ترجمات

تأثير الاستخدام اليومي لمواقع التواصل الاجتماعي على الحالة المزاجية لكبار السن

توفر وسائل التواصل الاجتماعي متنفسًا يُمكّن المستخدمين من استهلاك وإنشاء ومشاركة المحتوى فيما بينهم إما في الوقت الفعلي أو بشكل غير متزامن. وعلى الرغم من أن كبار السن يشكلون أقل فئة عمرية بين مستخدمي تلك المنصات، فإن نسبة كبار السن الأمريكيين على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة على سبيل المثال فيسبوك وتويتر قد ازدادت بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، حيث يستخدم معظم رواد المنصات الاجتماعية بما في ذلك كبار السن، خدمات الشبكات الاجتماعية عدة مرات على الأقل في الأسبوع إن لم يكن بشكل يومي، وفقا لمركز بيو الأمريكي للأبحاث.
ورغم اختلاف نمط وطبيعة الاتصال القائم على التقنيات الرقمية هيكليًّا ووظيفيًّا عن الاتصال غير المرتبط بالإنترنت، فإن هناك القليل من الأبحاث التي تناولت كيفية تفاعل التجارب الاجتماعية عبر الإنترنت مع البيئة الاجتماعية والمساهمة في رفاهية كبار السن.
وفي هذا الإطار، بحثت دراسة أجرتها جامعة تكساس في الارتباط بين الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي والرفاهية العاطفية اليومية واللقاءات الاجتماعية اليومية، وهيكل الشبكة الاجتماعية، واستندت الدراسة إلى عينة مكونة من 313 شخصًا، حيث استخدمت بيانات من التجارب اليومية والتقييم اللحظي البيئي (EMA) للتجارب الاجتماعية والعاطفية لكبار السن كل 3 ساعات من ساعات استيقاظهم، فمن خلال جمع البيانات في الوقت الفعلي يقدم التقييم اللحظي البيئي صورة أكثر شمولاً للحياة اليومية للمستجيبين مقارنة بطرق المسح التقليدية.
وسائل التواصل الاجتماعي والرفاهية العاطفية اليومية
يُعد المراهقون والشباب الأكثر استخدامًا لمواقع الشبكات الاجتماعية المختلفة، إذ تشير العديد من الدراسات إلى فوائد وأضرار الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي في هذه الفئات العمرية، فعلى صعيد الفوائد يمكن أن توفر المنصات الاجتماعية فرصة للتعبير عن الذات، والوصول إلى شبكة دعم الأقران، وتسهل التفاعلات الاجتماعية بين الأفراد الذين يواجهون صعوبات في التفاعل وجهًا لوجه.
وفي المقابل، هناك قلق واسع النطاق بشأن الضرر المحتمل الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين والشباب، كخطر للإدمان والقلق والاكتئاب والضيق النفسي ربما بسبب المقارنات الاجتماعية؛ فغالبًا ما تعرض المحتويات التي ينشئها المستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي صورة جمالية ومثالية للغاية، مما يثير مشاعر سلبية عند المقارنة.
ومن المحتمل أن تكون الآثار المترتبة على الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي على الرفاهية العاطفية أكثر إيجابية لكبار السن مقارنة بالشباب، إذ تشير الدراسات السابقة إلى أن الآثار العامة لاستخدام تكنولوجيا الاتصال تبدو أكثر إيجابية بالنسبة لكبار السن منها بالنسبة للشباب. فوفقًا لإطار تكامل القوة والضعف، أبلغ كبار السن عن انخفاض مستوى المشاعر السلبية وارتفاع المشاعر الإيجابية لأنهم يتبنون استراتيجيات لتقليل التعرض للتجارب السلبية وإعادة تقييم وضعهم على أساس يومي، إذ يميل كبار السن إلى اختيار الأنشطة عبر الإنترنت والحد منها من أجل تعزيز التجارب الإيجابية وزيادة المشاركة الاجتماعية، فاستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي يحفزهم بشكل أساسي لتحقيق أهداف ذات مغزى اجتماعي وعاطفي.
الشبكات الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
تتضمن الروابط الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت لكبار السن لقاءات اجتماعية تحدث على أساس يومي، حيث يؤثر هذا التفاعل الاجتماعي الشخصي على الرفاه النفسي لكبار السن بشكل يتجاوز أنماط الاتصال الأخرى، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الوحدة والاكتئاب.
وتعتبر الاتصالات الهاتفية تقنية الاتصال الأكثر استخدامًا لكبار السن عندما يتعلق الأمر بالتفاعلات الاجتماعية اليومية مع العائلة والأصدقاء، مما يسمح لهم بالتغلب على القيود الجغرافية، لكن من المهم أيضًا مراعاة الهيكل العام للشبكة الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت، مثل عدد الروابط الاجتماعية وتنوعها، فعلى الرغم من أن حجم الشبكة الاجتماعية يتناقص عمومًا مع تقدم العمر بسبب فقدان الروابط المحيطة، فإن عدد الروابط الاجتماعية الوثيقة عاطفيًّا يظل مؤشرًا مهمًّا على الرفاه العاطفي لكبار السن.
وبالتالي تفترض الدراسة أن يبلغ كبار السن عن مزاج يومي أكثر إيجابية وأقل سلبية في الأيام التي تشهد لقاءات اجتماعية يومية أكثر، مقارنة بالأيام الأخرى ذات اللقاءات الاجتماعية اليومية الأقل، وبالمثل الأفراد الذين لديهم شبكة اجتماعية أكثر تنوعًا وأكبر حجمًا سيبلغون عن مزاج يومي أكثر إيجابية وأقل سلبية، مقارنةً بالأفراد الآخرين الذين لديهم شبكة اجتماعية أقل تنوعًا وأصغر حجمًا.
وتشير الدراسة إلى أن الدافع الرئيسي لاعتماد العديد من كبار السن على وسائل التواصل الاجتماعي هو شكل من أشكال التضامن الرقمي مع أفراد الأسرة الأصغر سنًّا، مما يعني أن كبار السن يعتمدون على روابطهم الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت (مثل الأحفاد) للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها بنشاط .
نتائج الدراسة
تُظهر النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن كبار السن أبلغوا عن مزاج سلبي أقل في الأيام التي يزداد فيها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات الشخصية، وتدعم هذه النتيجة الوظيفة التكميلية للاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي، أي منح فوائد عاطفية في الأيام التي تشهد لقاءات شخصية كثيرة، وتشير إلى أن الفوائد الرئيسية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد تكمن في إثراء اللقاءات الشخصية الموجودة بالفعل في الحياة اليومية لكبار السن. وكمثال توضيحي، يمكن أن يكون استخدام الشبكات الاجتماعية لعرض صور التطور اليومي للأحفاد بمثابة بداية لمحادثة إيجابية.
وخلصت الدراسة إلى أن العلاقات المحيطة هي مصدر أساسي للدعم الاجتماعي الذي يعزز تنوع الشبكات الاجتماعية ومستويات النشاط البدني في الحياة. وبالنظر إلى أن كبار السن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في المقام الأول للبقاء على اتصال مع أفراد الأسرة، فإن هذا الاكتشاف يسلط الضوء على الفوائد العاطفية للانخراط في التفاعلات اليومية مع الروابط الاجتماعية المتنوعة في الحياة.
وبالنسبة للهيكل العام للشبكة الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت، وجدت الدراسة أن الأفراد الذين لديهم شبكة اجتماعية أصغر نسبيًّا أبلغوا عن مزاج أكثر إيجابية في الأيام التي يزداد فيها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لم يكن هذا هو الحال بالنسبة للأفراد الذين لديهم شبكة اجتماعية أكبر. ويميل كبار السن إلى امتلاك شبكة أصدقاء أصغر عبر الإنترنت تتطابق مع أصدقائهم الفعليين غير المتصلين، مما يعكس احتياجاتهم الاجتماعية وأهدافهم لإعطاء الأولوية للعلاقات الاجتماعية الوثيقة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن التطورات التكنولوجية غيرت بشكل جذري الطرق التي ينشئ بها الأفراد روابط اجتماعية ويتناقلون بها الأفكار يوميًّا، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي موردًا لا يُقدّر بثمن للاتصالات الاجتماعية ونشر المعلومات، وهو ما اتضح عندما قللت تدابير التباعد الاجتماعي بشكل كبير من التفاعلات الاجتماعية الشخصية خلال تفشي وباء كورونا.
وفي حين تم تسجيل ارتفاع ملحوظ في استخدام كبار السن لوسائل التواصل الاجتماعي وأنواع أخرى من التواصل عبر الكمبيوتر، فإن فهم كيفية تأثير هذه الأشكال الجديدة من التفاعل الاجتماعي على التجارب اليومية لكبار السن محدود، لذلك شكّلت هذه الدراسة إسهامًا على صعيد الأدبيات من خلال التحقيق في الارتباطات بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والرفاهية العاطفية لكبار السن.
ومن الأهمية بمكان إجراء مزيد من الدراسات حول استخدامات كبار السن لمواقع التواصل الاجتماعي، من منظور الحاجات والإشباعات المتحققة لهم.

زر الذهاب إلى الأعلى