قراءات

تدشين آلية التشاور السياسي المصري الخليجي في الرياض.. قراءة تحليلية

في خطوة جديدة على طريق تعزيز العلاقات الخليجية المصرية، ومأسسة شراكتهما الاستراتيجية، تم تدشين آلية التشاور السياسي المصري الخليجي في الرياض عاصمة للقرار العربي والعنصر المشترك في علاقات التعاون والتنسيق العربي المشترك.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قام بزيارة إلى المملكة يوم الأحد 12 ديسمبر الجاري شارك خلالها مع نظرائه بدول مجلس التعاون الخليجي في تدشين “آلية التشاور السياسي” بين مصر ودول المجلس، التي تأتي استمرارًا لمسيرة العلاقات المصرية الخليجية الراسخة، وما تتسم به من عمق ومتانة على مختلف المستويات؛ إذ تعكس الآلية حرص الجانبين على دورية التنسيق والتشاور بينهما، لا سيما تجاه التحديات المشتركة التي تُواجه المنطقة العربية، وما يقتضيه ذلك من توحيد الصف.

ووفقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية فإن الوزير سامح شكري أكد خلال الاجتماع أن أمن الخليج وبلدانه “جزأ لا يتجزأ من أمن مصر”، مشددًا على “ضرورة تكثيف التنسيق إزاء التحديات غير المسبوقة في المنطقة”.

من جانبه، قال معالي وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن التنسيق بين دول الخليج ومصر عنصر أساسي في استقرار المنطقة، مُشيرًا إلى أن القمة الخليجية التي ستستضيفها الرياض تأتي في وقت دقيق وحساس، وستناقش عدة قضايا لا سيما أمن المنطقة.

ونوه بأن التعاون والتنسيق والتشاور بين الدول الخليجية ومصر قائم بالفعل ومستمر، وأن ما يحدث مجرد مأسسته.

أما أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف فأكد بعد الاجتماع الوزاري الخليجي المصري أن “العلاقات الخليجية المصرية ركيزة الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وأوضح مجلس التعاون الخليجي في بيان أن اجتماع وزراء خارجية دول المجلس مع وزير الخارجية المصري تناول العلاقات بين الجانبين وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، وأضاف البيان أنه تم استعراض التطورات والقضايا ذات الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث عكست المباحثات تطابق وجهات النظر إزاء هذه القضايا.

نمط جديد من التنسيق والتعاون

شهدت السنوات القليلة الماضية التوسع في نمط جديد من أنماط تنسيق السياسات الخارجية  بين دول المنطقة، وتعتبر السعودية ضلعًا مشتركًا رئيسيًا فيه، حيث عملت المملكة على تعزيز العلاقات العربية الثنائية عبر مجالس تنسيقية، وكذلك الاهتمام بالعلاقات متعددة الأطراف، وتكفل تلك الأطر الحفاظ على الحوار واللقاءات المستمرة بين الدول لتوحيد الرؤى ومسارات التحرك على مختلف الأصعدة إقليميًا ودوليًا وتوظيف ما تمتلكه كل دولة من مقدرات وأوراق ضغط من أجل التغلب على التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة سواء كانت تحديات سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو استراتيجية.

وفي هذا الإطار، تأتي أهمية العلاقات التاريخية الراسخة بين الدول الخليجية ومصر، والتي تقوم على الاحترام والتقدير المتبادل للأهمية الاستراتيجية لكل منهما بالنسبة للجانب الآخر، حيث تجمع مصر بين مزيج فريد من عناصر القوة الصلبة والناعمة، فهي القوة البشرية والعسكرية الأكبر في العالم العربي وتتمتع بتأثير ثقافي وفكري كبير. ولا يرتبط الدور المصري تجاه أمن الخليج العربي بالبعد الجغرافي فقط بل يتعداه إلى الواقع الاستراتيجي الذي ينهض على وحدة الهدف والمصير، وقد أكدت القيادة السياسية المصرية ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا أن أمن الخليج خط أحمر وجزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، كما دشن الرئيس السيسي مبدأ في السياسة الخارجية المصرية “مسافة السكة”، والذي أشار فيه إلى تحريك القوات المصرية فورًا حال تعرضت منطقة الخليج العربي ودولها الشقيقة لأي اعتداء.

وفي الوقت نفسه تشكل دول الخليج العربي قوة اقتصادية جبارة على مستوى العالم أجمع وتتركز بها معظم ثروة العالم العربي النفطية وتشغل موقعاً جغرافيا استراتيجيا يضاعف من الأهمية الجيوسياسية لدول الخليج؛ كما تكتسب منطقة الخليج العربي أهمية بالغة بالنسبة للأمن القومي المصري تفرضها الاعتبارات الجيواستراتيجية والمتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة.

فلسفة السياسة الخارجية السعودية

تنطلق المملكة في سياساتها الخارجية من ركائز استراتيجية أساسية، تتمثل في:

الندية والاحترام المتبادل.

تحقيق مصالح الشعب السعودي.

عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

الانفتاح على الجميع بما يُحقق مصالح السعوديين، ولا يضر بالشركاء والأصدقاء.

تعزيز العمل الخليجي والعربي المشترك.

وفي ظل ما تشهده المنطقة من تحديات كبيرة تتعلق بتهديدات إقليمية وتوترات داخلية في بعض الدول، ومساعي بعض الأطراف لمصادرة القرار الوطني في هذه الدول، فقد كثّفت المملكة العربية السعودية من جهودها للم الشمل الخليجي والعربي من أجل توحيد الصف وتنسيق المواقف والتعاون لمواجهة تلك التحديات.

وقد تمثّلت تلك الجهود في عدد من المحاور، أهمها:

العمل على التوصل لحلول سياسية في الدول التي تشهد صراعات وعدم استقرار مثل ليبيا وسوريا.

مساعدة الحكومة اليمنية الشرعية على استعادة سيطرتها على البلاد بعد انقلاب ميليشيا الحوثي.

مد يد العون للعراق من أجل العودة إلى الحاضنة العربية والتخلص من النفوذ الإيراني.

تقديم الدعم للشعب اللبناني لاستعادة مؤسسات الدولة لقرارها بعيدًا عن سيطرة ميليشيا حزب الله الموالية لطهران.

مساندة الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه العادلة.

ولا ننسى الدور الهام والمحوري الذي قامت به المملكة للوقوف بجانب الشقيقة مصر لتستعيد عافيتها عقب ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين.

إضافة إلى ذلك، فقد حملت السعودية على عاتقها مسؤولية استعادة اللحُمة الخليجية، حيث مثّلت قمة العُلا التاريخية التي استضافتها المملكة في 5 يناير 2021م طي صفحة الخلافات الخليجية وبدء مرحلة جديدة من التعاون والحوار والتنسيق المشترك.

ولا يُمكن النظر إلى آلية التشاور السياسي بين مصر ودول الخليج بمعزل عن مخرجات قمة العُلا، إذ لم تشهد القمة مجرد إنهاء الخلافات بين الأشقاء العرب، بل كانت بمثابة خارطة طريق ومنهجية للعمل العربي المشترك مستقبلًا، وذلك بعدما نجح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد – حفظه الله – من وضع وتثبيت أسس العلاقات العربية التي يجب أن تتجاوز الخلافات وأن يكون الحاكم الرئيسي فيها هو تغليب مصالح الشعوب والدول، والتنسيق والتعاون والتوافق في الرؤى العربية حول مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية.

وقد ظهر جليًا منذ قمة العُلا التاريخية، إصرار سمو ولي العهد على أن تكون القمة بداية لانطلاقة قوية للعمل العربي والخليجي المشترك وليست نهاية المطاف؛ فما حدث في القمة لم يكن غاية بل وسيلة لغايات أكبر وأعمق وأكثر فائدة للعمل العربي المشترك، ولذلك استهدفت الجولات التي قام بها سموه إلى دول مجلس التعاون الخليجي الخمس، والاتصالات المستمرة بينه وبين القادة والزعماء العرب وخصوصاً الخليجيين لتعزيز وتثبيت آليات التعاون وتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى حيال مختلف القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة، من أجل بلورة موقف عربي موحد ومتوافق إزاءها.

وإجمالًا.. يمكن القول إن المملكة العربية السعودية تقود الجهود من أجل تحقيق مفهوم الخليج الواحد، والمصير المشترك، وتعزيز العمل الخليجي والدفع به نحو آفاق أرحب، والبناء على ذلك من أجل تعزيز الإطار الأوسع المتمثل في العمل العربي المشترك بانضمام الدول الشقيقة في المنطقة وعلى رأسها جمهورية مصر العربية.

ويتمثل الهدف الرئيسي للمملكة وقيادتها الرشيدة – حفظها الله – في ضمان الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وتحقيق الرفاه والازدهار لشعوبها. وهذا الهدف السامي ينطلق من الدور القيادي التاريخي والمحوري الذي تقوم به السعودية على مر تاريخها في خدمة قضايا العالم العربي، وتم تجسيده في المواقف المشرفة والسياسات الحكيمة والمبادرات الرائدة التي تبذلها صونًا للأمن القومي العربي، وتصديًا للتدخلات الخارجية من جانب بعض الأطراف التي تسعى لتنفيذ مخططات ومشاريع تخريبية لاستهداف أمن وسلامة الدول العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى