دراسات

التنمر الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي

تتيح شبكة الإنترنت للأشخاص حرية الاستخدام، وتوفر لهم أشكالاً جديدة من التفاعل، كما هي  الحال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما تقدمه من مميزات، مثل مشاركة الصور والفيديوهات والمراسلات، والبحث عن الأصدقاء، وعرض المعلومات، فضلًا عن إمكانية إخفاء هوية المستخدم.

وتؤثر مواقع التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد بشكل عام والشباب بشكل خاص في العديد من المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية؛ كونها تُمثل البيئة الحديثة للتواصل وتكوين العلاقات الاجتماعية، لكنها أفرزت بعض المضامين غير المرغوبة والتي أنتجت العديد من الآثار السلبية، من أبرزها ظاهرة التنمر الإلكتروني.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “أقلام” في عددها الصادر في يناير 2023، دراسة بعنوان “التنمر الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي”، للباحثة أثيل حسين ناصر القحطاني بكلية العلوم الإنسانية بجامعة الملك خالد، تناولت ظاهرة التنمر الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تقديم تعريفات ومفاهيم مُفسِّرة للظاهرة، والبحث في أنماطها، والنظريات المُفسِّرة لها.

  • مفهوم التنمر الإلكتروني

يُقصد بالتنمر الإلكتروني مجموعة من السلوكيات العدوانية التي يتم تفعيلها عبر الوسائط الإلكترونية، حيث يعرّفه الباحث رينولدس على أنه أي سلوك يتم من خلال الوسائل الإلكترونية أو الرقمية بصورة متكررة بهدف إلحاق الأذى بالآخرين، مثل رسائل تحتوي على تهديد، أو تشويه صورة الآخرين، وذلك للتحكم في شخص آخر، أو إحكام السيطرة عليه.

أما بيرين ولي فيعرفانه بأنه شكل حديث من العنف في العلاقات يعتمد على استخدام التكنولوجيا الرقمية –وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة مشتركة- ويتضمن ممارسات، مثل التنابز بالألقاب، والتهديدات، ونشر الشائعات، ومشاركة المعلومات الخاصة بشخص ما والعزل الاجتماعي.

كما يرون أيضًا أنه شكل من أشكال العدوان الذي يعتمد على استخدام وسائل الاتصال الحديثة وتطبيقات الإنترنت في نشر منشورات أو تعليقات تُسبب الضرر للضحية، أو الترويج لأخبار كاذبة، أو إرسال الرسائل الإلكترونية لإلحاق الضرر المعنوي أو المادي للضحية.

وعلى هذا يمكن القول بأن التنمر الإلكتروني هو سلوك عدواني يُنفذه فرد أو مجموعة أفراد باستخدام أشكال الاتصال الإلكترونية، وهو أكثر شيوعًا في مرحلة الطفولة والمراهقة، وتكون له آثار سلبية على الصحة، مثل مشكلات القلق اللاحقة، وإيذاء النفس، والسلوك المُعادي للمجتمع.

وتتعدد أمثلة سلوكيات التنمر على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها:

  • إرسال رسائل بهدف إلحاق الضرر النفسي بالآخرين قد تحتوي على صور أو رسائل جنسية أو عنصرية.
  • مناقشة موضوعات على المنصات الاجتماعية تُسبب الضرر النفسي للآخرين.
  • انتحال شخصية شخص آخر، وإرسال رسائل أو فيديوهات أو غيرها تسيء لهذا الشخص أو للآخرين.
  • نشر الشائعات عن شخص ما.
  • مشاركة المعلومات والمحتويات الخاصة بشخص آخر.
  • العزل الاجتماعي لشخص معين.
  • الإحراج والتجريح للشخص.

وغيرها من السلوكيات التي تحدث بصورة متعمدة ومتكررة بهدف إلحاق الأذى المعنوي أو المادي للآخرين.

  • أنماط التنمر الإلكتروني

توجد أنماط متعددة من التنمر الإلكتروني ومنها:

  • الكتابي: الذي يستخدم سلوك التنمر اللفظي أو المكتوب، مثل المكالمات الهاتفية، والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني.
  • البصري: وهي الاعتداءات التي تستخدم أشكالاً بصرية من التنمر، مثل نشر صور سيئة أو مخجلة.
  • الإقصاء: يتمثل في تحديد من يدخل في إحدى الجماعات ومن يُبعد منها، مثل إقصاء أحد الأفراد من مجموعات الإنترنت والدردشة.
  • انتحال الشخصية: هي اعتداءات أكثر تطورًا، وتتمثل في الاستفادة من سرقة هوية شخص آخر مثل الدخول على المعلومات الشخصية، أو استخدام حساب شخص آخر.

وتشير أبحاث حول التنمر إلى تأثيرات سلبية فورية على الضحية تتعلق بتقدير الذات والتحصيل الأكاديمي والصحة العقلية.

  • أبرز النظريات والدراسات المُفسِّرة للتنمر الإلكتروني

تعددت التفسيرات لظاهرة التنمر وتنوعت من حيث الأسباب والدوافع التي تقود المتنمر إلى القيام بالسلوك العدواني ضد الطرف الآخر، منها غياب الاتصال الجسدي، وهو أحد الخصائص الرئيسية للاتصال على شبكة الإنترنت، وهذا يُعطي دورًا مهمًا في فهم ظاهرة التنمر، فالأفراد يشعرون بحرية أكبر ويكونون أكثر تهورًا لارتكاب بعض الأفعال التي لا يمكنهم ممارستها في الواقع الحقيقي، ومن ناحية أخرى لا يدركون مباشرة عواقب أفعالهم، فالوجود خلف الشاشة يُغذي شعور الإفلات من العقاب حتى لو لم يتصرفوا كمجهولين، لأن  ذلك يعطيهم شعورًا أن ما يفعلونه على الشبكة ليس جديًّا، وأنهم لن يتورطوا في المشاكل.

وقد استعرضت الدراسة مجموعة من النظريات المُفسِّرة للتنمر الإلكتروني ومنها:

  • المنظور العِرقي أو العنف العلائقي: يُركز على مساعي الإضرار بالعلاقات والاندماج في المجموعات أو الأضرار بالحالة الاجتماعية بصفة عامة، من خلال الإشاعات، والافتراءات، والحديث عن الآخرين بشكل سيئ.
  • منظور العجز العاطفي الإدراكي: من الواضح والمعروف أن هذا الجانب منتشر أكثر عند الإناث؛ لأن المرأة تحصل على درجات أعلى في مقياس التعاطف، ولديها قدرات أكثر في المهارات غير اللفظية، فعلى سبيل المثال للمرأة قدرات أكبر من الرجل في تحديد العواطف، وملاحظة الإشارة اللغوية، مثل التغيرات في نبرة الصوت، وتغيرات تعابير الوجه، ومن ثم فإن التنمر الإلكتروني يتأثر بـما يلي:
  • التواصل على شبكة الإنترنت لا يوفر رجع صدى أو تغذية راجعة بصورة فورية لتأثير الكلمات أو التصرفات على الأفراد.
  • ملاحظة الملامح وتغيرها وتغير التعبيرات أو ردة الفعل المختلفة غير متوفرة كما يحدث في التنمر التقليدي.
  • من أهم أسباب استخدام الشباب لشبكات التواصل الاجتماعي هو تفريغ الشحنات العاطفية، أو الإحساس بالفراغ الاجتماعي.
  • منظور القوة ونموذج التحكم: يفترض هذا المنظور أن جماعة الأقران عبارة عن بنية هيراركية يستخدم من خلالها بعض الأشخاص العدوان ضد عدد من أقرانهم بهدف السيطرة عليهم، وممارسة القوة والوصول إلى الرتبة والمكانة الاجتماعية بينهم، وعندما يخضع الأقران لهذه السيطرة بواسطة الخوف الشديد والهروب يتم فرض القوة عليهم والتحكم فيهم، وقد يستمر هذا لفترات طويلة، حيث إن الضحية لا تمتلك رصيد القوة أو المكانة الاجتماعية التي تُمكنها من المقاومة أو الدفاع عن النفس.
  • نظرية الضغوط العامة: تُفسر هذه النظرية عمليات الانحراف، وخرق القانون من خلال القوى والدوافع الكامنة في البناء الاجتماعي، أو من خلال الاستجابة للحوادث والظروف البنائية التي تعمل كضغوط أو عوامل مقلقة خاصة عندما لا تتحقق للأفراد أهدافهم المقبولة اجتماعياً، ولا تتوقف مصادر الضغوط على الإحباط الذي يعيشه الفرد عندما تُسد أمامه الطرق لتحقيق هدف ما، وإنما تتضمن أيضًا المشاعر السلبية التي تحدث في المواقف الاجتماعية المتنوعة، وهنا قد يلجأ الفرد إلى تفريغ هذه الضغوط دون قيود على أحد الضحايا الذي يرى من منظوره إمكانية وضع هذا الضغط عليه دون الإضرار بذاته من خلال إخفاء هويته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

وختامًا، فإن ظاهرة التنمر تؤثر في جميع الأطراف المشاركة بشكل عام والضحية بشكل خاص؛ لما تسببه من إيذاء نفسي وصحي واجتماعي وجسدي. وقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في زيادة هذه الظاهرة؛ كونها اتخذت شكلاً إلكترونيًا مما جعلها أكبر ضررًا وتأثيرًا من التنمر التقليدي، الأمر الذي يستلزم مزيدًا من البحث والتحليل لوضع برامج للتصدي لهذه الظاهرة، وتوعية أفراد المجتمع بكيفية حماية أنفسهم منها.

زر الذهاب إلى الأعلى