دراسات

في رسالة عقابية لإحدى العلامات التجارية.. السعوديون يتمسكون بالقيم ويرفضون الابتذال

يُعد الإعلان أحد المظاهر التي تعكس ثقافة المجتمع، حيث توجد علاقة تبادلية بين مضمون الإعلان وقيم المجتمع الذي يُمثّل بيئته المستهدفة، بمعنى أن الاتساق بين هذا المضمون أو حتى طريقة عرضه (الإعلان عنه) يجب أن يتماشى مع الثقافة والعادات والتقاليد، والنسق القيمي المُميز للمجتمع المستهدف.

وبما أن الرسالة الإعلانية تهدف إلى إبراز السلعة أو المنتج أو الخدمة والترويج لها، تقوم الجهات المُعلِنة بالاستعانة بشخصيات (عادية أو مشهورة أو الاثنين معًا) لتحقيق هذه الغاية.

وتُساعد الاستعانة بالشخصيات العادية في تحقيق الإحساس بالألفة والقرب والتطابق من جانب الجمهور مع الرسالة الإعلانية، كون الشخصية المستخدمة في الإعلان تتوافق مع المحيط الواقعي وتتشابه مع المجتمع.

وتُساهم هذه الطريقة التي تُحدث التقارب بين المنتج والواقع الذي يعيشه الجمهور في زيادة احتمالات نجاح الإعلان، واقتناع المتلقي بالرسالة الإعلانية، فيُصبح من العملاء المُحتملين أو الفعليين عبر اتخاذه قرار الشراء.

أما الاستعانة بالشخصيات المشهورة أو المؤثرة – حسب التوصيف الذي صاحب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي – فيُعد أحد الأساليب التي تُساعد في التأكيد على مزايا السلعة أو المنتج أو الخدمة المُعلن عنها، وذلك بسبب المكانة الاجتماعية للشخصية المستخدمة في الإعلان، والتي تُضاعف من تأثير الرسالة الإعلانية.

إلا أن اختيار الشخصية المشهورة أو المؤثرة يجب أن يكون وفق شروط وضوابط محددة، تنطلق من عوامل نجاح الإعلان نفسه، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • أن يكون مناسبًا للمنتج المُعلَن عنه.
  • يحظى بقبول مجتمعي في البيئة المستهدفة.
  • يمتلك المصداقية.
  • يتوافق مع العادات والتقاليد والنسق القيمي لمجتمع الإعلان.
  • يمتلك المقومات التي تُؤهله لأن يكون قدوة ومثلًا أعلى للآخرين.

وعلى الرغم من جدوى الاستعانة بالشخصيات المشهورة أو المؤثرة في الإعلان، فإن التهاون أو عدم التدقيق في الاختيار قد يُؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا، ربما تُهدد سمعة العلامة التجارية وتُشوّه صورتها الذهنية لدى الجمهور.

وفي مثال عملي يُبرهن على التأثير السلبي لسوء اختيار الشخصيات المشهورة أو المؤثرة في الإعلان، قامت إحدى العلامات التجارية بالاستعانة في عرض منتج لها بالسعودية “روان عبد الله أبو زيد” التي انتقلت للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وعملت كعارضة أزياء باسم شهرة هو “المودل روز” والمعروفة بأسلوبها الجريء في عرض الأزياء، والظهور بطريقة تتنافى مع عادات وقيم المجتمع السعودي، الأمر الذي أثار الاستياء والسخط.

وبسبب هذا الإعلان، قام السعوديون بإلغاء طلباتهم للمنتج، وهاجموا العلامة التجارية، كما أكدوا على أنهم سيحذفون التطبيق الذي نشر الإعلان.

وقد عكس خطاب تعليقات المستخدمين السعوديين على الإعلان حالة من الغضب الكبير نتيجة اعتماد العلامة التجارية على “المودل روز”، متهمين صاحب قرار الاستعانة بها بأنه غير ذكي وفاشل لأنه أساء الاختيار، معززين وجهة نظرهم بمجموعة من الأسانيد والأدلة، منها:

  • لا تُمثل مثالًا وقدوة يُحتذى بها.
  • لا تُعبر عن الثقافة السعودية.
  • لا تحظى بالقبول المجتمعي.
  • مستفزة لمشاعر غالبية السعوديين.
  • لا تلائم مضمون نص الإعلان الذي يستخدم شهر رمضان المبارك لتحفيز العملاء على الشراء.

وبذلك، بعث السعوديون برسالة عملية شديدة اللهجة إلى العلامات التجارية بضرورة توخي الحذر والتدقيق في اختيار الشخصيات المروجة لمنتجاتها سواء كانت سلعة أم خدمة.

وبالقياس، يمكن تعميم هذا المثال على العديد من النماذج المتعلقة بمجالات أخرى، إذ يُوجد أسلوب في الدعاية يُسمى “الربط” يتم استخدامه في التسويق سواء كان سياسيًّا أو تجاريًّا، ويُقصد به أن الشخص أو الشيء المُستهدف بالدعاية يلجأ إلى إلصاق نفسه بقيمة أو شخصية ذات مدلول خيّر عند الجماهير، وذلك لكي يُحدث في وجدانهم حالة من الربط الموحي، ومن ثَمَّ يكتسب هذه الصفة الخيّرة بشكل تلقائي. وعلى العكس، فإن الالتصاق بقيمة أو شخصية ذات مدلول سيئ سوف تُؤدي إلى نتيجة سلبية.

إجمالًا .. تُظهر هذه الحالة أهمية وضرورة حُسن اختيار العلامة التجارية للمشاهير والمؤثرين الذين تستعين بهم في عملية الإعلان عن منتجاتها، لأن الاختيار المناسب مرتبط بشكل وثيق بمدى نجاح الإعلان وفاعلية الرسالة الإعلانية، وفي المقابل يكون الاختيار الخاطئ سببًا في فشل الإعلان وربما الإساءة للعلامة التجارية وتشويه صورتها الذهنية وفقدانها نسبة من العملاء الفعليين والمحتملين.

أما على المستوى الشعبي، فقد أكد السعوديون من جديد على رفضهم التام للابتذال ولكل ما يُخالف نسقهم القيمي حتى في أبسط حاجاتهم الحياتية، وأنهم يربطون دائمًا كل تفاصيلهم بمدى توافقها مع عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، وأن مرجعيتهم الأخلاقية أساس لا يمكن التغاضي عنه في عملية التقييم واتخاذ القرارات.

زر الذهاب إلى الأعلى