فرضت شبكات التوصل الاجتماعي نفسها كمصدر للقائم بالاتصال للحصول على المعلومات والأخبار، لكن إتاحة تلك المنصات الفرصة لجميع الأفراد بدون استثناء لنشر المحتوى فيها دون وجود قيود أو شروط مسبقة أو ضوابط تنظم ممارسة النشر، أدى إلى تناقص درجات المصداقية في المحتوى، الأمر الذى أثر سلبًا على الممارسة الصحفية والحرية الممنوحة لصحافة المواطن ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة المصرية لبحوث الإعلام في عدد أبريل 2022 دراسة بعنوان “مصداقية مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار لدى القائم بالاتصال في الصحف السعودية الإلكترونية” من إعداد الدكتور سالم بن ناصر الشريف الأستاذ المساعد بقسم الصحافة والنشر الإلكتروني بكلية الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث طبقت الدراسة على عينة عشوائية منتظمة قوامها 100 مفردة من الصحفيين العاملين في خمس صحف سعودية وهي (سبق- وئام -عاجل- مكة- المواطن) بواقع 79% ذكور مقابل 21% إناث.
- نتائج الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة اعتماد غالبية الصحفيين في الصحف السعودية عينة الدراسة على مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر إخبارية في تغطية الأحداث والقضايا التي تتناولها تلك الصحف، وهذه النتيجة تؤكد أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، والمعلومات المنشورة فيها، لاسيما تلك المعلومات التي ينشرها كبار المسؤولين والمشاهير على صفحاتهم وحساباتهم بالمنصات الاجتماعية، والتي تجد طريقها السريع إلى وسائل الإعلام التقليدية، لتتحول إلى أخبار تغطي أغلفة المجلات، والصفحات الرئيسة والداخلية للصحف.
واحتلت منصة تويتر المرتبة الأولى بين مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر اعتمادًا عليها من قبل القائم بالاتصال كمصدر إخباري بوزن نسبي (94%)، نظرًا لقوة المنصة وانتشارها في السعودية، حيث تحتل المرتبة الأولى عالميا في نسبة مستخدمي تويتر من عدد السكان، بواقع 45.3%، وفقا لتقرير مؤسسة ((We Are Social.
وحلّ واتساب بالمرتبة الثانية بوزن نسبي (70.8%) يليه سناب شات (64.8%)، وفي المركز الرابع يوتيوب (59.3%) ، ثم فيسبوك (52.3%)، يليه انستغرام (47%) وفي المرتبة السابعة تليجرام (44.8%)، ثم منصات أخرى (43.8%).
وفيما يتعلق بدرجة الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار، أظهرت نتائج عينة الدراسة أن 58% منهم يعتمدون على المنصات بدرجة كبيرة ، و32% بدرجة متوسطة و8% بدرجة ضعيفة، مقابل 2% فقط لا يعتمدون عليها نهائيًا.
أما عن معايير تمرير ونشر المعلومات المستقاه من مواقع التواصل الاجتماعي، فتصدرها التوافق مع قوانين النشر بوزن نسبي (81.3%) ثم “الإلتزام بالقواعد الأخلاقية (80.7%)، يليها توافر درجة عالية من المصداقية (80%)، وفي المرتبة الرابعة توافر المهنية والموضوعية (76.3%) ، وأخيرًا التماشي مع سياسة المؤسسة التى أعمل بها (72.7%).
كما أظهرت الدراسة ارتفاع مستوى مصداقية صانع المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي لدى القائم بالاتصال مقارنة بمصداقية الوسيلة والرسالة، وهذه النتيجة تعكس وجود قصور في مصداقية مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بطبيعة تلك الوسائل وخصائصها، والرسائل المنشورة فيها التي قد تتضمن معلومات مضللة.
من جهة أخري، حصلت أساليب التحقق من صدق المعلومات المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على موافقة مرتفعة من قبل القائم بالاتصال، وتصدر هذه الأساليب، أسلوب أن يكون مرسل المعلومة هو صاحب الحدث أو أحد أشخاصه بوزن نسبي (94%)، يليه “مدى وضوح مصدر المعلومة والثقة فيه (93.3%)، ثم “الاتصال بالمسؤولين عن الحدث” (89.3%)، وفي المرتبة الرابعة “الحصول على وثائق مصاحبة للمعلومات (88.3%)، ثم الاتصال بشهود عيان (79%)، وفي المركز السادس “الانتقال لمكان الحدث” (74%)، ثم الاتصال بأطراف الحدث (78%)، يليه “التواصل مع أطراف محايدة” (72%)، وأخيرا “التواصل مع أطراف معارضة أو متضررة” (68%).
ورأت عينة الدراسة أن “سرعة وصول المعلومات ونشرها” تأتي في مقدمة مميزات المعلومات المنشورة بمواقع التواصل الاجتماعي والاعتماد عليها كمصدر للأخبار من وجهة نظر الصحفيين، فيما جاء عنصر الدقة في عرض الحقائق في المرتبة الأخيرة بين عناصر المصداقية المتوفرة في معلومات المنصات الاجتماعية.
كما تصدر عامل عدم احترام خصوصيات الآخرين المرتبة الأولى بين العوامل المؤثرة على مصداقية الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه النتيجة تعكس عدم الوعي لدى الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، والفهم الخاطئ لحرية النشر التي تتيحها هذه المواقع، فيسخرونها في تشويه الآخر والنيل منه دون مراعاة لحقوقه وخصوصياته.
- التوصيات والمقترحات
قدمت الدراسة عدد من التوصيات التي نستعرضها على النحو التالي:
- ينبغي إنشاء وتفعيل قوانين النشر الرقمي، من خلال إنشاء لجان ومؤسسات حكومية تهتم بعملية الضبط والرقابة على النشر الإلكتروني عبر هذه المواقع، إلى جانب تعاون المجتمع المدني من خلال الجمعيات والمنظمات الأهلية التي تتولى عملية التوعية والتثقيف الرقمي للموطنين، إذ كشفت النتائج أن أغلب الصحفيين يعتمدون على المعلومات المنشورة عبر هذه المواقع ويعيدون نشرها عبر الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، الأمر الذي يستدعي ضرورة الضبط والسيطرة على ما يُنشر عبر هذه المواقع.
- ضرورة إضافة إدارة أو قسم في كل مؤسسة صحفية، تختص بالمعلومات والأخبار الواردة من مواقع التواصل الاجتماعي، من حيث المراجعة والتدقيق وإعادة الصياغة بما يتلاءم مع طبيعة الصحف، ويسمى “قسم مراجعة المحتوى الرقمي”؛ حيث كشفت النتائج عن وجود قصور في دقة وعرض الحقائق المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعة انتشارها، وعدم احترامها لخصوصيات الآخرين.
- عقد دورات تدريبية لتطوير مهارات الصحفيين العاملين في قسم مراجعة المحتوى الرقمي، تتضمن طرق وأساليب التحقق من صدق المعلومات الواردة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى، وتزويد هذا القسم بالتقنيات والبرامج الاحترافية التي تساعد في كشف فبركة الصور والفيديوهات والمعلومات المنشورة في المنصات الرقمية.
- تشكيل لجنة من نقابة الصحفيين، ووزارة الإعلام، والصحفيين الذين يمتلكون خبرة طويلة في التعامل مع المعلومات المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقوم هذه اللجنة بوضع وتطوير دليل خاص بالتعامل مع الأخبار والمعلومات المستقاة من المنصات الرقمية، إذ كشفت النتائج عن وجود العديد من العوامل التي تؤثر على مصداقية أخبار مواقع التواصل الاجتماعي، منها: وهمية الحساب، استخدام الأسماء المستعارة، التركيز على الأخبار المثيرة، والاهتمام بالرأي على حساب الخبر، وجميعها عوامل ينبغي أخذها في الحسبان عند وضع دليل التعامل الصحفي مع المنصات الرقمية، لتجنب مثل هذه العوامل التي من شأنها أن تؤثر على مصداقية المعلومات المستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأنه في ظل حالة الانفلات المعلوماتي الذى تشهده مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار المعلومات المضللة والشائعات بصرف النظر عما إذا كان ذلك عن قصد أو جهل، فإن من الأهمية بمكان التوسع في إجراء الدراسات الخاصة بمصداقية مصادر الأخبار، إنطلاقا من حقيقة أن المصداقية هى الدستور الحاكم للعلاقة بين الصحافة والجمهور، وفي حال تعرض تلك المصداقية لاهتزاز لن تتمكن الصحف من اكتساب تقدير القراء الذين سيعزفون عنها.