شهدت السنوات الماضية، توثيقًا لأنشطة واسعة لميليشيا حزب الله اللبنانية الإرهابية في أمريكا اللاتينية، وفي حين أن فنزويلا ومنطقة الحدود الثلاثية، التي تتقاطع فيها حدود باراغواي والبرازيل والأرجنتين، كانت النقطة المحورية للبحث عن عمليات الميليشيا الإرهابية في أمريكا اللاتينية، إلا أن الواقع يُظهر أن أنشطة حزب الله في بلدان أخرى بالقارة تستدعي مزيدًا من التدقيق من أجل مكافحتها.
وبينما لم يُنفذ حزب الله هجومًا إرهابيًّا دوليًّا ناجحًا منذ عام 2012، عندما فجرت عناصره حافلة في مدينة بورغاس ببلغاريا، ترجح تقديرات أمريكية أن الميليشيا الإرهابية قد تشن هجمات في بلد لا تحتفظ فيه بوجود علني، ولا تعتبر تقليديًّا تهديدًا كبيرًا، فعلى سبيل المثال في عام 2014، ألقت الشرطة البيروفية القبض على أحد عناصر حزب الله في منطقة بالعاصمة ليما بتهمة التخطيط لعملية إرهابية، كما نجحت الأجهزة الأمنية في إحباط مؤامرة إرهابية لحزب الله كانت تستهدف المدنيين في تشيلي.
وفي عام 2017، حددت السلطات البوليفية مستودعًا تابعًا لحزب الله، وصادرت مواد أولية متفجرة تكفي لإنتاج قنبلة تزن 2.5 طن، بالإضافة إلى عبوة ناسفة محمولة على سيارة.
كما كشفت صحيفة “El Tiempo” الكولومبية العام الماضي 2021، أن حزب الله كان يخطط لاغتيال إسرائيلي كجزء من عملية أوسع استهدفت أيضًا أمريكيين، انتقامًا لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بميليشيا الحرس الثوري الإيراني في يناير 2020. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قبل هذه التطورات، لم يكن يُعرف إلا القليل عن نطاق الأنشطة العملياتية لحزب الله في هذه البلدان.
- التعاون مع إيران في أمريكا اللاتينية
وفقًا لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنشأ حزب الله بنية تحتية عالمية واسعة تمكنه من تعزيز استعداده للتخطيط وتنفيذ هجمات في دول مختلفة. وغالبًا ما يؤدي تعقيد تنظيم الحزب وشبكاته، فضلاً عن الطبيعة السرية له واستخدامها للغطاء التجاري، إلى التستر على أنشطته العملياتية، والطريقة التي يُعزز بها العلاقات مع أفراد غير أعضاء بالحزب.
وقد شكّلت تبعية ميليشيا حزب الله لإيران منطلقًا للعديد من أنشطة الميليشيا الإرهابية في الخارج. فتاريخيًّا نفذت وحدة العمليات الخارجية التابعة للحزب، المعروفة أيضًا باسم “منظمة الجهاد الإسلامي”، عمليات مميتة بأمر من إيران، كما لعبت الأخيرة دورًا محوريًّا في تمكين عمليات حزب الله، وأحد الأمثلة على ذلك هو الهجوم على الجمعية التعاضدية الإسرائيلية الأرجنتينية “آميا” في بوينس آيرس عام 1994، والذي لا يزال حتى الآن الهجوم الإرهابي الأكثر دموية على الإطلاق في أمريكا اللاتينية. وقد كان محسن رباني، أحد المتورطين في العملية يعمل ملحقًا ثقافيًّا في السفارة الإيرانية في الأرجنتين.
ومن المعلوم أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يحتفظ بعملاء في السفارات الأجنبية والجمعيات الخيرية والمؤسسات الدينية والثقافية في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية لتسهيل أهدافه، وقد مكّنت الحصانة الدبلوماسية رباني على وجه التحديد – جنبًا إلى جنب مع حزب الله ومسؤولين إيرانيين إضافيين – من التخطيط والإعداد وتنفيذ الهجوم.
- استخدام الجنسية الكولومبية
تُعتبر وحدة العمليات الخارجية التابعة لحزب الله، والمعروفة أيضًا باسم الوحدة 910 ، هي واحدة من أكثر وحدات الجماعة تطورًا وقدرة على المراوغة، إلا أنها لا تخلو من نقاط ضعف، ويكشف التدقيق في أنشطة عملاء تلك الوحدة في أمريكا اللاتينية في الفترة التي سبقت هجوم “آميا” أن وصولهم إلى كولومبيا ربما كان نقطة مركزية في تمكين عملياتهم، وتُظهر طريقة عمل وحدة العمليات الخارجية جنبًا إلى جنب مع الأنشطة الحالية لنشطاء تلك الوحدة عن أنماط يمكن أن تساعد في تفكيك شبكات حزب الله وفهم نياتها وعملياتها في المنطقة.
ولحزب الله تاريخ طويل في إنتاج وثائق مزورة، وكذلك الحصول على جوازات سفر شرعية ليتم تزويرها وتحويلها إلى وثائق مزورة لعملائه، وهذه الممارسة شوهدت بوضوح بين نشطاء الحزب في أمريكا اللاتينية، ولا سيما في كولومبيا.
- الأنشطة التجارية لحزب الله في كولومبيا
كشفت نتائج التحقيق والمتابعة الكولومبية أن العديد من الأفراد الذين حصلوا عن طريق الاحتيال على الجنسية الكولومبية – من بينهم أعضاء في حزب الله – استخدموا الوثائق لإنشاء الشركات، وقد منحتهم تلك الجنسية وشركاتهم قدرًا من الحماية. ويتماشى هذا مع سلوك عملاء حزب الله في كولومبيا، الذين استخدموا شركاتهم كغطاء تجاري ولجمع الأموال للجماعة. ومن أمثلة ذلك القيادي بالحزب سلمان رؤوف سلمان وشقيقه خوسيه اللذان عملا في كولومبيا منذ الثمانينيات، وقدما نفسيهما على أنهما رجلا أعمال. وفي عام 1987، شكل جوزيه مع عمه موسى الرضا خلية حزب الله التي عملت في مايكاو، كولومبيا. وبينما لا يُعرف الكثير عن موسى، فإن جوزيه كان مسؤولاً عن جمع الأموال وتداول الدولارات المزيفة.
وتمكنت السلطات الأرجنتينية من الكشف عن نشاط جوزيه في عام 1992 أثناء محاولته تبادل العملات المزيفة في بنك بالأرجنتين، حيث جرى اعتقاله.
وقد خلص التحقيق الكولومبي إلى أن أعضاء حزب الله في كولومبيا لا يصورون أنفسهم كرجال أعمال فحسب، بل يتبنون أيضًا سمات المجرمين المحليين، إذ تورط سامر محمد عقيل رادا اللبناني الذي يحمل الجنسية الكولومبية وهو عضو في حزب الله مسؤول عن الخدمات اللوجستية، بالضلوع في تهريب ما يقرب من 500 كيلو جرام من الكوكايين مخبأة وسط أطنان من الأناناس.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن التصدي لأنشطة حزب الله في أمريكا الجنوبية يتطلب تعزيز التعاون بين جهات إنفاذ القانون في دول المنطقة من أجل فضح الأفراد والكيانات التي تنخرط في الأنشطة غير القانونية كتهريب المخدرات في شحنات الفواكه، وغسل الأموال، كما توفر العقوبات وسيلة أخرى لتقويض أنشطة حزب الله، ويمكن أن تؤدي إلى اضطرابات شبه فورية لهذه الميليشيا الإرهابية.