تقارير

نيران الخلافات تحاصر قمة العشرين في الهند

 

تستضيف الهند أعمال قمة مجموعة العشرين في الفترة من 9 إلى 10 سبتمبر الجاري، والتي تحظى بأهمية كبيرة بسبب التوترات في المشهد العالمي الراهن وحالة الاصطفاف والخلافات الحادة داخل المجموعة بين الدول الأعضاء، بجانب طبيعة القضايا المعقدة المطروحة على طاولة القمة بدءً من الاستقرار الاقتصادي والتجارة وصولًا إلى تغير المناخ.

وبينما يغيب عن القمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، فإن باقي قادة الدول الأعضاء بالمجموعة وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن يستعدون للمشاركة النشطة في تلك الفاعلية الهامة على الساحة العالمية نظرا لأهمية المجموعة كمنتدى للتعاون الاقتصادي والمالي بين دول وجهات ومنظمات دولية تلعب دورًا محوريًا في الاقتصاد والتجارة في العالم.

وتضم المجموعة، الاتحاد الأوروبي و19 دولة هي المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا وإيطاليا، وكذلك الهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وكندا، والمكسيك، وأستراليا، والبرازيل، والأرجنتين، وتركيا، وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى إسبانيا كضيف دائم.

  • جدول أعمال متعدد الأطراف

تمثل القمة الـ 18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين في نيودلهي التى ستعقد تحت شعار “أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد” تتويجًا لاجتماعات مكثفة ركزت على صياغة أجندة متعددة المحاور لمجموعة من القضايا العالمية الحاسمة، تشمل إصلاح المؤسسات المالية العالمية، ومعالجة تمويل إجراءات مواجهة تغير المناخ، وتحديات الديون بالنسبة للاقتصادات النامية، وتعزيز التنمية الشاملة، بجانب عرض مبادرة الهند “أسلوب الحياة من أجل البيئة”.

وتتضمن القمة أيضًا مناقشات جماعية تغطي مجالات اقتصادية عالمية متنوعة مثل الرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم وتحولات الطاقة والاقتصاد الرقمي والسياحة، بحسب موقع “Eurasia review” المتخصص في تحليلات الشؤون الدولية.

وتهدف مشاركة الهند النشطة في مجموعة العشرين إلى تسهيل تبادل المعرفة والتعاون في مجالات مثل الطاقة المتجددة والحوكمة الإلكترونية والابتكار التكنولوجي الرقمي.

جدير بالذكر أنه بالإضافة إلى الدول الأعضاء في المجموعة، والتي تتمتع بشكل جماعي بنفوذ كبير حيث تشكل 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و75% من التجارة الدولية، ويمثل مجموع سكان هذه الدول ثلثي سكان الكرة الأرضية، سترحب القمة أيضا بـ9 دول أخرى مدعوة، ومشاركين من مختلف المنظمات الدولية.

  • غياب بوتين وشي عن القمة

على الرغم من إعلان الكرملين غياب الرئيس بوتين عن القمة نظرًا لازدحام جدول أعماله، وإعراب الهند عن تفهمها للقرار وتوجيهها الشكر لبوتين على دعمه مبادراتها خلال رئاستها لمجموعة العشرين، يرى مراقبون أن قرار الرئيس الروسي مرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية، التي من المرجح أن تكون موضوعًا رئيسيًا للمناقشة في القمة بحضور قادة العالم مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، علمًا بأن الهند كانت قد أعلنت أنها لم تدع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى القمة.

كما تخطط الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أيضًا لمعالجة مختلف القضايا المتعلقة بروسيا، بما في ذلك ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وعدم الاستقرار العالمي.

وفي ذات الوقت، يُمثل غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن القمة سابقة أولى من نوعها منذ توليه الحكم في الصين، مما يوحي بوجود توترات قوية بين بكين ونيودلهي.

وكانت الهند قد نقلت احتجاجها إلى الصين الأسبوع الماضي، بعد أن نشرت بكين خريطة تطالب بأراض تقول نيودلهي إنها تابعة لها، بينها منطقة قريبة من موقع حدودي دارت فيه مواجهات بين الدولتين في عام 2020. وبعد ذلك بأيام أفادت وزارة الخارجية الصينية بأن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ سيحضر قمة مجموعة العشرين.

وعلى وقع تلك الغيابات رفيعة المستوى، أدلى وزير الخارجية الهندي بتصريح اعتبر فيه أن غياب الرئيسين الصيني والروسي “مسألة عادية” ولا علاقة له بنيودلهي، كاشفا عن أن بلاده مازالت تتفاوض بشأن البيان الختامي. وفي مؤشر واضح على الصعوبات التى تواجه الهند لتأمين التوافق على صيغة للبيان، يأتي تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مطلع الشهر الحالي الذي أعلن فيه أن بلاده سترفض أي إعلان قد تصدره مجموعة العشرين إن لم يعكس موقف روسيا. وبحسب تقارير إعلامية لايزال المسؤولون يتجادلون حول إشارة نص البيان الختامي إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وكان اجتماع لوزراء الخارجية والمالية لمجموعة العشرين بنيودلهي في مارس الماضي قد اخفق في الاتفاق على لغة لوصف تلك الحرب.

  • انضمام الاتحاد الأفريقي كعضو دائم

وبعيدًا عن الخلافات داخل المجموعة، فإن القمة تشهد توسيع عضويتها، ولعل هذه سمة راهنة في كافة التكتلات الاقتصادية وأخرها ما حدث قبل نحو أسبوعين من توسيع لمجموعة “بريكس”.

فبمجرد انطلاق أعمال القمة، حجز الاتحاد الإفريقي مقعده رسميًا كـ “عضو دائم” في المجموعة، بدعوة من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرئيس الحالي للقمة، ومنذ أشهر كان يُنظر إلى مقترح مودي منح الاتحاد الأفريقي مقعدًا دائمًا في المجموعة على أنه خطوة مهمة، يدعمها قادة عالميون مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن والدول الأوروبية والصين والهند وروسيا، كونها تسلط الضوء على الدور المتنامي لأفريقيا في النظام الاقتصادي العالمي.

كما تُذكر بالحاجة إلى إصلاحات في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين لاستيعاب التمثيل الأفريقي ومعالجة التحديات العالمية بشكل أكثر فعالية. وفي حال اتخاذ قرار بمنح العضوية للاتحاد الأفريقي سيمثل ذلك ترجمة عملية للنوايا الدبلوماسية تجاه القارة السمراء إلى إجراءات ملموسة، يترتب عليها آثار محتملة في مجالات السياسة والاقتصاد والعلاقات الثقافية أيضًا.

وستكون معالجة عدم المساواة في النظام العالمي الحالي الذي يفيد الشمال الصناعي في المقام الأول، أحد القضايا الرئيسية للتعاون المحتمل بين مجموعة العشرين والاتحاد الأفريقي، مما يستوجب اتباع نهج عملي للنظر في التغيرات الجيوسياسية التي لا رجعة فيها، وخاصة في المنظمات المالية والاقتصادية الدولية، من أجل إنشاء نظام عالمي أكثر إنصافًا.

وختامًا، يمكن القول بأن مجموعة العشرين تشهد حاليًا صراع أجندات في انعكاس لعدم الانسجام الشديد بين أعضائها، وهي سمة رئيسية باتت ملحوظة في المؤسسات والمتنديات التي تضم تمثيلًا متعدد الأطراف بفعل تنامي حدة الاستقطاب العالمي، الأمر الذي يعيق إمكانية تحقيق اختراقًا على صعيد الأزمات الدولية، فلا ينتظر في نيودلهي أكثر من صورة تذكارية للقادة ورؤساء الوفود تعكس حالة فتور دبلوماسي، وكلمات رسمية خلال القمة تتراوح في حدتها من الانتقاد إلى التراشق.

زر الذهاب إلى الأعلى