أصبحت بصمة مؤثري “تيك توك” ظاهرة على توجيه الآراء والتوجهات الثقافية وسلوكيات الاستهلاك، إذ يتوجه مستخدمو المنصة إليها لغرض التسلية والحصول على معلومات، وكذلك للبحث عن الدعم المعنوي أيضًا، ولذلك اكتسب مؤثرو تيك توك اهتمامًا وتفاعلًا كبيرًا.
وقد حظيت منصة “تيك توك” في المملكة العربية السعودية بمكانة مهمة بين المستخدمين وخاصة لدى الأجيال صغيرة السن، وأخذ صناع المحتوى السعوديون يهاجرون إلى هذه المنصة ويتخذونها منبرًا لمشاركة محتواهم بمختلف أنواعه، مستغلين شعبيتها وجاذبيتها.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العربية للإعلام والاتصال في عددها الصادر في مارس 2024، دراسة بعنوان “محتوى مؤثري تيك توك في المملكة العربية السعودية: دراسة تحليلية” من إعداد الدكتور عيسى المستنير أستاذ الصحافة والنشر الإلكتروني المساعد بكلية العلوم الإنسانية جامعة الملك خالد، نستعرضها على النحو التالي:
- عينة الدراسة
اعتمدت الدراسة على منهج تحليل المحتوى من خلال أسلوب العينة الغرضية القصدية، وتمثلت في 26 مؤثرًا سعوديًا ( 15 رجلا و11 امرأة) من بين الأشهر على منصة تيك توك، مع استهداف 10 منشورات عشوائية لكل مؤثر بمجموع قدر بـ260 منشورًا نشرها المؤثرون محل الدراسة ما بين شهر مارس 2020 إلى شهر مايو 2022.
وكان غالبية المؤثرين محل الدراسة من ذوي الحجم الضخم (Mega Influencers)، إذ إن 23 من أصل 26 مؤثرًا يتمتعون بعدد متابعين أكبر من مليون متابع، ويعكس ذلك الشهرة الكبيرة التي يلقاها تطبيق تيك توك في أوساط المستخدمين في المملكة، كما أن تفاعلات المتابعين من خلال الإعجابات كانت ضخمة، إذ تجاوزت الـ10 ملايين إعجاب في أكثر من 80% من الحسابات، وتجاوز بعضها الـ 80 مليون إعجاب بالنسبة لأربعة حسابات، وهي أرقام هائلة تدل أيضًا على شعبية التطبيق ومحتواه بين المتابعين.
كما أن أكثر من ثلاثة أرباع عينة الدراسة مقيمة في مدينة الرياض عاصمة المملكة وأكبر مدنها، ويدل ذلك على تحول هذه المدينة أكثر فأكثر بمرور الأيام إلى عاصمة ثقافية من الدرجة الأولى، ووجهة مفضلة لمشاهير منصات التواصل الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يقارب نصف المؤثرين محل الدراسة يتخذون من صناعة المحتوى مهنة رئيسية، ويمكن اعتبارهم صانعي محتوى، في حين يمارس الآخرون مهنا أخرى مثل الطبخ والتمثيل وعرض الأزياء والطب والتجارة الإلكترونية، ويستخدمون حساباتهم لصنع محتوى في نفس مجالات خبرتهم، ويمكن القول إنهم مؤثرون ومشاهير وخبراء.
- نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى أن ما يقارب ثلث الحسابات محل الدراسة يختص في المحتوى الكوميدي الترفيهي، فيما يختص ما يقارب 20% في محتوى التجميل والموضة وأسلوب الحياة، ويشمل هذان المجالان نصف حسابات الدراسة، ويمكن أن يعكس ذلك طبيعة المنشورات ذات الشهرة في منصة تيك توك، حيث يميل مستخدموه إلى هذا النوع من المحتوى أكثر من غيره.
وبأخذ العدد الإجمالي للمتابعين كمعيار، فقد جمعت فئة التجميل والموضة وأسلوب الحياة وفئة المحتوى الكوميدي الترفيهي أغلب المتابعين، أما عند أخذ العدد الإجمالي للإعجابات كمعيار، فتتصدر فئة الطبخ وفئة التجميل، والموضة وأسلوب الحياة مجموع الإعجابات، مع تراجع ملحوظ من ناحية الإعجابات لفئة المحتوى الكوميدي الترفيهي رغم ظهوره القوي في عدد الحسابات التي تتخصص فيه في العينة، ويمكن أن يرجع ذلك لجاذبية محتوى الطبخ والتجميل والموضة وأسلوب الحياة.
وأظهرت النتائج أن المحتوى الطبي، وتطوير الذات والمحتوى الديني، وغيرها من المواضيع الأكثر جدية، لم يبلغ ذلك الشهرة الكافية ليظهر بقوة في عينة الدراسة التي استهدفت الحسابات الأكثر شعبية في السعودية، وربما يرجع ذلك أيضًا إلى الشريحة العمرية لمستخدمي تطبيق تيك توك، حيث إن الشائع هو أن التطبيق منتشر الاستخدام بين المراهقين والشباب في مقتبل العمر، وربما لا تميل هذه الفئة إلى متابعة المواضيع الجدية بدرجة كبيرة.
كما توصلت الدراسة إلى عدم وجود فروق ذات دلالة بين مجموعتي الذكور والإناث من المؤثرين من ناحية عدد المتابعين، ومن ناحية عدد الإعجابات.
أما عن إطار محتوى المؤثرين السعوديين على منصة تيك توك، اتضح أنه ترفيهي بالنسبة لأغلبية الحسابات، فحتى الحسابات التي لا تتخصص في المحتوى الكوميدي الترفيهي، تقدم منشورات ترفيهية من حين لآخر، نظرا لأن المنصة مشهورة بالمحتوى الخاص بالتسلية، وربما لا يريد المؤثرون أن يخيبوا أمل متابعيهم في هذا الخصوص.
من جهة أخرى، جاء المحتوى التوعوي تاليًا من ناحية المنشورات الأكثر في عينة الدراسة، ولكن بنسبة لا تتجاوز 17%، وجاء المحتوى التجاري ثالثا، إذ يستغل أغلب المؤثرين منصاتهم للترويج إما لمنتجات وخدمات شركة مختلفة، أو لأعمالهم الشخصية، في خطوة تهدف للكسب المادي من المنصة، والذي يعد أحد أهداف استخدامها بالنسبة لهؤلاء المشاهير، وكان للمحتوى الاجتماعي والديني والعائلي نصيب أقل من المنشورات، وهو ما يعكس لنا إطار محتوى المؤثرين السعوديين على منصة تيك توك، والذي يبدو مرة أخرى أنه لا يتمحور حول المواضيع الأكثر جدية.
وفيما يخص طبيعة محتوى المؤثرين السعوديين الأشهر على منصة تيك توك، فهو محتوى شخصي في أغلبه، إذ تجاوز المنشورات المتعلقة بشخص المؤثر في حد ذاته نصف المنشورات محل التحليل. وربما يرجع ذلك إلى خضوع المؤثرين لرغبات المتابعين في معرفة تفاصيل حياتهم الشخصية، إذ يلقى هذا النوع من المحتوى رواجًا على هذه المنصة، ويستغل المؤثرون ذلك لجذب المزيد من المتابعين من خلال عرض المزيد من التفاصيل الشخصية، وجاءت المنشورات التي تناقش قضايا في المركز الثاني بما يقرب ثلث المنشورات موضع التحليل، ما يدل على أن المنصة لا تقتصر على المحتوى الشخصي، بينما كان حوالي 17% من المنشورات ذا طبيعة تسويقية، وتتقارب هذه النتائج مع تحليل أهداف المحتوى محل الدراسة، إذ إن 64% من المنشورات كانت تهدف إلى الشهرة والظهور، وجاء كل من التوعية والإرشاد والتعليم في المركزين الثاني والثالث من حيث الأهداف، ومن الطبيعي أن يسعى المؤثرون إلى توسيع دائرة شهرتهم وظهورهم، لأن ذلك عنصر ضروري للاستمرار في هذا المجال.
أما عن طبيعة التأثير الممكن للمنشورات محل التحليل، خلصت الدراسة إلى أن ما يقرب من نصف المنشورات له تأثير سلبي على المتابعين في ضوء القيم الاجتماعية للمجتمع السعودي ومنظور الصحة والسلامة الجسدية والنفسية، إذ يميل الكثير من المؤثرين على المنصة إلى نشر محتوى لافت للانتباه حتى ولو كان ذلك على حساب أخلاقيات المجتمع أو قواعد السلامة، وكثيرًا ما يصور المؤثرون أنفسهم أثناء قيادة السيارات بشكل متهور أو يرقصون بشكل مبتذل وبملابس غير لائقة ما يمكن أن يدفع بمتابعيهم من المراهقين إلى تقليدهم، ويعرضهم إلى مخاطر ومشاكل عائلية.
كما رصدت الدراسة الكثير من المنشورات غير الهادفة التي لا تؤثر لا سلبًا ولا إيجابًا عند مشاهدتها، بل تكاد تكون فارغة، حيث قاربت نسبتها ثلث المنشورات موضع التحليل، ومن أمثلتها نشر فيديوهات بدون قصة وبدون هدف معين للظهور فقط، لتقتصر المنشورات الهادفة ذات التأثير الإيجابي المتوقع على 20 % فقط من المنشورات محل التحليل. وتدور معظم هذه المنشورات في إطار توعوي أو تعليمي أو ديني أو في إطار مشاركة محتوى يتوافق مع قيم المجتمع السعودي أو يدفع بالمتابعين إلى تبني سلوكيات من شأنها أن تنفعهم من النواحي الجسدية أو المادية أو المعنوية، ورغم قلة هذه المنشورات، فإن وجودها بهذه النسبة يعني أنه لا يمكن الحكم بأن المحتوى غير النافع فقط يحظى بالمتابعة على منصة تيك توك.
- توصيات الدراسة
أوصت الدراسة المؤثرين السعوديين على منصة تيك توك بإيجاد التوازن بين المحتوى الشخصي والمنشورات التي تحتوي على معلومات وقيمة من أجل ضمان ترك أثر إيجابي لدى متابعيهم، كما ينبغي لهؤلاء المؤثرين توخي الحذر فيما يخص القيم الاجتماعية واعتبارات السلامة عند صناعة المحتوى الذي قد يؤثر في المتابعين سريعي التأثر وخاصة صغار السن منهم، ويمكن للشركات التعاون مع المؤثرين على منصة تيك توك لصناعة محتوى ذي قيمة ومعنى يتوافق مع قيمهم وأهدافهم، فاستخدام هذه المنصة لأغراض التسويق يتطلب من المؤثرين إعطاء الأولوية للجودة والمحتوى الأخلاقي ونشر الثقة والتفاعل الإيجابي مع متابعيهم.
كما اقترحت الدراسة أن تركز الدراسات المستقبلية على الآثار بعيدة المدى لمحتوى منصة تيك توك على سلوكيات المستخدمين في السعودية، إضافة إلى استكشاف دور العوامل الثقافية في التأثير على صناعة المحتوى وتفاعل المتابعين في المملكة، وكذلك تخصيص دراسات تركز على استراتيجيات تشجع المحتوى المفيد على منصة تيك توك لزيادة تفاعل المتابعين.