ترجمات

إنستجرام ومشاعر المراهقين السلبية تجاه صورة الجسد

تعتبر معرفة الأضرار الناجمة عن استخدام تطبيق إنستجرام على الصحة العقلية للمستخدمين الأصغر سنًا، سؤالًا ملحًا للغاية، خاصة مع اعتزام شركة فيسبوك المالكة للتطبيق إطلاق إصدار من إنستجرام خاص بالأطفال، وكذلك بعدما نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرًا حول بحث داخلي أجراه فيسبوك يرسم صورة قاتمة للتأثيرات الضارة لإنستجرام على المراهقين وبخاصة الفتيات، إذ يعد محركًا قويًا “للمقارنة الاجتماعية” التي يحكم المراهقون من خلالها على جاذبيتهم ونجاحهم.

وغالبًا ما تتعرض الفتيات المراهقات لصور لأجساد مثالية على إنستجرام تظهر كإعلانات وصور في خلاصاتهن، وفي صفحة الاستكشاف الخاصة بالتطبيق، مما يترك تأثيرًا سلبيًّا بالغًا على صحتهن العقلية.

المراهقون في أمريكا وبريطانيا والرغبة في الانتحار بسبب إنستجرام

في الوقت الذي أحاط فيه فيسبوك السرية بالبحث الذي أجراه حول تأثير إنستجرام على المستخدمين الأصغر سنًا، وراجعه كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة، تمكنت “وول ستريت جورنال” من الاطلاع عليه مستعرضة عددًا من النقاط البارزة فيه على النحو التالي:

  • تشير الدراسة التي أجريت على المراهقين الذين يستخدمون إنستجرام في الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى أن أكثر من 40% منهم أبلغوا عن شعورهم “بعدم الجاذبية”، وأن هذه المشاعر بدأت عند استخدام إنستجرام.
  • كما خلصت إلى أن إنستجرام تم تصميمه بالتركيز على عنصر “المقارنة الاجتماعية” بدرجة أكبر من التطبيقات المنافسة مثل تيك توك وسناب شات، فهو يسلط الضوء على أجساد المستخدمين وأنماط حياتهم في كثير من الأحيان، بينما يركز تطبيق “تيك توك” بشكل أكبر على الأداء، في حين يركز “سناب شات” على مرشحات تحافظ على التركيز على الوجه.
  • ونوهت الدراسة أيضا إلى أن الضغوط على المراهقين لكي يظهروا بمظهر مثالي، والميل إلى مشاركة الأجزاء الأكثر إيجابية فقط من حياتهم، والطبيعة الإدمانية لاستخدام التطبيق يمكن أن تصيب المراهقين بالاكتئاب واضطرابات الأكل، والشعور غير الصحي تجاه أجسادهم.
  • ولفتت الدراسة كذلك إلى تأثر الصبية، حيث أفاد 14% منهم بأن إنستجرام جعلهم يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم، لكن الجانب الأكثر إثارة للقلق في الدراسة يتمثل في كشفها أن 13% من المراهقين البريطانيين و6 % من نظرائهم الأمريكيين أرجعوا السبب في رغبتهم في الانتحار إلى إنستجرام.

وفي هذا الإطار، يرى مايكل روب، مدير البحوث في منظمة “Common Sense Media” لتعزيز التكنولوجيا والوسائط الآمنة للأطفال أن وجه الاستفادة من هذه البيانات بشأن إنستجرام أنها تنقلنا من الحديث حول ما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي جيدة أم سيئة إلى الحديث حول ماهية أنماط الاستخدام السيئة، ومدى تأثر المراهقين سواء الإناث أو الذكور بذلك الاستخدام.

ويلفت روب إلى أنه على الرغم من أهمية دخول الأطفال والمراهقين في مقارنة اجتماعية، لكن المقارنات السلبية المستمرة يمكن أن تضر باحترامهم للذات وبالصحة الاجتماعية والعاطفية، وحينئذ تبدأ معاناتهم من الاضطراب النفسي.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن التقارير الصادرة من فيسبوك لا تشكل مفاجأة كبيرة للباحثين في مجال صورة الجسد، إذ وجدت دراسة نُشرت قبل خمس سنوات عن تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي أن استخدامها بين البالغين والشباب كان مرتبطًا بمخاوف بشأن صورة الجسد واضطراب الأكل.

وأظهرت أيضًا أن مقدار الوقت الذي يقضيه الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعد محددًا رئيسيًا لمعاناتهم من المشاكل ذات الصلة بصورة الجسد، ولكن ما يتعرضون إليه خلال تصفحهم لتلك المنصات مثل مشاهدة الصور المثالية والصور المعدلة هو جوهر المشكلة.

ومن المعلوم أن الصور أو “صور السيلفي” التي ينشرها المشاهير والمؤثرون وحتى الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي تخضع لعمليات تصفية ليقدموا أكثر الصور جاذبية، فضلًا عن أن العديد من هذه الصور لا تعكس بشكل واقعي المظهر الحقيقي للشخص، بل إنها تعمل على الترويج لمظهر مثالي لا يمكن الوصول إليه.

وعادةً ما يجري الأشخاص مقارنات بين مظهرهم وهذه الصور المُعدّلة “غير الواقعية” ويميلون إلى الحكم على أنفسهم بأنهم أقل جاذبية، وتؤثر هذه المقارنات بالسلب على صورة الجسد والمزاج العام، وتعزز أيضًا زيادة السلوكيات الضارة بالنظام الغذائي والتمارين الرياضية. والجدير بالذكر هنا أن تأثير مقارنات وسائل التواصل الاجتماعي أسوأ من المقارنات الشخصية، لأن نظرة الأفراد إلى هؤلاء الأشخاص “المشاهير” على وسائل التواصل الاجتماعي لا تتوقف على كونهم أكثر جاذبية منهم بل أكثر جاذبية من أي شخص على الإطلاق.

دور الآباء في مكافحة الصورة السلبية عن الجسد لدى الأبناء

يقع على عاتق الآباء دور مهم في مكافحة الصورة السلبية عن الجسد المتكونة لدى المراهقين جراء استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي، لكن الإشكالية تكمن في تردد الأبناء في إخبار الآباء بالأشياء المزعجة التي يرونها أو يشعرون بها عندما يتفاعلون مع تلك المنصات؛ خشية أن يتم حرمانهم من استخدامها، وهو الأمر الذي يُصعب على الآباء مراقبة جزء كبير من الحياة الاجتماعية لأبنائهم بشكل فعال.

ولذلك يرى الخبراء أن الآباء يمكنهم التخفيف من بعض المخاطر من خلال إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة والاهتمام بالعالم الرقمي لأبنائهم بسؤالهم عمن يتابعونه، ومشاعرهم عندما يكونون متصلين بالإنترنت، وإرشادهم إلى كيفية استخدامه، وفقًا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

كما يحتاج الآباء أيضًا إلى إيلاء اهتمام كبير بأي مخاطر غير متصلة بالإنترنت يتعرض لها المراهقون، مثل الحسد المفرط من الأقران أو الاكتئاب، لأن هذه الأشياء غالبًا ما تتداخل مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يثير المشاكل. بالإضافة إلى ذلك، من المهم قيام الآباء بتعليم المراهقين كيفية التفكير النقدي بشكل أكثر إزاء ما يرونه عبر الإنترنت، مثل كيفية جني الشركات والعلامات التجارية والمؤثرين أموالاً طائلة من ورائهم.

من جهة أخرى، تعد وسائل التواصل الاجتماعي مكونًا أساسيًا في الحياة الاجتماعية للشباب، إذ تسمح لهم بالحفاظ على الصداقات وتكوين صداقات جديدة، وهي متنفس مهم لهم، وقد برزت أهمية هذا  الشكل من الاتصالات خلال عمليات الإغلاق عقب انتشار جائحة كورونا؛ كما أضحت أنشطة الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا مهمًا في تشكيل هويتهم، ما يتطلب من الآباء محاولة الحفاظ على عقل متفتح ومقاومة الرغبة في الانتقاد، وإذا لم يكن الآباء متأكدين من كيفية استخدام الأبناء لوسائل التواصل الاجتماعي، فيمكنهم أن يطلبوا من أبنائهم إطلاعهم على المنصات حتى يتمكنوا من فهم المزيد عن المحتوى الذي يستهلكونه، فهذا النوع من المحادثة يمهد الطريق لزيادة الوعي بوسائل التواصل الاجتماعي وتطوير المهارات اللازمة لتحليل وتقييم الرسائل والصور بشكل نقدي.

وفي هذا الإطار، أظهرت العديد من الدراسات أن فهم الآباء لطبيعة وسائل التواصل الاجتماعي يلعب دورًا في مكافحة الصورة السلبية عن الجسد لدى الأبناء، حيث يستطيع الآباء نصح وإرشاد أبنائهم وتوعيتهم بأن ما يتم عرضه عبر الإنترنت ليس دائمًا حقيقة واقعية، وفقًا لموقع “كونفيرذيشن- The Conversation” الأمريكي.

ويستطيع الآباء أيضًا مكافحة الآثار السلبية عن صورة الجسد من خلال التخلص من المفردات التي تتعلق بالوزن وتركز على الجسد في أحاديثهم سواء في الواقع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، ويشتمل ذلك التعليقات حول الرغبة في إنقاص الوزن.

كما يمكن أن يمارس الآباء تأثيرًا قويًّا على كيفية رؤية الأبناء المراهقين لصورة الجسد، وذلك من خلال مدح الأبناء لصفات أخرى بعيدة عن مظهرهم.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مشاكل استخدام المراهقين لمواقع التواصل الاجتماعي تتطلب مساندة قوية من جانب الأهل لتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الأبناء بشأن صورة الجسد على منصات التواصل. كما أن الآباء يلعبون دورًا رئيسيًا في مساعدة الأبناء على جعل وقتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر إيجابية وتمكينًا، وهو ما يتم  من خلال دعوة الأبناء إلى التحقق من شعورهم عند استخدام تلك المنصات، فإذا كانت متابعة حسابات معينة تجعلهم يشعرون بمشاعر سلبية تجاه أنفسهم فعليهم إلغاء متابعة هذه الحسابات أو كتمها، وبموازاة ذلك التركيز على متابعة الحسابات الملهمة غير القائمة على المظهر، والتي تعزز مجموعة واسعة من الاهتمامات مثل الرياضة والسفر والفن.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للآباء مساعدة أبنائهم على تطوير مجموعة من المهارات لمساعدتهم على مواجهة الأفكار السلبية التي قد تتكون لديهم أثناء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، من بينها ما يسمى بمهارة “التعاطف الذاتي تجاه أجسادنا- self-compassion towards our bodies“، التي تجعل الفرد يتقبل ذاته وجسده كما هو دون أي شعور بالضجر أو الضيق.

زر الذهاب إلى الأعلى