واليابانية بنسبة 3.6% لكل منهما، ثم السويسرية والإندونيسية بنسبة 3% لكل منهما، وأخيرًا البريطانية والماليزية بنسبة 2.4% لكل منهما.
وعن دور المشاركين في سباق “الفورمولا 1″، كانت النتيجة أن النسبة الأكبر كانوا من الحضور بنسبة 26.7%، بينما تساوت ثلاث فئات أخرى بنسبة 20% وهي: عضو في اللجنة المنظمة، أحد موظفي الفورميلا، فئة “أخرى”، ثم جاء نسبة 13.3% لمن كان دورهم التغطية الإعلامية.
- نتائج الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة أن إسهام الفعاليات الرياضية في بناء الصورة الذهنية للتطور الحضاري للمملكة العربية السعودية جاء في مستوى مرتفع بمتوسط استجابات بلغ (4.07)، كما تراوح مستوى الاستجابات ما بين (3.67 و4.40) وهي متوسطات تقع في الفئتين الرابعة والخامسة من مقياس الدراسة، والتي تشير إلى (مرتفع/ مرتفع جدا)، وجاء في الصدارة العبارات التالية “هناك الكثير من المطاعم العالمية في مدينة جدة”، “وجدت الهندسة المعمارية للمباني المحيطة بمنطقة السباق حديثة”، “يوجد الكثير من الفنادق الفخمة في مدينة جدة”، “فوجئت برؤية المملكة العربية السعودية بهذا التطور الحضاري”.
كما توصلت الدراسة إلى تغير الصورة الذهنية والسلوكية، وكانت الإجابة الأعلى للجمهور تشير إلى الرغبة في زيارة المملكة مرة ثانية بمتوسط حسابي (4.27) يليها “أخطط لحضور سباقات الفورمولا 1 المستقبلية في المملكة” بمتوسط (4.20). أما الاستجابة الثالثة فتعكس تغير الصورة الذهنية العاطفية التي تشير إلى تغير موقف جمهور “الفورمولا 1” من الشعب السعودي وبمتوسط (4.13).
كما تخلص الدراسة إلى بروز الدور المتوسط إلى القوي، لتأثير الاتصال المباشر بين جمهور “الفورمولا 1” والمملكة العربية السعودية كأحد عناصر القوة في إعادة تشكيل الصورة الذهنية بأبعادها الثلاثة المعرفية، والوجدانية والاجتماعية للمملكة، حيث أثبتت نتائج تحليل الانحدار وجود أثر ذي دلالة إحصائية بين حضور سباق “الفورمولا 1” بجدة في بناء صورة ذهنية جيدة للتصور العام عن المملكة لدى الجمهور الخارجي، وكان للمكون المعرفي الأثر الأكبر في ذلك.
وخلصت الدراسة إلى تحقق الكثير من مكونات القوة الناعمة المؤثرة في تشكيل الصورة الذهنية والسياحة، والتي تتضمن التراث الثقافي والطبيعة المتميزة وجودة الخدمات.
- توصيات الدراسة
قدمت الدراسة مبادرة متكاملة بعنوان مبادرة عالم السيارات السعودي، تنطلق من الحاجة الدائمة لتوظيف علم العلاقات العامة واستراتيجياته في تقديم البرامج الإعلامية التي تجمع بين عدة أهداف مباشرة وغير مباشرة، وفي ضوء الرسالة الوطنية التي يحملها الإعلام السعودي لتعزيز الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة.
وتقوم المبادرة على تصميم برنامج يقدم على منصات التواصل الاجتماعي باسم “عالم السيارات السعودي” لمواكبة التطور في مجال اهتمام وزارة الرياضة برياضة السيارات، ويشمل البرنامج تجارب السيارات، واختبارات التسارع والتحديات الرياضية.
ويستند البرنامج إلى استراتيجية تهدف لتحقيق الأهداف الثقافية والمجتمعية من خلال اختيار المواقع الأثرية والسياحية عند تصوير فقرات البرنامج، واستضافة شخصيات سعودية بارزة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن استضافة الفعاليات الدولية يلعب دورًا في تشكيل الرأي العام العالمي، مما يفرض الحاجة المستمرة لتنظيم فعاليات رياضية مبتكرة ورائدة لتعزيز صورة المملكة، والتطور الذي تشهده على المستويات كافة بما يدعم تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.