لعبت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة دورًا مؤثرًا في تهديد الصحافة وكذلك القواعد المهنية المعمول بها في الإعلام لأنها تسمح لكل مواطن أن يصبح صحافيًا يجمع الأخبار ويحررها وينشرها بغض النظر عن مصداقيتها، كما تُعبر الكثير من المضامين التي تبثها صحافة المواطن عن أيديولوجياته وآرائه وتنسحب بتعبيراته الخاصة دونما مراعاة للأسلوب والقواعد الصحافية.
وعلى الرغم مما تعانيه صحافة المواطن من بعض الإشكاليات والتي ربما تجعل منها وسيلة تستخدم للتشويه وقلب الحقائق من قبل البعض لتحقيق أهداف خبيثة فإنها تبرهن على أن لها تأثيرًا فعالاً وحيوياً في ظل الوعي الذي تتمتع به غالبية الشعوب وقدرتها على فهم وربط محاور الرسالة التي تقدمها صحافة المواطن، وهو ما تناولته الكاتبة والمحللة السياسية بينة الملحم في ورقة علمية بعنوان صحافة المواطن والاختراق الأيديولوجي “المشهد السعودي نموذجًا”، نستعرضها على النحو التالي:
صحافة المواطن في المملكة
ارتبطت صحافة المواطن بمفهومها الحالي بالإنترنت وجوالات الكاميرا، وقد أخذت رواجًا أكبر مع ظهور الشبكات الاجتماعية، وزادها مصداقية توثيق الحسابات، وإن كانت الحسابات غير الموثوقة التي تخلط بعض الحقيقة بكثير من الباطل وتلعب على التوقعات يصدقها كثير من السعوديين بل والكثير من الصحفيين الغربيين وإن لم يفصحوا بذلك.
وتعتبر المدونات والمنتديات البداية الفعلية لصحافة المواطن السعودي حيث كانت بدايتها ما بين عام 1999-2000م، ثم تطورت وأصبحت تستقطب عددًا كبيرًا من أفراد المجتمع الذي أصبح يعتمد عليها بشكل كبير، حيث شكلت الخطوة الأولى للانسحاب من الإعلام التقليدي إلى إعلام المواطن حتى بدأت الشبكات الاجتماعية (كفيسبوك وتويتر وإنستغرام بعدها بالظهور)، وأخذت تنافس المدونات حتى تغلبت عليها مع ظهور الهواتف الذكية ذات التطبيقات المتعددة. وتعد هذه التطبيقات اللاسلكية المعبر إلى عالم جديد من البيانات المتحركة مثل خدمات (الطقس، الرياضة، الأخبار، التسوق، التسلية، الترفيه، الخدمات المصرفية، أخبار البورصة)، كل ذلك وغيره يتم توفيره من خلال الهواتف الجوالة.
صحافة المواطن السعودي بين الواقع والممارسة
شهد المجتمع السعودي في العقدين الأخيرين انفتاحًا واسعًا على استخدام وسائل الإعلام الجديد، التي تميزت بالعدالة الاجتماعية مع الجميع، وأتاحت لمستخدمها الحرية في التعبير وتداول الأحداث المختلفة في الكيفية والزمان التي يريدهما، وقد أدت هذه الظاهرة لإنتاج محتوى ضخم وثري، ويتسم بسمتين مهمتين، أولهما أنه يعطي المستخدم القدرة على اكتشاف أو تقديم محتوى جديد دون قيود، وثانيهما أنها قدمت صناع رأي وقادة فكر جدد لم يكونوا معروفين في السابق أو لم تتح لهم الفرصة للتعبير عن أفكارهم أيًا كانت هذه الأفكار من حيث أهميتها ومستواها.
وعليه يمكن القول إن هناك واقعًا ممارسًا لصحافة المواطن السعودي في ظل تطور برامج التواصل وأدوات الاتصال والتوثيق حتى صارت صحافة المواطن هي المصدر الأول للخبر ليس فقط للمتلقي، ولكن كذلك كمصدر للصحافة التقليدية المنافسة لها، وارتبطت ثقة الناس بهذه الصحافة بشعورهم أنها صحافة تنبع منهم والكل ممثل لها. وكذلك فإن الشعور بالأمان من الملاحقة القانونية والمحاكمة المهنية للخبر يجعل الجميع يساهم بها حتى لو تجاوز ذلك مهنية العمل الصحفي.
ويبقى سناب شات هو المنصة الأبرز في تقديم شيء يشابه صحافة المواطن، لكنه مرتبط بفرد ورأيه حول أمر تقني أو سياسي أو رياضي، وهو في هذا صحافة رأي وتعليق على الأحداث لديها ستار خفيف من المصداقية، فتجد الكثير من المتابعين للشخص الذي يمارس صحافة المواطن عبر سناب شات مستعدين للنيل منه بمجرد قيامه بإعلان فج أو ظهور أي فضيحة تمسه، لذلك فحتى عدد المتابعين في سناب شات ليس دليل “محبين -fans” لكنه بالتأكيد مؤشر على “الشعبية- Popularity”.
العلاقة بين الصحافة التقليدية وصحافة المواطن:
لا خلاف أن مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت تطورًا كبيرًا ليس فقط في تاريخ الإعلام وإنما في حياة الأفراد والمجتمعات والدول على كافة المستويات، إذ جاءت لتشكل عالمًا افتراضيًا يفتح المجال على مصراعيه للأفراد والكيانات بمختلف أنواعها، لإبداء آرائهم ومواقفهم في القضايا المختلفة بحرية غير مسبوقة، فقد أنهت ثورة الاتصال الجديدة عددًا من المفاهيم كهرمية الاتصال وحارس البوابة وأحادية مصدر الرسالة واستحدثت بالمقابل عددًا من المفاهيم الجديدة مثل الوسائط الرقمية والمجتمعات الافتراضية والتشبيك الاجتماعي وغيرها من المفاهيم الأخرى، التي تدل في مجملها على مدى الوفرة والتنوع في وسائل الاتصال، وأنها أصبحت منافسًا وندًا قويًا للصحافة الورقية نتيجة لما تتميز به من سرعة وحرية ومرونة وسهولة اتخاذ القرار وغير ذلك.
وقد تجاوزت صحافة المواطن الصحافة التقليدية في كثير من الأحيان، لا سيما وأن الصحافة التقليدية بقيت ضمن أطرها المهنية وعدم قدرتها على التفاعل السريع مع الأخبار نقلًا وتحليلًا، بل أصبحت مادة الصحافة التقليدية مستقاة من صحافة المواطن. وبينما نقلت صحافة المواطن التفاعلات مع الخبر في توقيت حدوث، فإن الخبر ينقل باهتًا مجردًا من صيغته التفاعلية في الصحافة التقليدية.
التوظيف السياسي لصحافة المواطن من خلال الاختراق الأيديولوجي
مثّل ما يسمى بالربيع العربي لحظة طموح للأنظمة التي تعادي المملكة العربية السعودية وعدة دول عربية وعلى رأسها مصر، وبدت فرصة لمحاولة استهداف المملكة وسمحت لفرد سجادة إخوانية على طول الشمال الإفريقي، لكن بالنسبة للدول العربية في آسيا حاولت إيران إسقاط النظام في البحرين وسمح لها غزو العراق بالدخول في أعمق التفاصيل العراقية، وكذلك مثلت الثورة السورية فرصة للتمدد الإيراني في سوريا وتغيير ديموغرافيتها لتكون مناطق شيعية بالكامل حتى لو لم يكن سكانها سوريين، بالإضافة إلى اليمن الذي مثل بشكل أو بآخر نقطة التقاء مشروع ولاية الفقيه مع مشروع الإخوان المسلمين.
وقد اعتمدت دول عدة على رأسها إيران إضافة إلى أدواتها من الجماعات والتنظيمات الإرهابية المعادية على استراتيجية إعلامية بالدرجة الأولى تستهدف خلخلة المجتمع السعودي، لكن توقيت ما سمي بالربيع العربي كان يواكب ازدهارًا اقتصاديًا في المملكة مع استشعار المواطنين لنعمة الأمن والأمان والاستقرار وهم يرون ماذا صنع غياب الأمن والأمان بالدول العربية، مدركين أن النظام في المملكة هو أفضل نظام عربي وأكثره عدالة وتوزيعًا للتنمية بين المناطق، وهذا ما جعل هذه الحملات تفشل فشلًا ذريعًا.
كما ظهر في تلك الفترة دور الحسابات الوهمية وتحويل القضايا المجتمعية إلى ترند، وبرزت أيضا حسابات الحركيين الذين كانوا يقدمون خطابًا يدعون أنه إصلاحي يهدف لخير المملكة ولكنه يتضمن انتقادات للقرارات الاقتصادية ومحاولة تعطيل تصدي المملكة للإرهاب عبر القيام بحملات تنادي بالعدالة وبحرية الرأي عن متهمين بالإرهاب بل حاولوا في لحظات نقل هذا الحراك للشارع، لكن لم يكن لهذا الحراك أي شعبية.
وكان الهدف الرئيسي لهذه الآلة الإعلامية هو صناعة حنق شعبي وزراعة حالة من عدم الرضا عن أي قرار حكومي، وكان من السبل لذلك الاقتتات على مواطن الخلل الحكومي، ولعل من أبرز الأمثلة سيول جدة التي كانت هناك أصوات وطنية تنتقد التقصير، لكن في الوقت ذاته كانت هناك أدوات إعلامية تحول تلك القضايا من التقصير إلى خانة الفساد بقصد أذية المواطن.
صحافة المواطن السعودي في حرب المملكة الإعلامية
كان للسعوديين على الشبكات الاجتماعية دور كبير في تنمية الوعي، فإذا كانت صحافة المواطن قد لعبت دورًا تخريبيًا وتنظيميًا في ما يسمى بـ”الربيع العربي” فهذا يعكس خطورة وأهمية صحافة المواطن في الوقت ذاته، وأنها وإن بدت عفوية شخصية، فهي يمكن أن تنظم وتوجه ضمن تيار شعبوي فوضوي جارف، فكانت النتيجة أن ذلك خلق وعيًا جديدًا في صحافة المواطن وبالذات السعودي، واستطاع هذا الوعي الوطني الجديد أن يقود هذا النوع من الصحافة.
فقد كان توثيق الأعمال الوحشية للإرهاب الذي استهدف الوطن أكثر تأثيرًا وبلاغة من المفردات والحجج التي يمكن أن تساق مقاليًا – في الصحافة التقليدية- ضد هذه الأعمال، كذلك الوعي المتماس مع التيارات التخريبية والقوى السياسية جعله يصطاد بشكل سريع ومباشر أخطاءه التكتيكية وزلاته اللغوية والفكرية، وكشف حجم التناقضات في خطاب الجهات المعادية وأدواتها بما فيها صحافة المواطن لديهم.
وما كان لهذا الدور الكبير للصحفي المواطن أن يكون لولا الشعور بالمسؤولية والانتماء والقناعة الحقيقية بما يدافع عنه، لا سيما أنه غير مثاب ماديًا كمدافع وغير معاقب إن لم يفعل، لكنه دور يلعبه انطلاقا من مبدأ وقناعة، وهذا ما جعل صحافة المواطن السعودي جدية فاعلة ملتزمة.
فكان تفاعل الحسابات الوطنية على قدر المسؤولية، ومارس المغردون حقهم في التعبير النابع من ذواتهم تجاه وطنهم وأنشأوا الهاشتاقات المتعددة في تويتر حُبًّا في الوطن وللدفاع عنه، وهنا يثار تساؤل هل كانت حسابات السعوديين في تصديها لهذه الحملات صحافة مواطن؟ والإجابة أن هذا الوصف ليس دقيقًا بالنسبة للأغلبية لأن الردود والتصدي للحملات لم يكن عملًا صحفيًا احترافيًا أو منظمًا في جله، بل كان تواصلًا اجتماعيًا في فضاء افتراضي حفرته عوامل الوطنية ودرجة الوعي لدى المواطن السعودي.
وتأسيسًا على ما سبق، لقد سهلت صحافة المواطن عملية الوصول إلى المعلومات ونشرها، وحفزت الأفراد لأن يكونوا أكثر فاعلية للحصول على المعلومات حتى ينشروها ويستفيدوا منها. ويمكن القول إن صحافة المواطن في المملكة رغم أنها قد تكون تفتقر لأبجديات العمل الصحفي، فإنها سحبت جزءًا كبيرًا من جمهور الإعلام التقليدي إلى بساطها.
5 دقائق