تقارير

اتجاهات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا لعام 2022

دفع التطور التكنولوجي خلال السنوات القليلة الماضية، وتنامي اعتماد الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تداعيات كبرى على نمط عمل المؤسسات الإعلامية والصحف، لا سيما مع تأثر تمويلها بسبب تراجع نسب المشاهدات، وحجم توزيع الإصدارات المطبوعة، فاتجهت تلك المؤسسات إلى مجاراة البيئة الجديدة للعمل الإعلامي عبر الوجود الفاعل على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، والتنافس في استخدام كافة الأدوات الرقمية المتاحة من أجل وصول المحتوى الذي تقدمه إلى الجمهور.
تحديات تواجه وسائل الإعلام
ووفقًا للتقرير السنوي لمعهد رويترز لدراسة الصحافة بالتعاون مع جامعة أكسفورد، يتمثل التحدي الرئيسي لوسائل الإعلام الإخبارية خلال العام الحالي في إعادة إشراك أولئك الذين ابتعدوا عن متابعة الأخبار، لا سيما مع انخفاض عدد مشاهدي تلك الوسائل في أجزاء كثيرة من العالم طوال عام 2021، فضلًا عن بناء علاقات أعمق مع مستهلكي الأخبار المنتظمين، كما يستمر تغيير أنماط الاستهلاك عبر الأجيال موضوعًا رئيسيًا مطروحًا للنقاش، ما يدفع إلى مزيد من البحث الداخلي في غرف الأخبار حول التنوع والشمول، وتناول الأجندات الناشئة، مثل تغير المناخ والصحة النفسية، وكذلك الطريقة التي يجب أن يتصرف بها الصحفيون في وسائل التواصل الاجتماعي.
أما على الجانب التجاري، لا تزال العديد من المؤسسات الإخبارية التقليدية تُركز على التحول الرقمي الأسرع، حيث يبدو أن ارتفاع تكاليف ورق الصحف والطاقة يجعل الطباعة غير مستدامة في بعض البلدان. كما يعتبر فرض رسوم على مطالعة الأخبار عبر الإنترنت هو الوجهة النهائية للكثيرين، لكنهم يتوقعون أن يحد إجهاد الاشتراك من التقدم الممكن إحرازه، خاصة إذا ساءت الظروف الاقتصادية.
في الوقت نفسه، أصبح الحديث عن تنظيم منصات التواصل الاجتماعي حقيقيًّا هذا العام، حيث يحاول الاتحاد الأوروبي وبعض الحكومات الوطنية ممارسة المزيد من السيطرة على شركات التكنولوجيا الكبرى ووضع ضوابط لنشاطها. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقنيات الجيل التالي مثل الذكاء الاصطناعي، والعملات المشفرة، والعوالم الافتراضية أو شبه الافتراضية تخلق بالفعل مجموعة جديدة من التحديات للمجتمعات وفرصًا جديدة للتواصل والإعلام والترفيه.
رؤية قادة المؤسسات الإعلامية للعام 2022
استعرض التقرير رؤية قادة المؤسسات الإعلامية للتحديات والفرص الرئيسية في العام الحالي من خلال استطلاع رأي شمل 246 مسؤولًا بمؤسسات إعلامية ينتمون إلى 52 دولة وإقليمًا حول العالم.
– ذكرت 59% من العينة أن عائداتهم زادت خلال العام الماضي، على الرغم من أن 54% منهم أبلغوا عن مشاهدات ثابتة أو متراجعة، وقد أفاد الناشرون بأن الإعلانات الرقمية ازدهرت مع زيادة عمليات الشراء عبر الإنترنت، كما زادت أيضًا عائدات الاشتراكات.
– اعتبر 75% من أفراد العينة التي تشمل رؤساء تحرير ومديرين تنفيذيين وقادة إصدارات رقمية أنهم واثقون من آفاق شركاتهم لعام 2022، على الرغم من أن 60% يقولون الشيء نفسه عن مستقبل الصحافة، إذ تتعلق المخاوف باستقطاب المجتمعات، والهجمات على الصحفيين والصحافة الحرة، واستدامة التمويل للإصدارات المحلية.
– يخطط المزيد من الناشرين للمضي قدمًا في استراتيجيات الاشتراك أو العضوية هذا العام، حيث قال 79% من المشاركين في الاستطلاع إن هذا سيكون من أهم الأولويات لتحقيق الإيرادات. في الوقت نفسه، يشعر 47% من المشاركين بالقلق من أن نماذج الاشتراك قد تدفع الصحافة نحو تقديم خدمة فائقة لطبقة من الجمهور أكثر ثراءً وتعليمًا وتترك الآخرين وراءهم.
– يتوقع 29% من الناشرين الحصول على عائدات كبيرة من المنصات التقنية نظير نشر المحتوى، فيما يتطلع 15% إلى التبرعات، كما يأمل آخرون في استئناف فعاليات تجارية توقفت خلال أزمة فيروس كورونا المستجد.
– يقول الناشرون إنهم سيولون اهتمامًا أقل لفيسبوك (سجل تراجعًا بمعدل 8 نقاط) وتويتر (تراجع 5 نقاط) هذا العام، وسيبذلون المزيد من الجهد على إنستغرام (زيادة بمعدل 54 نقطة) وتيك توك (زيادة 44 نقطة) ويوتيوب (43 نقطة) وهي منصات تواصل تحظى بشعبية بين الشباب.
وفي الوقت نفسه، ستشدد العديد من المؤسسات الإخبارية قواعدها بشأن كيفية تصرف الصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يخشى معظم رؤساء التحرير والمديرين –عينة الاستطلاع- أن يؤدي التعبير عن المزيد من الآراء الشخصية إلى تقويض الثقة.
– تواصل الشركات الإعلامية المراهنة على الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتقديم تجارب أكثر تخصيصًا وكفاءة وبإنتاج أكبر، فهذه التقنيات ستكون مهمة للحصول على توصيات محتوى أفضل وأتمتة غرفة الأخبار، كما يرى 69% أن الذكاء الاصطناعي مهم للغاية في جانب الأعمال للمساعدة في جذب العملاء والاحتفاظ بهم.
التطورات الأخرى المحتملة
ووفقًا للتقرير ستزداد شركات الإعلام حجمًا هذا العام من خلال موجة من عمليات الاستحواذ؛ لأنها تتطلع إلى إضافة حجم وقيمة إلى اشتراكاتها أو أعمال الدعاية والإعلان، وسيصبح لبعض الشركات الرقمية البارزة مالكون جدد.
كما ستستمر القوة المتنامية لـ “الاقتصاد الإبداعي- creator economy” في التأثير على الصحافة هذا العام بشكل مباشر وغير مباشر، حيث إن منشئ المحتوى – مثل المشاهير والمؤثرين – سيستحوذون على الانتباه من وسائل الإعلام الإخبارية ، في حين أن المزيد من ميزات النظام الأساسي التي تتيح فرض رسوم على المحتوى ستفتح المجال والفرص للصحفيين الفرديين أو المتعاونين.
من جهة أخرى، سيعود الفيديو الاجتماعي القصير إلى الظهور بفعل المحتوى القائم عليه الشباب في الشبكات الاجتماعية، ومن المتوقع أن يتبنى الناشرون المزيد من هذه التقنيات في عام 2022، جنبًا إلى جنب مع نمو منصات البث مثل “تويتش-Twitch”، مما يساهم في التركيز على الفيديو”.
ومن المتوقع أيضًا أن تكون الشبكة الاجتماعية الجديدة التي أسسها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتحمل اسم “تروث سوشيال-Truth Social”، في صدارة عناوين الأخبار حتمًا عند إطلاقها خلال العام الحالي، كما أنها على الأرجح ستكون مركزًا لخطاب الكراهية.
وأخيرًا، سيشهد العام الحالي انتشار الأجهزة الجديدة بما في ذلك سماعات الواقع الافتراضي والنظارات الذكية، واللبنات الأساسية لتقنية “الميتافيرس”، بالإضافة إلى طرق جديدة للتفاعل في العمل.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن العديد من الناشرين مصممون أكثر من أي وقت مضى على إعادة تركيز أعمالهم على التكنولوجيا الرقمية، فقد أدت أزمة كورونا المستمرة إلى إعادة تشكيل سلوكيات كل من الصحفيين والجمهور، وسيكون بناء الاتصال والعلاقات الرقمية أكثر أهمية من أي وقت مضى، وهو ما سيتطلب تركيزًا على تلبية احتياجات الجمهور من خلال المحتوى الذي يساعد المستخدمين على التنقل في عالم يتزايد فيه عدم اليقين.

زر الذهاب إلى الأعلى