بعد مضي أكثر من ست سنوات على التدخل الروسي في سوريا، خرجت موسكو بمكاسب استراتيجية وسياسية متعددة، إذ تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من بلوغ أهدافه الرئيسية دون تكبد تكاليف باهظة، وتجنب الوقوع في مستنقع شبيه بما حدث للاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
ووفقًا لتقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن التدخل الروسي في سوريا كان يتعلق بأشياء كثيرة، ولكن في جوهره يدور حول مقاومة النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، وكان من أسباب نجاح العملية الروسية في تحقيق أهدافها هو تجنب سيناريو ما حدث للاتحاد السوفيتي بأفغانستان عقب التوسع المفرط في القتال، فقد قدمت الحملة العسكرية الروسية في سوريا دعمًا جويًّا في المقام الأول، وتضمنت أيضًا مكونًا بحريًّا وعددًا صغيرًا من قوات النخبة البرية؛ هذا النطاق الضيق جعلها قليلة التكلفة من الناحية المالية. وتركت للجهات الفاعلة الأخرى الحليفة للحكومة السورية وعلى رأسها إيران والميليشيات المدعومة من طهران، القيام بالمهمة الصعبة. وقد استلزم هذا النهج الروسي العمل مع جميع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، بما في ذلك أولئك الذين كانوا في صراع على المسرح السوري، مما جعل موسكو تلعب دور الوسيط الذي عزّز نفوذها.
مكاسب استراتيجية لموسكو من الوجود العسكري في سوريا
شكّل التدخل الروسي نجاحًا استراتيجيًّا منخفض التكلفة، إذ فرضت موسكو سيطرتها على المجال الجوي في غرب ووسط سوريا، ووقعت اتفاقية تمنحها وجودًا عسكريًّا دائمًا في شرق البحر المتوسط لمدة 49 عامًا على الأقل، محققة طموحًا استراتيجيًّا استعصى على القياصرة الروس والقادة السوفييت، بالإضافة إلى تحديث وتوسيع قاعدة طرطوس، وإنشاء قاعدة جوية جديدة في حميميم، علمًا بأنه لم يكن لروسيا مطلقًا وجود عسكري بهذا العمق في شرق البحر المتوسط من قبلُ، وقد حصلت الآن على ضمانات طويلة الأجل للحفاظ على هذا الوجود.
وتعد موسكو موطئ القدم هذا أمرًا مهمًّا لردع الغرب، وإبراز القوة في الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وتضخيم فرص جمع المعلومات الاستخباراتية ضد الولايات المتحدة وشركائها، كما يعزز موقع روسيا الآمن في سوريا وجودها في البحر الأسود، وقد لعبت شبه جزيرة القرم بالفعل دورًا مهمًّا في خطط موسكو الخاصة بسوريا، حيث دعم الأسطول الروسي المطل على البحر الأسود في سيفاستوبول، التدخل الروسي في سوريا منذ البداية. كما أنه خلق فرصًا تجارية؛ فابتداءً من عام 2017 تقريبًا ازدادت الأنشطة بين شبه جزيرة القرم وسوريا، بما في ذلك زيارة وفد تجاري سوري إلى القرم. وبجانب هذا أظهر التدخل الروسي فاعلية الأسلحة الروسية، التي تعززت مبيعاتها.
أدوات النفوذ الروسي في الشرق الأوسط
من جهة أخرى، أصبحت دول المنطقة تنظر إلى سياسة روسيا الإقليمية على أنها حقيقة يتعين عليها التعامل معها، في حين اتسمت التزامات الولايات المتحدة في المنطقة بالتناقض على مدى العقد الماضي. وقد بدا ملحوظًا في السنوات الأخيرة اتجاه دول المنطقة إلى توسيع علاقاتها العسكرية مع موسكو.
من جانبها، حرصت موسكو على بناء علاقات عملية في المنطقة تسهم في تعزيز نفوذها، فركزت على القوة الناعمة، وأدوات النفوذ الأخرى؛ مثل صفقات الأسلحة، والتجارة، والدبلوماسية، والمساعدة في إنشاء المفاعلات النووية.
مستقبل السياسة الروسية في المنطقة
بالنظر إلى المستقبل القريب، ستعمل روسيا على الحفاظ على وجودها وتعزيزه في سوريا وأماكن أخرى في المنطقة، لكنها ستكون حذرة من التوسع المفرط، وستواصل اتباع استراتيجية محدودة الوسائل. ومن المرجح أن تترك موسكو الصراع قائمًا في سوريا بدلاً من حلّه على غرار الصراعات الأخرى في مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق، وبينما قد لا يكون سيناريو الصراع المجمد مثاليًا بالنسبة لموسكو، ولكنه سيناريو يمكن أن تتعايش معه لفترة طويلة، خاصةً أنه سيساعد في إثارة الجدل حول الحاجة إلى استمرار الوجود الروسي.
فقد كان أحد أهداف الكرملين الأساسية على مدى سنوات هو إثبات أنه لا يمكن حل أزمة كبرى من دون روسيا. ومن المرجح أن تتضمن الأزمات المستقبلية في الشرق الأوسط دورًا لروسيا بطريقة أو بأخرى.
في المقابل، شاهد أعداء الولايات المتحدة وحلفاؤها في جميع أنحاء العالم كيف تعاملت واشنطن مع الصراع السوري، واستخلصوا دروسًا حول ما ينذر به سلوك الولايات المتحدة في أماكن أخرى، حيث إن قبول الولايات المتحدة الضمني للتطبيع مع النظام السوري يوضح أن روسيا انتصرت في الحرب.
2 دقائق