أدت التحولات المتسارعة في مجال الإعلام والاتصال بفعل التطورات التكنولوجية إلى إحداث تغييرات راديكالية في العملية الاتصالية بما تتضمنه من مرسال ورسالة وقناة اتصال ومستقبل للرسالة، حيث تلاشى الخط الفاصل بين الجمهور وصناعة المحتوى، وبات كل فرد يمتلك حسابًا على منصات التواصل الاجتماعي بإمكانه أن يصبح منتجًا وناشرًا للمادة الإعلامية، فلم يعد متلقيا فقط كما كانت الحال في ظل وسائل الإعلام التقليدية.
ويتمتع جمهور منصات التواصل الاجتماعي أيضًا بخصائص تحاكي خصائص البيئة الرقمية، إذ يتفاعل مع المضامين الإعلامية المنشورة ويشاركها مع الآخرين، وهو ما يثير تساؤلًا حول مدى قابلية استخدام نظرية الاستخدامات والإشباعات عند دراسة جمهور منصات التواصل الاجتماعي.
● جمهور الإعلام الجديد
تشير دراسة نشرتها مجلة الدراسات الإعلامية والاتصالية في ديسمبر الماضي، إلى أن الإعلام الجديد -وفي القلب منه منصات التواصل الاجتماعي- وفر تنوعًا ملفتا للمضامين الإعلامية، وأتاح الكثير من الخيارات لجمهوره، ومكنه بأن يكون مشاركًا في الأحداث، مما أكسبه قدرًا من الوعي خاصة على المستوى السياسي ليعبر عن آرائه بكل حرية، وذلك من خلال التعليق والتعقيب والمناقشة وحتى إنتاج بعض المحتويات الإعلامية ومشاركتها، وبذلك أصبح جمهور الإعلام الجديد مستقبلًا للمضامين الإعلامية، ومنتجًا لها في الوقت نفسه، فهو جمهور نشط يتفاعل مع المضامين الإعلامية، ويود مشاركة هذه المضامين مع الآخرين أيضًا.
وتوضح تلك الدراسة، التي أعدها الدكتور بن معزوز حميدة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في الجزائر، والباحث عرقوب نورة بجامعة الجزائر3، أنه بما أن الإعلام الجديد يتسم بالكونية، ويتجاوز الحدود الجغرافية، فهو يسمح بذلك لكل الناس بالتعرض لمضامينه الإعلامية في جميع أنحاء العالم، وهذا ما يجعل الجمهور واسعًا من حيث العدد، لكنه جمهور مفتت في الوقت نفسه، أي أن الرسالة الاتصالية تكون موجهة إلى فرد واحد أو إلى جماعة بعينها وليس إلى جماهير ضخمة كما كانت في الماضي، وتعني أيضا درجة التحكم في نظام الاتصال بحيث تصل الرسالة مباشرة من المرسل إلى المتلقي. في هذا السياق يمكن القول بأن الإعلام الجديد قد تكيف مع رغبات واحتياجات جمهور غير متجانس بغية استقطابه، حيث بيئة خاصة بكل فرد على حدة وفقا لاحتياجاته ورغباته، وذلك بتقديم محتوى مشخصن.
ويتميز جمهور الإعلام الجديد بأنه جمهور شاب في غالب الأحيان، فهذه الفئة تتقن استخدام الإنترنت، وتقبل على كل ما هو رقمي، كما أن هذا الجمهور قلق وغير صبور، يحاول أن يجد المعلومة النوعية التي تهمه في المقام الأول، لذلك فإن التعرف على خصائص جمهور الوسيلة الإعلامية يسهم بشكل كبير في فهم سلوك هذا الجمهور، وبالتالي معرفة نوع المضامين الإعلامية التي يود التعرض إليها لتلبي احتياجاته ورغباته وميوله، ولقد استمد جمهور الويب خصائصه من خصائص البيئة الرقمية الجديدة، فهو جمهور يتفاعل مع المواد الإعلامية، ويشاركها مع الآخرين، وينتجها في بعض الأحيان، كما أنه يحبذ المحتويات المشخصنة، ويبحث عن المعلومة النوعية بأقل جهد وبأسرع وقت ممكن.
● انقسام أكاديمي حول نظرية الاستخدامات والإشباعات
تشير الدراسة ذاتها إلى ثمة اتجاهين بحثيين بشأن مدى ملاءمة نظرية الاستخدامات والإشباعات لفهم البيئة الاتصالية الجديدة، الأول يرى أن هذه النظرية تسهم في فهم ومعالجة الإشكاليات المعاصرة التي يطرحها الإعلام الجديد، حيث إن شكل التفاعلية على مستوى شبكة الإنترت يتمتع بمستوى أكثر قوة وارتفاعًا من مستوى وسائل الإعلام التقليدية، وكون الفرد قصد في تعرضه وتصفحه لمواقع معينة إشباع حاجاته، فهي تعد مناسبة للدراسات الحالية حول شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد عامة.
أما الاتجاه الثاني فيرى أنصاره أن توظيف النظريات التقليدية في دراسة الويب لا يلائم بيئة الإعلام الجديد، ولا بد من تطويره، أو استحداث نظريات جديدة، ويعدون أن نظرية الاستخدامات والإشباعات تبدو عاجزة عن الإلمام بالظاهرة الإعلامية والاتصالية المعقدة في بيئة الإنترنت والغوص في عمقها.
● استخدامات وإشباعات مواقع التواصل الاجتماعي
وبحسب دراسة نشرتها المجلة المصرية للدراسات المتخصصة للدكتورة حنان يوسف أستاذ الإعلام وعميد کلية اللغة والإعلام الأکاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، تم استخدام منهج الاستخدامات والإشباعات بشكل أكثر تكرارًا في السنوات الأخيرة لدراسة الاحتياجات التي ترضي استخدام التطبيقات عبر الإنترنت، مثل شبكات التواصل الاجتماعي، وأصبحت أسماء مواقع التواصل الاجتماعي تتصدر الأبحاث العربية والأجنبية.
وقد كشفت إحدى الدراسات أن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي يلجؤون للفيسبوك تحت وقع دوافع تتعلق بالضغوط الخارجية وأخرى داخلية: فالضغوط الخارجية مرتبطة بالجانب “التشجيعي” الذي تتيحه الوسيلة لدفع المستخدم إلى الاستعمال المتكرر والمستمر لها، وهي تشمل الخدمات التي يوفرها موقع الفيسبوك على الشبكة من الحصول على معلومات متجددة من خلال الاشتراكات على صفحات معينة ومتابعة أشخاص أو مجموعات تم الانضمام إليها من خلال التذكير بتواريخ أحداث معينة كأعياد الميلاد، ونشاط ثقافي، أما الضغوطات الداخلية فهي مرتبطة بالجانب الذاتي والنفسي للفرد من أجل تحقيق الذات واندماجه الاجتماعي وغير ذلك.
وقارنت دراسة أخرى ما بين الإشباعات المتوقعة والمتحققة لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وتمثلت الإشباعات المتوقعة في الاتصالات، والصداقة، وإنشاء الهوية الشخصية وإدارتها، والتسلية، والهروب والتخفيف من الملل، والبحث عن المعلومات، والتفاعل مع الجنس الآخر، بينما كانت الإشباعات المتحققة تتمثل في التحقق من الصور والأفكار المثالية، والتعرف على الأقران، وصون العلاقة الإنسانية، وتجنب الحرج والرفض، والانخراط في السياسة.
وختامًا، يمكن القول بأن نظرية الاستخدامات والإشباعات ملائمة لدراسة جمهور منصات التواصل الاجتماعي، في ضوء أن جمهور المستخدمين في هذه البيئة الرقمية أكثر نشاطًا وتفاعلًا لما تتيحه المنصات من أدوات وخيارات للتفاعل.