يعد الاتصال الحكومي من المهام الرئيسية التي تحرص جميع الحكومات في مختلف الأنظمة السياسية على القيام بها، من أجل التواصل مع المواطنين وإدارة نقاشات معهم في مختلف القضايا بما يسمح باتخاذ قرارات تساعد على تلبية احتياجاتهم والوفاء بتطلعاتهم. وقد ساهمت التطورات الهائلة في مجال التكنولوجيا الرقمية كثيرًا في تسهيل القيام بتلك المهمة، فأصبحت غالبية مسارات العمل الحكومي موجهة نحو الرقمنة، حيث تسعى الحكومات إلى تقديم أغلب خدماتها من خلال منصات رقمية.
- الرسائل الإعلامية الحكومية
وباتت المؤسسات الحكومية تستمد نجاحها من قدرتها على توظيف الأدوات والنظم الرقمية في صناعة المحتوى والتواصل والتقييم وإدارة العملية الاتصالية بكاملها في إطار منظومة إلكترونية للخدمات. ولذلك تحرص هذه المؤسسات على وجود نظام إداري يضمن توحيد الجهود وأساليب العمل، مما يترتب عليه خلق صورة للحكومة واضحة المعالم والأهداف لدى المواطنين، حيث الالتزام بتقديم الخدمات المتنوعة بجودة عالية والسعي نحو الابتكار في توصيل رسائلها الإعلامية بما يحقق الرضا العام، لذا يوجد حرص على فتح قنوات اتصال حكومي متنوعة مع الجمهور للتعرف على اهتماماتهم وتوقعاتهم وتقييماتهم، مع مراعاة تنوع ثقافتهم وتفاوت مستوياتهم المعرفية والفكرية والاقتصادية.
وعلى هذا النحو، تعمل المؤسسات الحكومية على توجيه رسائل إعلامية تراعي مقاييس الإبداع والابتكار في تكوينها لتحقيق اتصال مؤثر مع الجمهور يحقق الهدف من تلك الرسائل.
وتجدر بنا الإشارة هنا، إلى تعدد مجالات ممارسة الاتصال الحكومي، حيث تشمل الاتصال السياسي، والاتصال في مجالات التنمية، والاتصال أثناء الأزمات، وأنماطا أخرى من الاتصال لتحقيق أهداف مثل دعم الهوية الوطنية والشفافية.
كما تتنوع أدوات الاتصال الحكومي ما بين الاتصال الكتابي والشفوي والتكنولوجي والرصد الإعلامي، والتجاوب مع وسائل الإعلام، ورسائل الجهات الحكومية، والبرنامج الإعلامي، والتواصل الإعلامي في حالات الأزمات، والنشر والعلاقات العامة والمتحدثين الرسميين.
- التجربة السعودية في الاتصال الحكومي
وفي هذا الإطار، تقدم المملكة العربية السعودية نموذجا يحتذى به في الاتصال الحكومي والذي ارتبط بشكل وثيق بجهود التحول الرقمي الذي قدم أسسا جوهرية لتعريف وإعادة تحديد جوهر واجبات الحكومة، وتقوم تجربة الاتصال الحكومي السعودي على محورين، وهما التحول الرقمي وتنشيط قنوات التواصل مع الجمهور.
وتماشيًا مع رؤية المملكة 2030، شكل التحول الرقمي للحكومة السعودية استراتيجية متكاملة وحاسمة وعملية تهدف إلى تمكين وتسريع التحول الحكومي بكفاءة وفاعلية. وقد تم تبني هذا التحول من خلال كثير من برامج ومشاريع الحكومة الإلكترونية، مع تمكين ودعم المؤسسات والهيئات الحكومية المختلفة، إذ هدف بشكل أساسي إلى توفير جميع الخدمات الحكومية رقميًا، وإتاحة الوصول إليها بسهولة.
وانطلاقًا من حقيقة أن المجتمع السعودي من المجتمعات الأكثر نشاطًا على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تحرص الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية على التواصل مع المواطنين عبر تلك المنصات، مواكبة للتحول الرقمي الذي تتبناه الحكومة السعودية.
- البرنامج الإعلامي الموحد
ويمكن القول إن عام 2018، شكل نقطة تحول مهمة في مسيرة الاتصال الحكومي بالمملكة مع إنشاء مركز التواصل الحكومي، الذي يعمل على التنسيق الإعلامي بين الأجهزة الحكومية في المملكة، من خلال عمله على ابتكار وتطوير الخطط الإعلامية للحملات والمناسبات الوطنية، حيث تبدأ عملية التنسيق منذ لحظة اعتماد الرسائل الاتصالية المستهدفة، قبل الشروع في تصميم الهوية البصرية المناسبة للحدث وإطلاقها، وتزويد جميع الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام بالهوية الإعلامية الموحدة والخطة الإعلامية؛ وذلك بهدف تنسيق الظهور العام الموحد.
ولا يتوقف دور المركز عند التخطيط والتنسيق، بل يعمل بشكل يومي على إنتاج إعلامي مواكب لجهود الأجهزة الحكومية، وتقديم المنتجات بقالب إنساني يمس مشاعر الناس ويحقق الأهداف المرجوة.
وفي إطار تلك الجهود أيضًا جاء إطلاق البرنامج الإعلامي الموحد الذي يعد أداة اتصال تجمع بين كافة الإدارات الإعلامية في الأجهزة الحكومية، تساعد على تبادل الخبرات، وضمان صناعة المحتويات الإعلامية وفق استراتيجية المركز.
ويهدف البرنامج إلى رفع مستوى كفاءة الأداء الإعلامي في الأجهزة الحكومية، وتوحيد رسائلها الإعلامية، وتعظيم جهودها المختلفة عبر خدمات متعددة يقدمها البرنامج، وذلك بتنسيق فعال للعمل الإعلامي المشترك، باعتباره حلقة وصل تربط أكثر من 180 جهازًا حكوميًّا.
ويصدر البرنامج تقريرا نصف سنوي، يتضمن توثيقا أسبوعيًا لجهود الأجهزة الحكومية في توحيد رسالتها الإعلامية وتحسين جودة منتجاتها، وتعزيز المشاركة والتفاعل فيما بينها.
وختامًا، يمكن القول بأن الاتصال الحكومي يعد بوتقة ينصهر فيها عدد من التخصصات مثل العلاقات العامة والدولية، والإعلام والعلاقات المؤسسية، وإدارات التواصل بشكل يكفل استفادة المجتمع من منظومة الاتصال الحكومي.
وقد جاءت التجربة السعودية مرتبطة بجهود الأجهزة الحكومية لتحقيق رؤية المملكة 2030، إذ بدأت تلك الأجهزة في تطوير إدارات التواصل المؤسسي لديها، بما يتوافق مع التغيرات المتسارعة مما أسهم بشكل واضح في تطور العمل الإعلامي الحكومي، وكانت النقلة النوعية الكبرى مع تدشين مركز التواصل الحكومي، وإطلاق البرنامج الإعلامي الموحد الذي يجسد النهج المؤسسي الذي تتبعه المملكة في عمليات التحديث.