تقارير

متلازمات وسائل التواصل الاجتماعي

أدى إفراط الأشخاص في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي إلى جعل تلك المنصات تحيد عن الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله، وهو تعزيز العلاقات الاجتماعية والتواصل بين البشر، فعلى النقيض من ذلك ساهمت في ظهور العديد من الإشكاليات، بل والأمراض، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات، فبالنسبة للمستخدمين أدت إلى معاناة البعض من العزلة والاكتئاب وتدني تقدير الذات، وهو ما انعكس في حياتهم الواقعية في الدراسة أو العمل أو العلاقة مع الآخرين.

أما عن المجتمعات، فعانت من أضرار جسام؛ منها انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة، وظهور فئة من المشاهير عبر تلك المنصات لا يمتلكون أي معرفة أو خبرة أو مؤهلات أو ثقافة، لكنهم استطاعوا تكوين ثروات طائلة من خلال تشابك مصالحهم مع المعلنين وانخراطهم في التسويق، الأمر الذي أهدر قيمة العمل والاجتهاد، ودفع الأفراد للسعي وراء هذا الثراء السريع، كما باتت النزعة الاستهلاكية هي السائدة في المجتمع.
ومن هذا المنطلق، نستعرض خلال التقرير التالي أبرز المتلازمات التي تهدد رواد وسائل التواصل الاجتماعي، وتتمثل فيما يلي:
التعلق: يُعد الممارسة الأكثر شيوعًا المرتبطة بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي من خلال التعلق بالهواتف الذكية بهدف الوجود المستمر على تلك المنصات، ويؤثر ذلك بالسلب على العلاقات، ويجعل المحادثات وجهاً لوجه بعيدة وصعبة، حيث يتجاهل الشخص أفراد أسرته وأصدقاءه ويتواصل معهم رقميًّا فقط، وقد تلاحق الشخص انطباعات بأنه فظ ومتعجرف.
اكتئاب الفيسبوك: وفقًا لبحث أجرته الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فإن الاكتئاب على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” منتشر بين الأطفال والمراهقين اليوم، وهو مرتبط بالشعور بعدم الشعبية أثناء التحقق من موجز الأخبار والصور والمنشورات وما إلى ذلك، وقد يؤدي إلى تدني احترام الذات، خاصة عند الأطفال الصغار.
ويقول الباحثون إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يسبب الاكتئاب بشكل غير مباشر، ومن أمثلة ذلك لو نشروا صورة أو كتبوا شيئًا ولم يعجب أحدًا؟ هذا الأمر يزعج أولئك الذين يعانون من اكتئاب الفيسبوك.
متلازمة سناب شات للتشوه الجسدي: تُعد شكلًا من أشكال اضطراب تشوه الجسم، الذي يجعل الأشخاص مدركين تمامًا للعيب الملحوظ الذي قد يبدو طفيفًا أو غير موجود بالنسبة للآخرين. ويميل هؤلاء الأشخاص إلى الخضوع لعمليات جراحية حتى يكونوا مثاليين للصور أو أقرب ما يكونون لفلاتر سناب شات. وتعد إمكانية الوصول إلى خيارات التحرير ليبدو مظهر الشخص خاليًا من العيوب على وسائل التواصل الاجتماعي سببًا وراء ذلك.
اضطراب القلق على مواقع التواصل الاجتماعي: يحدث عندما تبدأ وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الصحة العقلية والجسدية للفرد، ومن بين أعراضه الأكثر شيوعًا إضافة الغرباء إلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، وقضاء ثماني ساعات أو أكثر على المنصات الاجتماعية، والشعور بالقلق عند عدم وجود تعليقات أو عدم نشر الصور بشكل صحيح، والتحقق من عدد المتابعين باستمرار، بالإضافة إلى الشعور بالارتباط بالأجهزة، بجانب التحقق من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي حتى عندما يكون المستخدم مع العائلة أو الأصدقاء.
ويميل الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب إلى تدني احترام الذات، وتكون أسرهم مفككة، ويتعرضون لمشكلات صورة الجسد، والاتجاه إلى الوحدة والعزلة الشديدة.
“متلازمة الاهتزاز الوهمية – Phantom ringing syndrome” : يقصد بها تصور أن الهاتف يهتز أو يرن عندما لا يكون كذلك، وتسمى أيضًا بالصوت أو القلق أو الخنصر الزائف، وهو شكل من أشكال الهلوسة اللمسية، حيث يتلقى الدماغ إشارات غير موجودة. وعادةً ما يتسبب قضاء الوقت المفرط مع الهواتف في حدوث هذه المتلازمة، وتبدأ في الظهور عادةً بعد شهر إلى عام من الاستخدام المفرط.
ويشتكي البعض من سماع الاهتزازات يوميًّا، بينما قد يعاني البعض الآخر منها من حين لآخر أو مرة كل أسبوعين. ويمكن للمرء إيقاف تشغيل اهتزاز الهاتف أو تغيير نغمة الرنين لتجنب ذلك.
“نوموفوبيا – Nomophobia”: يقصد بها رهاب اختفاء الهاتف المحمول أي الخوف من عدم وجود هاتفك، أو القدرة على استخدامه، وتكون المعاناة من ذلك الرهاب شديدة لدرجة أنها قد تبدأ في التأثير على حياة المرء اليومية.
ويعتقد البعض أن نوموفوبيا هو إدمان الهاتف، ويمكن أن تشمل أعراضه تهيجًا أو توترًا أو قلقًا أو ذعرًا بسبب عدم القدرة على العثور على الهاتف، والشعور بضيق في الصدر، وزيادة التعرق والتنفس أيضًا.
ويميل المصابون بالنوموفوبيا إلى اصطحاب هواتفهم في كل مكان – حتى في الحمام – كي يتمكنوا من فحص الهواتف باستمرار، كما أنهم يشعرون بالعجز من دونها، فيقضون جزءًا كبيرًا من اليوم مع الهاتف.
“فومو- FOMO”: قلق اجتماعي متجذر في حقيقة أن الشخص قد يفقد متعة أو حدثًا مهمًا عندما لا يكون حاضرًا، وهو ما يجعل الأشخاص نشطين اجتماعيًّا طوال الوقت. وتؤدي شبكات التواصل الاجتماعي إلى تفاقم حالة الخوف من الفومو، والتي يمكن أن تؤدي إلى إدمان الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، كما تؤثر على الرفاهية النفسية والمزاج والأهداف طويلة المدى والرضا عن الحياة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت مجموعة من الأمراض الاجتماعية، التي يتطلب علاجها حزمة من الإجراءات على رأسها التوعية بطرق الاستخدام النافعة لتلك المنصات، ووضع قيود زمنية على استهلاكها، وإدراك حقيقة الطابع الترويجي لتلك المواقع للحد من التداعيات السلبية لتصفح الحسابات على نفسية المستخدمين، وكذلك الحذر عند التعامل مع المعلومات عبر منصات التواصل، والحرص على مراجعتها للتأكد من صحتها، وعدم الانسياق دون تفكير وراء ما ينشر على تلك المواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى