تقارير

“الوباء المعلوماتي” على منصات التواصل الاجتماعي

أدت مواقع التواصل الاجتماعي إلى سرعة انتشار وتداول المعلومات والأخبار -سواء الصحيحة أو الزائفة – بين مستخدمي تلك المنصات، وارتبط اعتماد المستخدمين على تلك المواقع كمصدر للمعلومات بعدد من السمات أبرزها إهمال التحقق، والتداول للمحتوى دون تفكير، فيتحول إلى ما يشبه كرة الثلج التي تكبر وتتضخم، فينتشر ذلك المحتوى سريعًا كالعدوى.
ولم يكن من المستغرب أن تشكل الأزمات الصحية العالمية البيئة المواتية لنشأة مصطلح “وباء المعلومات- Infodemic”، فكانت بداية ظهوره إعلاميًّا في عام 2003 مع انتشار مرض المتلازمة التنفُّسية الحادَّة الشَّديدة (السارس)، ثم عاد المصطلح مجددًا للاستخدام على الساحة في عام 2020 مع انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، وما ارتبط به من شائعات وخرافات وأخبار زائفة.
ويعتبر وباء المعلومات مزيجًا من المعلومات والوباء الذي يشير عادةً إلى انتشار سريع وبعيد المدى للمعلومات الدقيقة وغير الدقيقة حول شيء ما، فحينما تختلط الحقائق والشائعات، وتسيطر المخاوف، يصبح من الصعب معرفة المعلومات الأساسية الصحيحة حول القضية محل النظر.
جذور مفهوم وباء المعلومات
لا يعتبر مفهوم وباء المعلومات شيئًا جديدًا، فحتى في العصور الوسطى عندما انتشر “الطاعون الدبلي” الذي وصف بـ”الموت الأسود”، كان هناك العديد من حالات التضليل والأخبار الزائفة، ولكن اليوم بات انتشار المعلومات الزائفة بشكل سريع، وتأثيرها أصبح أقوى بفعل وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات الرقمية، الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى طرح تعريف لـ”وباء المعلومات- Infodemic” بأنه “سيل جارف من المعلومات على شبكة الإنترنت وخارجها، يتضمن محاولات متعمدة لنشر معلومات خاطئة؛ بهدف تقويض الاستجابة في مجال الصحة العامة، وخدمة أهداف بديلة جماعية أو فردية. وهذه المعلومات الخاطئة والمضللة من شأنها أن تؤدي لإلحاق الضرر بصحة الناس الجسدية والنفسية، واستفحال ممارسات الوصم، وتهديد المكاسب الصحية الثمينة، وتشجيع عدم التقيد بتدابير الصحة العامة، مما يحد بالتالي من فاعليتها، ويهدد قدرة البلدان على وقف مسار الجوائح.
ويمكن قياس هذا المفهوم أيضًا على مختلف المجالات، فهذا الوباء ليس قاصرًا على أمور الصحة، بل يمتد ليشمل النطاق السياسي والاجتماعي والديني وحتى التسويقي، فبرغم اختلاف المجال فإن الأثر المستهدف واحد يتمثل في إيجاد حالة من التخبط والتشكك لدى الرأي العام.
وفي هذا الإطار، يمكن استخلاص مجموعة من السمات الرئيسية لوباء المعلومات، تتمثل في أنه استثمار في الخوف والرعب والتهويل والقلق، عبر نشر كم كبير من المعلومات حول مشكلة ما مما يجعل من الصعب تحديد حل لها، فضلًا عن توجيه وعي الأفراد إلى وجهة معينة عبر استغلال حالة التشويش والتضارب والغموض.
وتوجد ثمة ثلاثة دوافع أساسية لنشر المحتوى أو المعلومات المضُللة؛ فقد تكون سياسية أو مالية أو اجتماعية ونفسية. فالدافع السياسي يكون انعكاسًا لجهود طرف داخلي أو خارجي في التأثير على الجمهور وتوجيه الرأي العام. أما الدافع المالي فيظهر في إنشاء مواقع أو حسابات تبث أخبارًا زائفة لاستقطاب الزوار وجني الأرباح من خلال نقرات المستخدمين التي تشكل عنصر جذب للمعلنين. وبالنسبة للدوافع الاجتماعية والنفسية، فتعني أن نشر المعلومات الكاذبة يكون مدفوعًا بالرغبة في إثارة الجدل والفضول، ومتابعة أصداء تلك الحالة ومدى تأثيرها.
أدوات التحقق من صحة المعلومة
طرحت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الخطوات لاتباعها في مواجهة سيل المعلومات المضللة، في مقدمتها التحري من المصدر، ويعني التدقيق في مصدر المعلومة لضمان صحتها، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه للتعرّف على الحسابات الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا بد من تفحص مدة نشاط الصفحات وعدد متابعيها وآخر منشوراتها.
وبالنسبة للصور، يمكن استخدام أدوات البحث العكسي عن الصور التي يتيحها محرك بحث جوجل، وأيضًا محرك البحث عن الصور “تن آي- TinEye”، أما بالنسبة لمقاطع الفيديو، فيمكن استخدام أداة “Youtube DataViewer”.
ومن بين أدوات التحقق أيضًا عدم الاكتفاء بالعناوين الرئيسية التي تُصاغ أحيانًا بشكل مثير أو استفزازي عن عمد، بغرض جلب عدد كبير من القراء، لذا لا بد من الاطلاع على المحتوى كاملًا.
بالإضافة إلى التعرف على الكاتب للبحث عنه والتحقق مما إذا كان جديرًا بالثقة، وكذلك التحقق من التاريخ وحداثة القصة وعلاقتها بالأحداث الراهنة، فضلًا عن فحص البيانات الداعمة، مثل اقتباسات الخبراء أو روابط إحصاءات أو دراسات.
وتتضمن الأدوات أيضًا الاستعانة بخبراء تحري الحقائق، إذ توجد مؤسسات موثوقة لتحري الحقائق، مثل الشبكة الدولية لتحري الحقائق، ووكالات الأنباء العالمية التي تسلط الضوء على المعلومات المغلوطة، مثل وكالة الصحافة الفرنسية ورويترز وأسوشيتد برس.
أدوار لازمة لمكافحة وباء المعلومات
يُشكّل وباء المعلومات في ظل التكنولوجيا الرقمية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي خطرًا محدقًا باستقرار المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء، وهو ما يستلزم تحركًا من كافة الأطراف الفاعلة في المجتمعات، فهذا الوباء يحتاج إلى وسائل إعلام تُعلي من قيم المهنية، وصحفيين متمكنين من أدواتهم لإظهار الحقائق وكشف المعلومات الزائفة، وأيضًا لعدم السقوط في فخ التضليل والإسهام في انتشاره دون وعي، فالإعلام حصن أساسي في مواجهة الوباء المعلوماتي.
كما يأتي دور السلطات المعنية في كل دولة لتقوم بتعزيز منظومة التشريعات التي تتصدى لتزييف المعلومات ونشر الشائعات، وكذلك تنظيم برامج وحملات توعوية للجمهور، فضلًا عن بلورة أُطر للتعاون مع شركات التكنولوجيا المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي من أجل تطبيق أفضل المعايير لرصد وإزالة المحتوى الزائف والمضلل.
وأخيرًا، يبقى القول إنه من الأهمية بمكان وضع ملف التصدي لوباء المعلومات على رأس أولويات الأجندة المجتمعية، ودراسة وتحليل كافة تحورات هذا الوباء الذي يتخذ أكثر من شكل، فقد يقوم على نشر شائعات أو خلط بين معلومات صحيحة وأخرى مغلوطة أو استخدام معلومات صحيحة مع الاستدلال بها في غير موضعها مما يحدث نتيجة خاطئة.

زر الذهاب إلى الأعلى