الدراسات الإعلامية

إسهام شبكات التواصل الاجتماعي في بناء رأس المال الاجتماعي

يمثل العمل الجماعي والبُعد عن الفردية والتعاون والتكامل بين أعضاء المجموعة ركائز أساسية لرأس المال الاجتماعي، الذي يعكس بدوره المعارف والمهارات والقدرات التي يستثمر فيها الأشخاص، وتتراكم لديهم بما يمكنهم من استغلال إمكاناتهم كأفراد منتجين في المجتمع.

وينقسم رأس المال الاجتماعي إلى نوعين، الأول: “تواصلي” ويُقصد به توظيف وسائل التواصل الاجتماعي بسبب ضعف العلاقات الاجتماعية الحقيقية، أما النوع الثاني فهو “ترابطي” ويُقصد به تعزيز العلاقات الاجتماعية في وسائل التواصل كطلب البحث عن وظيفة أو حل مشكلة أو مساعدة على أمر عبر شبكات التواصل ممن تجمعك بهم علاقة حقيقية.

وقد أدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية إلى زيادة وتيرة العمل المجتمعي؛ نظرًا لما أتاحته من سبل التواصل مع الأفراد، مما عزز مفهوم رأس المال الاجتماعي، فظهرت وسوم متعددة في موقع تويتر وتغطيات متنوعة عبر تطبيق سناب شات لأحداث وقضايا يعجز الشخص بمفرده عن القيام بها، مثل البحث عن بعض المفقودين من الأطفال أو كبار السن أو المساعدة في حل قضية أو مشكلة وقتية. كما بدأ عدد من الشباب والفتيات وحتى كبار السن من المتقاعدين الاشتراك في مجموعات للعمل التطوعي.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة المصرية لبحوث الإعلام دراسة بعنوان “إسهام شبكات التواصل الاجتماعي في بناء رأس المال الاجتماعي… دراسة مسحية على عينة من سكان مدينة الرياض”،  من إعداد دكتور محمد بن فهد الجبير، الأستاذ المشارك بكلية الإعلام والاتصال جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث سعت إلى التعرف على مدى إسهام شبكات التواصل الاجتماعي في بناء رأس المال الاجتماعي الترابطي والتواصلي لدى المجتمع السعودي، ومدى ثقة أفراد المجتمع في العلاقة الافتراضية عبر هذه الشبكات، وكذلك التعرف على مستوى العلاقة بين الثقة في العلاقة الافتراضية وتكوين رأس المال الاجتماعي.

  • عينة الدراسة

استخدمت الدراسة المنهج المسحي لمدينة الرياض بطريقة العينة العشوائية العنقودية، حيث وزع عليهم 320 استبانة، وشكّل الأفراد في الفئة العمرية من 20 إلى 29 سنة (23.8%) من عينة الدراسة، تليهم الفئة من 40 إلى 49 سنة بنسبة (22.5%)، ثم أقل من 20 سنة بنسبة (19.7%)، تليها الفئة من 30 إلى 39 سنة بنسبة (16.6%)، ثم من 50 إلى 59 سنة بنسبة (13.8%)، وأخيرًا من 60 سنة فأكثر بنسبة (3.8%).

وشكّل الذكور (63.1%) من عينة الدراسة مقابل (36.9%) من الإناث. وكان (56.6%) من أفراد العينة من ذوي المؤهل العالي، يليهم من يحملون مؤهلاً فوق جامعي بنسبة (23.1%)، وأخيرًا من يحملون شهادة ثانوية فأقل بنسبة (20.3%).

أما عن عدد ساعات استخدام شبكات التواصل الاجتماعي يوميًّا، فتصدر العينة من يستخدمون الشبكات مدة تتراوح ما بين 4 و7 ساعات بنسبة (41.9%) يليهم من ساعة وحتى 3 ساعات بنسبة (30.6%)، ثم أكثر من 7 ساعات بنسبة (23.1%)، وأخيرًا أقل من ساعة بنسبة (4.4%).

  • نتائج الدراسة

أظهرت النتائج أن درجة إسهام شبكات التواصل الاجتماعي في تكوين رأس المال الاجتماعي الترابطي لدى أفراد المجتمع السعودي جاءت “ضعيفة” بمتوسط حسابي بلغ (1.62 من 3.00) وهو المتوسط الذي يقع في الفئة الأولى من فئات المقياس الثلاثي، والتي تشير إلى (غير موافق) في أداة الدراسة. مع وجود تباين في آراء أفراد عينة الدراسة، والتي توضح أن الاستجابات نحو إسهام شبكات التواصل في تكوين رأس المال الاجتماعي الترابطي تشير إلى (غير موافق / محايد).

وتجسدت العبارات التي تشير إلى موقف محايد في (هناك أشخاص لي معهم علاقة افتراضية قديمة ولا تزال قائمة)، (بفضل العلاقات الافتراضية حصلت على كثير من المعلومات في الجانب الوظيفي أو الدراسي)، (كلما استخدمت وسائل التواصل زادت الصداقات والمعارف الافتراضية)، (العلاقات الافتراضية أخذت مكان العلاقات الاجتماعية الواقعية)، (استخدامي لوسائل التواصل الاجتماعي جعلني راضيًا عن حياتي)، (أسعى لنقل الصداقة الافتراضية إلى حقيقية على أرض الواقع).

في حين أن العبارات التي تشير إلى “غير موافق” تمثلت في (أشعر بالملل حال الجلوس مع الأقارب والأصدقاء لذا أميل لاستخدام الجوال بحضورهم)، ( اشتركت مع مجموعات افتراضية لعمل تطوعي)، (لو طلب مني الأصدقاء الافتراضيون مالاً فسأساعدهم)، (أطلب كثيرًا من المتابعين في وسائل التواصل مساعدتي في حل مشكلة)، (ممكن أطلب مساعدة لإنهاء عمل ما من المتابعين)، (أترك بعض الاجتماعات والمناسبات بسبب وسائل التواصل الاجتماعي)، (ممكن أطلب المال من المتابعين لو احتجت).

كما كشفت نتائج الدراسة أن إسهام شبكات التواصل الاجتماعي في تكوين رأس المال الاجتماعي التواصلي جاء بدرجة متوسطة من وجهة نظر أفراد عينة الدراسة بمتوسط حسابي بلغ (2.19 من 3.00) وهو المتوسط الذي يقع في الفئة الثانية من فئات المقياس الثلاثي والتي تشير إلى (محايد) في أداة الدراسة.

وقد ظهر تباين في آراء أفراد الدراسة بمتوسطات حسابية تراوحت ما بين (1.90 و2.71)، وهي متوسطات تقع في الفئة الثانية والثالثة من فئات الدراسة، والتي توضح أن الاستجابات نحو إسهام شبكات التواصل في تكوين رأس المال الاجتماعي التواصلي تشير إلى (محايد/ موافق).

وجاءت العبارة التي تنص على (أشعر بالانتماء للصداقات الحقيقية أكثر من الافتراضية) في المرتبة الأولى من حيث الموافقة، في حين جاءت العبارة التي تنص على (أصبحت علاقاتي بأقاربي أقوى بسبب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي) في المرتبة قبل الأخيرة بدرجة موافقة تشير إلى محايد. فيما جاء في المرتبة الأخيرة عبارة (أكتب مشاعري وآرائي تجاه الأشخاص والأحداث في وسائل التواصل الاجتماعي) بدرجة موافقة تشير إلى محايد.

أما عن مستوى ثقة أفراد المجتمع السعودي في العلاقات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فخلصت الدراسة إلى أن الثقة جاءت بدرجة متوسطة من وجهة نظر أفراد عينة الدراسة بمتوسط حسابي بلغ (1.77 من 3.00) وهو المتوسط الذي يقع في الفئة الثانية من فئات المقياس الثلاثي والتي تشير إلى (محايد) في أداة الدراسة.

وجاءت العبارة التي تنص على (لا أقبل صداقات من الجنس الآخر) في المرتبة الأولى بدرجة موافقة تشير إلى (محايد) يليها عبارة (لا أمانع قبول الصداقات الافتراضية الجديدة مع من أعرفهم على أرض الواقع)، ثم في المركز الثالث (تفاعل المتابعين معي يشعرني بالأمان والثقة)، يليها (أثق بمن يتابعونني، فلو طلبت منهم شيئًا فسيساعدونني فيه).

وبدرجة موافقة تشير إلى (غير موافق) جاء كل من (لا أمانع قبول الصداقات الافتراضية الجديدة مع الغرباء) في المرتبة الخامسة، ثم (يمكن الثقة في العلاقات الافتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي)، وفي المرتبة السابعة (أشارك صوري ويومياتي مع أصدقائي الافتراضيين).

إلى ذلك، خلصت الدراسة إلى وجود علاقة طردية بين كل من الثقة في العلاقات الافتراضية وتكوين رأس المال الترابطي والتواصلي، فيما لم تسجل فوارق ذات دلالة إحصائية في آراء عينة الدراسة نحو تكوين رأس المال الترابطي والتواصلي وفقًا لمتغيرات العمر والجنس والدخل والمستوى التعليمي.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأنه في ظل تنامي المساحة التي تشغلها مواقع التواصل الاجتماعي من حيز وقت المستخدمين واهتماماتهم، فمن الأهمية بمكان إجراء دراسات تتعلق بقياس رأس المال الاجتماعي الذي تراكمه، ولكن من خلال التركيز على دراسة قضية مجتمعية بعينها، واستكشاف حدود تأثيره وانعكاساته على الواقع.

 

زر الذهاب إلى الأعلى