دراسات

سيميائية كاريكاتير حماية النزاهة ومكافحة الفساد في مواقع الصحف السعودية

تستحوذ قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد على اهتمام ومتابعة وسائل الإعلام السعودية؛ نظرا للدور الأخلاقي والمسؤولية الاجتماعية التي تضطلع بها في العمل على تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة لدى الجمهور، وكذلك محاربة ظاهرة الفساد المالي والإداري بكشف المفسدين وأشكال الفساد وآلياته.

ويعد فن الكاريكاتير من العناصر الجرافيكية الحيوية القادرة على جذب الانتباه والتأثير في الجمهور، لقدرته على اختزال المحتوى الإعلامي في استعارات ورموز وإشارات بسيطة لها القدرة على إيصال الفكرة بكل سهولة ويُسر مما ينتج عنها تشكيل موقف لدى الجمهور.     

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة المصرية لبحوث الرأي العام في عددها الصادر في يناير 2023، دراسة بعنوان “سيميائية كاريكاتير حماية النزاهة ومكافحة الفساد في المواقع الإلكترونية للصحف السعودية اليومية: دراسة سيميولوجية على عينة من الرسوم الكاريكاتيرية” من إعداد الدكتور عدنان نوري الحربي، الأستاذ المشارك في قسم الإعلام بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى، والتي سعت إلى الكشف عن التوظيف الدلالي لمعالجة الرسوم الكاريكاتيرية لقضايا حماية النزاهة ومكافحة الفساد في المواقع الإلكترونية لصحف الرياض والمدينة ومكة، انطلاقًا من كونها أكثر المواقع استخداما لفن الكاريكاتير وبانتظام، وتمتلك أرشيفًا متكاملاً لكل الكاريكاتيرات التي تم نشرها خلال فترة الدراسة وهي في عامي 2021/2022. ونستعرضها على النحو التالي:

  • نتائج الدراسة المتعلقة بمضمون الكاريكاتير

وجدت الدراسة أن الرسوم الكاريكاتيرية في المواقع الإلكترونية للصحف السعودية عينة الدراسة عبرت عن قضايا حماية النزاهة ومكافحة الفساد، غالبًا، بأسلوب جاد وتهكمي، أكثر منها للسخرية والتسلية.

كما تبين اهتمام المواقع الإلكترونية للصحف السعودية اليومية عينة الدراسة بمعالجة قضايا النزاهة ومكافحة الفساد خلال فترة الدراسة، وذلك اتضح من خلال معالجتها لعدة جوانب لموضوع الدراسة، حيث ركزت العينة على جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في القبض على الفاسدين واجتثاث الفساد من المجتمع، وغلب على معالجتها التركيز على استغلال هيئة الرقابة للصلاحيات المخولة لها وارتباطها المباشر بالملك، حفظه الله، حيث تبين دعم الصحف السعودية عينة الدراسة لهذا الاتجاه، كما استخدمت الشخصيات الرمزية في كل معالجتها بشكل واضح دون انتقاد شخصية حقيقية، وإنما اكتفت بالإشارة إلى طبيعة ومكانة الشخصيات التي تم القبض عليها وحجم الجرم لتسليط الضوء على جهود الهيئة في مكافحة الفساد.

واكتفت المواقع الإلكترونية للصحف عينة الدراسة بالتركيز على بعض صور الفساد التي تعاملت معها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد خلال فترة الدراسة والتي تمثلت في عدة صور أهمها، غياب العدالة في ترقيات الموظفين، والتعطيل المتعمد لمعاملات المراجعين، والتستر على العمالة غير النظامية، والتلاعب في معايير المفاضلة الوظيفية للمتقدمين على الوظائف، والرشوة، والثراء السريع أو الاختلاس.

وفيما يتعلق بدوافع ممارسة الفساد، فقد أشارت الدراسة إلى عدة أسباب منها العلاقة الشخصية، واستغلال النفوذ الوظيفي، والجشع وحب الثراء السريع، وغياب المسؤولية واللامبالاة بمصالح المواطنين.

كما ركزت الرسوم الكاريكاتيرية على آثار الفساد على الوطن والمواطنين والتي تمثلت في عدة صور من أهمها، إعاقة المشاريع التنموية وتأخير تنفيذها، وسوء تنفيذ المشاريع، وتعطيل مصالح المواطنين، وهدر اقتصاد الوطن، وانتشار العمالة المخالفة، وتدني الأنشطة الخدمية والإنتاجية.

وقد عالجت المواقع الإلكترونية للصحف السعودية عينة الدراسة موضوع صور المفسدين الذين تم القبض عليهم، حيث تمثلت في فئات مختلفة من المناصب والمستويات الوظيفية في الجهات الحكومية أو الخاصة، كما عبّر رسامو الكاريكاتير عن جنسية الفاسدين بالملابس التي يرتدونها، فركزوا على الثياب البيضاء والعمامة والعقال للسعوديين، بينما ركزوا على الملابس الملونة على غير السعوديين من العمالة المخالفة.

وقد اقتصر اهتمام المواقع الإلكترونية عينة الدراسة على استخدام الرسائل الألسنية فقط في توضيح أو تعزيز الرسائل الأيقونية للرسوم الكاريكاتيرية.

  • نتائج الدراسة المتعلقة بشكل الكاريكاتير

وظّف رسامو الكاريكاتير في المواقع الإلكترونية للصحف السعودية عينة الدراسة إمكانات الرسوم الكاريكاتيرية بشكل جيد، وهذا يتضح من الجوانب التي تم تناولها في قضايا النزاهة ومكافحة الفساد وتقديمها للقارئ بشكل بصري، حيث غلب على الرسوم الكاريكاتيرية توظيف الرسائل الأيقونية للتعبير عن النزاهة ومكافحة الفساد لما يتمتع به الكاريكاتير من تقديم الكثير من الرموز والدلالات السيميائية التي تتميز بسهولة الفهم وإيجاز المعنى، بهدف التأثير على القراء.

ويلاحظ على رسامي الكاريكاتير في المواقع الإلكترونية للصحف السعودية توظيف رسم اليد في أعلى الرسوم الكاريكاتيرية بصورتين مختلفتين سلبية وإيجابية، وذلك حسب الهدف من استخدامها، فتم توظيفها إيجابيًا عند معالجة جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في إيقاف الفاسدين، وتمثلت في يد تمتد من الأعلى لتنتشل الفاسد كدلالة على القوة والصلاحيات المخولة لها وارتباطها المباشر بالملك، حفظه الله، مما يمكنها من إيقاف أي شيء كان حسب نظامها، بينما يلاحظ في الجانب الآخر توظيفها في الجانب السلبي حيث تشير اليد فقط إلى صلاحيات المسؤول في محيط الجهة التي يتبع لها ويمارس بعض صور الفساد بوصفهم القوى المهيمنة في الجهة التي يرأسها.

كما وظّف رسامو الكاريكاتير الأشكال والخطوط لتقريب المعاني المقصودة من نشر الكاريكاتير، فقد تم استخدام الشكل المستطيل في غالبية الرسوم خلال فترة الدراسة، حيث يعد من أكثر الأشكال الهندسية استخدامًا في الإخراج الصحفي، خاصة في الصور والرسوم الكاريكاتيرية والإنفوجرافيك والجداول لما يتميز به من إيصال الرسالة الاتصالية بسهولة ووضوح وبشكل أكثر جاذبية.

وعبّر رسامو الكاريكاتير عن جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في اجتثاثها للفساد بعدة صور، ففي صحيفة “المدينة” تمثلت في القمر الصناعي وهو يراقب موظفا، وفي صحيفة “الرياض” بيد كبيرة تقبض على فاسد، أما صحيفة “مكة” فكانت بشخص ينقض خيوط الفساد، وفيها دلالات تضمينية عن قوة المتابعة والصلاحيات وتطهير المجتمع، حيث وظّفت المواقع الإلكترونية عينة الدراسة الرسائل الأيقونية السهلة ذات الدلالات المرتبطة بخبرة القارئ السعودي كالقمر الصناعي ونقض الخيوط المنسوجة وغيرها من الرسائل الأيقونية، وهذا يحسب لرسامي الكاريكاتير السعوديين.

وبالنسبة لصور الفساد، عبّر رسامو الكاريكاتير عنها بعدة رسائل أيقونية، ففي صحيفة “المدينة” يد كبيرة تحمل موظفا يحمل ترقية، وفي صحيفة “الرياض” رجل ضخم يظهر من تحت ثوب عمالة، وفي صحيفة “مكة” شخص يمزق معايير المفاضلة، وفيها دلالات ضمنية عن استغلال النفوذ لترقية موظف اعتمادًا على العلاقات وليس الكفاءة والتستر على العمالة المخالفة، أما الثالثة فكانت من خلال التلاعب بمعايير التوظيف.

كما عبّر رسامو الكاريكاتير عن آثار الفساد، بعدة صور، ففي صحيفة “مكة” شخص بلباس رسمي يعرقل شابا معه حقيبة كُتب عليها التنمية، وفي صحيفة “المدينة” عمالة مخالفة تنقض خيوط شماغ، وفي صحيفة “الرياض” طريق مزدحم بسبب مشروع والمعدات نسج عليها بيت العنكبوت، وفيها دلالات تضمينية عن دور الفساد في تأخير أو تعطيل الخطط التنموية في الوطن، وخطورة العمالة المخالفة على الاقتصاد الوطني، وتعطيل تنفيذ المشاريع يعرقل مصالح المواطنين.

وقد وظّف رسامو الكاريكاتير بعض الرسائل الأيقونية للتعبير عن أهدافهم من رسائلهم الاتصالية ومن أمثلة ذلك تضخيم الأفراد للدلالة على المنصب أو حجم الفساد، كما تم توظيف اليد في مجالين، الأول صلاحيات هيئة الرقابة والثانية لاستغلال السلطة، كما تم توظيف لغة الجسد للتعبير عن الخوف والهلع والتوتر بالنسبة للفاسدين الذين تم إيقافهم، واللامبالاة للفاسدين الذين يمارسون الفساد ولم يقبض عليهم والغضب والانزعاج بالنسبة للمواطنين الذين تعطلت مصالحهم، وغيرها من الرسائل.

وكان للون توظيف لدى رسامي الكاريكاتير، فقد تم توظيف الألوان حسب طبيعتها وما تعبر عنه أو حسب استخدامها في المجتمع، ومن أمثلة ذلك اللون الأحمر بدلالته التحذيرية والذي تم استخدامه في اللوحات التحذيرية، واستخدام اللون الأسود على العباءة للتدليل على الزي الرسمي في المملكة، أما العباءة باللون الأخضر فدلالة على السلطة والنفوذ.

  • أبرز توصيات الدراسة

قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات في مقدمتها التأهيل الجيد لرسامي الكاريكاتير في المواقع الإلكترونية في الصحف السعودية خاصة في ظل التطورات التقنية في صناعة الإعلام.

ودعت أيضًا إلى تشجيع الإبداع والابتكار في مجال الرسوم الكاريكاتيرية عبر ورش عمل أو دورات لمنع التكرار أو التشابه والرتابة في تصميم الرسوم.

كما أوصت بالاهتمام بأتمتة المواد الصحفية بطريقة تسهل التعامل معها من قبل الباحثين أو القراء، حيث لوحظ التكرار والتشابه في عدد من الرسوم أو إشكاليات في نقل وطباعة الكاريكاتير وصعوبة الحصول على المادة العلمية بطريقة سهلة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تلك الدراسة أظهرت أهمية استغلال فن الكاريكاتير في توصيل الرسائل الإعلامية المتعلقة بالتفاعل مع القضايا المجتمعية والشأن العام، لا سيما مع قدرة هذا الفن التصويري على مخاطبة كافة فئات وشرائح المجتمع، وبالتالي فهو قناة فاعلة للتأثير ونشر الوعي.

زر الذهاب إلى الأعلى