يعيش العالم في العصر الحالي ثورة تكنولوجية في مجال الإعلام لم يشهدها من قبلُ أثّرت بشكل كبير على صناعة المحتوى وأتاحت وسائل وأساليب اتصالية مُتعددة لم تكن موجودة في السابق، وذلك بفضل ظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أسهمت بشكل كبير في تطوير المحتوى المرئي والمسموع والمقروء وأساليب إنتاجه، والمتغيرات المختلفة في عملية الإنتاج، وقد انتشر استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي بداية من استخدام الروبوتات عبر المنصات الرقمية.
واتجه كثير من غرف الأخبار بالصحف ومواقع الأخبار الإلكترونية إلى استحداث أقسام خاصة بالوسائط المتعددة، وتبنت بعضها نماذج واستراتيجيات حديثة في تقديم المضمون الصحفي، مثل “نموذج الإعلام المتقاطع Cross–mediamodel“.
وبذلك بات استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي عنصرًامهمًّا وأساسيًّا في إعداد المحتوى الإعلامي وإدراكه بسهولة، لما تقدمه من إثراء وتعميق للمعلومات وتقديمها في إطار متكامل فعال، لذا أصبح من المآخذ ونقاط الضعف في الصحف الإلكترونية اليوم نشر الخبر أو الحدث دون وجود وسائل إيضاح متمثلة في الوسائط المتعددة.
وفي هذا الإطار، سعت دراسة جديدة بعنوان “رؤية مستقبلية: دور الاستراتيجيات الاتصالية في صناعة المحتوى الإعلامي في ضوء تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي“، نشرتها المجلة المصرية لبحوث الإعلام من إعداد الدكتور محمد مساوي، الأستاذ المشارك بكلية الاتصال والإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز، إلى التعرف على الدور الذي تؤديه تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطوير المحتوى الإعلامي من وجهة نظر الخبراء في مجال صناعة المحتوى الإعلامي.
تمثلت عينة الدراسة في 400 فرد بالمملكة العربية السعودية من العاملين في مجال العمل الإعلامي وصُنّاع المحتوى، والأكاديميين وهم أعضاء هيئة التدريس بالجامعات في كليات وأقسام الإعلام، وكذلك أعضاء هيئة التدريس بكليات الحاسبات والذكاء الاصطناعي تخصص ذكاء اصطناعي.
أما عن خصائص العينة، فجاءت نسبة الذكور 80.7% ، وبلغتنسبة الإناث 19.3%، وحول طبيعة عمل المبحوثين كان أغلبهم أكاديميين بنسبة 76.8% ثم ممارسين للعمل الإعلامي بنسبة32.2% وفيما يتعلق بسنوات الخبرة، فكانت من خمس سنوات فأكثر بنسبة 66.5%، ثم من سنة إلى ثلاث سنوات 29.8%، وأخيرًا من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات 3.8%.
أظهرت نتائج الدراسة اختلاف تقييم المبحوثين لوضع استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطوير المنتج الإعلامي، فذكروا في المقدمة “ما زال تطبيق الذكاء الاصطناعي في المحتوى الإعلامي في مرحلة النمو” بنسبة 85.7%، ثم “تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمليات الإعلانية والتسويقية الخاصة بالمؤسسة” بنسبة 83%، وفي المركز الثالث “تعمل المؤسسة على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي” بنسبة 75% تليها “يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال ومستمر” بنسبة 72.7%، ثم “يقتصر استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي على تحرير المحتوى دون إنتاج المحتوى الإعلامي بنسبة 71.3% وأخيرًا “يقتصر استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة القصص الخبرية فقط” بنسبة 65.3%.
أما عن جاهزية المؤسسات الإعلامية السعودية لدمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي، فذكرت عينة الدراسة أن المؤسسات الإعلامية جاهزة بدرجة متوسطة بنسبة 61.2%، ثم “غير جاهزة تمامًا بنسبة 25%، وأخيرًا“جاهزة بدرجة كبيرة” بنسبة 13.8%.
ووفقًا لنتائج الدراسة تتحدد معوقات استخدام تطبيق الذكاء الاصطناعي في المؤسسة، في “عدم توافر الإمكانيات المادية والبشرية للتنفيذ” في المرتبة الأولى بنسبة 42%، ثم “ارتفاع التكاليف المادية لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي” فيالمرتبة الثانية بنسبة 36%، وأخيرًا “عدم تحمس القيادات الإعلامية الحالية للتطوير” بنسبة 34%.
وتتحدد الأسباب التي تدفع المؤسسات الإعلامية لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي، في كونها“تساعد المؤسسات على المنافسة في سوق العمل” في المرتبة الأولى بنسبة 89%، ثم “تحليل البيانات الضخمة” في المرتبة الثانية بنسبة 88%، تليها “تعزيز عملية الابتكار والتطوير داخل المؤسسة” بنسبة 86.3%، وأخيرًا “زيادة كفاءة المؤسسات الإعلامية لإنتاج الأخبار” و“تحقق الأمن المعلوماتي للمواقع وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي” بنسبة 85% لكل منهما.
كما تتحدد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتوقع استخدامها في المؤسسات الإعلامية، في “تحليل البيانات” في المرتبة الأولى بنسبة 90.7%، ثم “خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي” في المرتبة الثانية بنسبة 89%، و“Seo–Crim لتحليل المحتوى المنافس” بنسبة 88.3%، و“تقنية كتابة الأخبار وتصحيح الأخطاء الإملائية بنسبة 86%، وتقنية الواقع المعزز بنسبة 85%، وروبوتات التسويق الإلكتروني بنسبة84.7%، وأخيرًا “روبوتات الأخبار” بنسبة 72.3%.
كما أشارت الدراسة إلى تنوع الفوائد المتوقع تحقيقها من تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي، فذكر المبحوثون “ظهور مجالات جديدة في الإعلام الرقمي” في المرتبة الأولى بنسبة 90.7%، ثم “أتوقع أن يساعد في إنشاء قواعد بيانات ضخمة لسهولة العمل واتخاذ القرارات في المرتبة الثانية بنسبة 90.3%، ثم “أتوقع أن يساهم في رفع إنتاج إعلانات المؤسسة” بنسبة 89.3%، تليها “أتوقعلتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تُمكّن المتخصصين في العلاقات العامة من الحصول على اتجاهات العملاء في الوقت الفعلي بنسبة 87.3%، ثم “أتوقع أن يقوم بإدارة منصات التواصل الاجتماعي بدلًا من الطاقات البشرية بنسبة 86.3% وأخيرًا “أتوقع أن يقوم بتنظيم المحتوى الشبكي” بنسبة84.3%.
وفيما يتعلق بمستقبل ممارسي العمل الإعلامي في ظل تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ذكر المبحوثون أنه “يساعد الممارسين على إنجاز أعمالهم بسرعة أكبر من الاعتماد على الوسائل التقليدية” في المرتبة الأولى بنسبة 86%، ثم “يساعدهم على التفكير الإبداعي في عرض القصص الخبرية في المرتبة الثانية بنسبة 66%، وأخيرًا “سيحل الذكاء الاصطناعي محل الممارسين الفعليين” بنسبة 38%.
وبالنسبة للسيناريوهات المتوقعة من تبني استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي، فتتمثل في “تراجع عمليات تبني استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي” بنسبة 74.5%، ثم استمرار التبني بشكل محدود بنسبة15.5%، وأخيرًا “تطوير عمليات تبني استخدام الذكاء الاصطناعي” بنسبة 10%.
كما أظهرت الدراسة وجود علاقة ارتباطية ذات دلالة إحصائية بين مدى استخدام المؤسسة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ومدى جاهزية المؤسسات الإعلامية السعودية لدمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي. كما توجد علاقة ارتباطية ذات دلالة إحصائية بين دوافع المؤسسات الإعلامية لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي والفوائد المتوقع تحقيقها من تبنيها في صناعة المحتوى الإعلامي.
قدمت الدراسة عددًا من التوصيات تمثلت في دعم تبني استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي، وتدريب الصحفيين والعاملين على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تنمية التفكير الإبداعي في عرض القصص الخبرية، وكذلك استحداث أقسام وبرامج تعليمية في الجامعات لتدريس تقنيات الذكاء الاصطناعي وكيفية تطبيقها في المجال الإعلامي.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الإعلامي بات ضرورة لازمة، إذ إنه يساعد في تتبع الأخبار العاجلة وتنبيه الصحفيين، والتحقق من المحتوى الزائف، والتصحيح اللغوي، والتصوير الآلي، وإنتاج محتوى إخباري متعدد الوسائط، لكن هذا التوظيف يتطلب تمويلًا وإعدادًا لوجيستيًّا في المؤسسات الإعلامية لاستيعاب استخدام تلك التقنيات، وكذلك برامج تدريبية لتأهيل الصحفيين والكوادر الإعلامية على تلك التقنيات.