شهد العالم نموًا متزايدًا في استخدام تطبيق “كلوب هاوس” منذ إطلاقه في أبريل 2020 فارتفع عدد مستخدميه ليصبح بالملايين في يناير 2021، وبات يحتل المرتبة التاسعة بمتجر آبل في دلالة على مدى انتشاره الواسع.
ويتميـز التطبيـق بالتفاعـل الصوتـي المباشـر والمتمثـل فـي الحـوار بيـن المشـاركين فـي نقـاش حول مواضيـع محـددة أو الأعضـاء فـي غرفة كلوب هاوس، وهو ما يتيـح الحـوار والتفاعـل مـع الآخريـن وتبـادل وجهـات النظـر والإحسـاس بالانتمـاء ممـا يـؤدي لإحـداث تأثيـرات علـى الحضـور الاجتماعـي للمسـتخدمين.
ونظرًا لكون المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات العربية استخداما لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وواتساب ويوتيوب لأهداف مختلفة كالترفيه والتواصل مع الأصدقاء، والتعرف على قضايا المجتمع والقضايا الدولية، ورفع مستوى الوعي السياسي. فقد تصدر هاشتاق “كلوب هاوس” الترند في المملكة العربية السعودية في 11 فبراير الماضي، مما يؤكد اهتمام عدد كبير من المستخدمين السعوديين بتطبيق التواصل الاجتماعي الصوتي المباشر “كلوب هاوس”.
وقد سلطت دراسة نشرتها المجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال بعنوان “استخدامات الجمهور السعودي لمنصة كلوب هاوس وعلاقتها بشعورهم بالحضور الاجتماعي”، للدكتور جارح العتيبي الأستاذ المساعد بقسم الإعلام في کلية الآداب جامعة الملك سعود، الضوء على استخدام السعوديين لمنصة كلوب هاوس لمحاولة التعرف على واقع وأسباب استخدام السعوديين للمنصة باعتبارها منصة حديثة ومعرفة الإشباعات المتحققة مع التركيز على معرفة تأثير كلوب هاوس في الظهور الاجتماعي للمستخدمين وعلاقاتهم، وكيفية إحساسهم بالتواصل مع المستخدمين الآخرين وهل يماثل التواصل الحقيقي حسب وجهة نظر المستخدمين؟
مشكلة وعينة الدراسة
يعد استخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وتويتر وسناب شات وفيسبوك في السعودية لافتًا للانتباه، حيث تؤكد بعض التقارير أن نسبة نمو استخدام منصات التواصل الاجتماعي في المملكة بلغت 7% بين عامي 2019 و2020، لذلك ترتكز مشكلة الدراسة في معرفة استخدامات السعوديين للمنصة الجديدة كلوب هاوس والإشباعات المتحققة نتيجة تعرضهم لتلك المنصة. بالإضافة إلى أهمية معرفة المواضيع التي يهتم بها السعوديون مستخدمو “كلوب هاوس” وكذلك نوعية الأندية التي يؤسسونها أو يشتركون فيها.
من جانب آخر تهتم الدراسة أيضًا بمعرفة تأثير استخدامهم لمنصة “كلوب هاوس” على حضورهم الاجتماعي وتنعكس في كيفية شعور مستخدمي المنصة بوجود الآخرين وتشاركهم الإحساس، وكيف تظهر سماتهم الشخصية أثناء الحوار، وكيف يشعر كل شخص بوجود علاقة قوية بالأطراف المشاركة في الحوار، حيث إن مثل هذا التأثير قد يكون سلبيًّا وتكون له نتائج ذات تأثير على المجتمع وحضور الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية.
واعتمدت الدراسة على مسح إلكتروني عبر موقع “جوجل درايف” تم تطبيقه على عينة مكونة من 223 مفردة، وجرى توزيع رابط الاستبانة على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”.
وقد شكل الذكور 63.2% من العينة مقابل 36.8 % من الإناث، وهو ما يعكس حالة التفاوت في تمثيل النوع الاجتماعي في العينة، ويمكن تبرير تراجع نسبة تمثيل المرأة في جانب منها بأنها تتوافق مع نسبة الذكور التي تتفوق على الإناث في التعداد العام للمملكة العربية السعودية لعام 2020.
أما عن توزيع أفراد العينة وفقًا للسن، فجاء في المرتبة الأولى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 30 إلى 40 سنة بنسبة 37.2%، يليهم أولئك الذين يتراوح ما بينهم من 20 إلى أقل من 30 سنة بنسبة 27.4%، ثم الأشخاص الذين يتراوح عمرهم من 40 إلى أقل من 50 سنة بنسبة 25.1%، والأشخاص الذين يتراوح عمرهم ما بين 50 إلى أقل من 60 سنة بنسبة 6.3%، وأولئك الذين يتجاوز عمرهم 60 سنة بنسبة 2.7، أما الذين يقل عمرهم عن 20 عام فجاءت نسبتهم 1.3%.
أما عن المستوى التعليمي لأفراد العينة، فشكّل الحاصلون على بكالوريوس 48.9% من العينة، يليهم الحاصلون على الماجستير والدكتوراه 37.7% ثم الحاصلون على شهادة أقل من البكالوريوس 13.5%. ويمثل الموظفون الحكوميون 46.2% من عينة الدراسة، ثم غير العاملين 22.4%، يليهم موظفو القطاع الخاص 17.9% وأخيرًا الطلبة 13.5%.
استخدام الجمهور السعودي لمنصة “كلوب هاوس” والشبكات الاجتماعية
أكدت نتائج الدراسة أن الواتساب وتويتر يتصدران المنصات والشبكات الاجتماعية المستخدمة من قبل أفراد العينة، ويمكن تبرير ذلك بالنظر إلى تفضيل المجتمع السعودي لاستخدامهما، فهو من أكثر الشعوب استخدامًا لتويتر في العالم.
وأوضحت النتائج أيضًا أن نحو ثلثي العينة (%63.2) يستخدمون كلوب هاوس بشكل يومي، وأن ( 22.9%) يستخدمون المنصة بشكل متقطع، ويتضح من ذلك أن منصة كلوب هاوس الجديدة فتحت مجالًا عامًّا للحوار والنقاش لشعب نشط على منصات التواصل الاجتماعي.
وحول الوقت المستغرق على المنصة، فإن 25.1% يستخدمون المنصة لمدة 6 ساعات فأكثر، (22%) يستخدمونها من ساعة إلى أقل من 3 ساعات، و ( 21.5%) من 3 ساعات إلى أقل من 6 ساعات، و( 20.6%) أقل من ساعة، و(10.8%) يستخدمونها لمدة ساعة، ما يشير إلى أن هناك وقتًا طويلًا يهدره الفرد في التواصل الافتراضي.
وأظهرت الدراسة أن 74% من العينة يستخدمون اسمهم الحقيقي على المنصة مقابل 17.9% يستخدمون اسمًا مستعارًا، و8.1% يستخدمون بشكل مزدوج اسمًا حقيقيًّا وآخر مستعارًا، ويمكن تبرير ذلك بقلق البعض من خوض النقاش، وتعارض رأيه مع المجموع العام للآراء.
أما عن اللغة المستخدمة، فجاءت اللغة العربية في المرتبة الأولى بنسبة 72.2%، ثم العربية والإنجليزية بنسبة 25.1%، ثم في المركز الثالث الإنجليزية بنسبة 2.7%، وهي نتيجة منطقية بالنظر إلى أن اللغة العربية هي لغة التواصل في المجتمع.
وفيما يتعلق بالنوادي المتخصصة أو العامة للحوار والنقاش العام على منصة “كلوب هاوس”، أظهرت نتائج الدراسة أن نحو 65% من العينة كانوا أعضاء في أندية سياسية وفي المركز الثاني جاءت الأندية الاجتماعية بنسبة 62.8% ثم الثقافية (48.9%) وتليها الاقتصادية (31.8%) وفي المرتبة الخامسة الأندية الدينية (19.3%) وفي المركز السادس الأندية الرياضية (18.4%).
وجاءت الأندية الأقل انتسابًا من قبل أفراد العينة على النحو التالي: الأندية العسكرية بنسبة 4%، والأندية التعليمية بنسبة 5% والأندية العاطفية بنسبة 6.7%.
ويعود انتشار الأندية السياسية وبروز القضايا السياسية في منصة كلوب هاوس إلى التطورات والأحداث الجيواستراتيجية التي تشهدها المنطقة العربية ومنطقة الخليج العربي، فضلًا عن مركزية الدور السياسي للمملكة العربية السعودية في معادلات السياسة الدولية، كما أن الانخراط في المنتديات السياسية والاجتماعية والثقافية يؤكد أن منتديات “كلوب هاوس” باتت تُشكّل فضاءً تواصليًا بديلًا لأفراد العينة عن المجالس الاجتماعية على أرض الواقع، خصوصًا في ظل صرامة إجراءات الحجر الذاتي لمواجهة تفشي جائحة كورونا.
أما عن تأثير استخدام “كلوب هاوس” على استخدام المنصات والشبكات الاجتماعية، يرى 39.9% من المبحوثين أنه مؤثر إلى حد ما و31.8% يجدون أنه مؤثر إلى حد كبير، مقابل 28.3% يعتبرونه غير مؤثر.
دوافع استخدام “كلوب هاوس”
أظهرت الدراسة أن السعوديين يستخدمون منصة “كلوب هاوس” تبعًا لعدة دوافع أبرزها الدوافع النفعية التي تصدرها للدفاع عن قضايا الوطن، ولفضح الشائعات والأكاذيب عن المملكة. وأكدت هذه النتيجة ما وصلت له مجموعة من الدراسات التي تؤكد أن الدوافع النفعية كان لها دور في دفع الأفراد لاستخدام الشبكات والمنصات الاجتماعية. أما الدوافع التوجيهية فتشمل توسيع المدارك والاسترشاد بما فيها من آراء. وترى الدراسة أن هذه النتيجة تؤكد جدية المستخدمين في توظيف المنصة لمناقشة القضايا العامة والبحث عن مؤشرات الرأي العام وتلبية الحاجة إلى المعلومات والتوجيه بعيدًا عن البحث عن الشهرة والمصالح الذاتية.
بينما تمثلت الدوافع الطقوسية في تمضية وقت الفراغ، والتعود عليها والتسلية والترفيه.
الإشباعات المتحققة من استخدام “كلوب هاوس”
أظهرت نتائج الدراسة أن استخدام المبحوثين السعوديين عينة الدراسة لمنصة كلوب هاوس يحقق عددًا من الإشباعات النفعية والتوجيهية والطقوسية المطلوبة لهم، وهي تأتـي انعكاسًا لدوافع الاستخدام للمنصة بالدرجة الأولى، حيث حقق استخدام “كلوب هاوس” بعض الإشباعات النفعية المرغوبة، والتي تتمثل في المساعدة في الدفاع عن قضايا الوطن، والإسهام في فضح الشائعات والأكاذيب عن الوطن، وتمكين المشاركة في نقاش مختلف القضايا، والاستماع لصوت المستخدمين الآخرين نحو القضايا المختلفة، والتفاعل مع قضايا ومشكلات المجتمع. وتؤيد هذه النتائج عديد الدراسات التي أكدت تحقيق الإشباعات النفعية من استخدام الشبكات والمنصات الاجتماعية.
ثم جاءت الإشباعات التوجيهية كانعكاس للإشباعات النفعية السابقة، خصوصًا ما يتصل بالحصول على المعلومات، إذ أكد المبحوثون أنهم تمكنوا من الاسترشاد بالآراء المتداولة في النقاش العام، وتوسيع المعرفة والمدارك الشخصية بشأن تطورات الأحداث والمواقف العامة.
وفي الأخير جاءت تمضية وقت الفراغ والتعود على المنصة وتحقيق التسلية والترفيه في مقدمة الإشباعات الطقوسية، وعلى العكس من ذلك لم تحقق استخدامات المنصة المساعدة على التغلب على الشعور بالوحدة.
استخدام منصة كلوب هاوس والحضور الاجتماعي
تظهر نتائج الدراسة تأثير استخدام منصة “كلوب هاوس” على الحضور الشخصي، ويتجلى ذلك من خلال وضوح سمات المشاركين وأخلاقهم في الحوار، وحضورهم من خلال الحوار الصوتي المباشر في تطبيق “كلوب هاوس” الذي يظهر كالحوار المباشر المواجهي الذي يتم على أرض الواقع وجهًا لوجه، وكذلك من خلال التفاعل الاتصالي مع أشخاص حقيقيين وبهويات حقيقية في الغالب، كما يتجلى الحضور الاجتماعي للمستخدمين السعوديين على منصة كلوب هاوس من خلال التضامن والتشارك مع الآخرين في المواقف المختلفة، وأيضًا من خلال الشعور بالقرب والانسجام مع المشاركين الآخرين في الحوار، ومن خلالها تتطور علاقاتهم الاجتماعية سواء في العوالم الافتراضية أو الواقعية.
وعلى العكس من ذلك ترى العينة أن بعض العوامل لم تكن عاملًا ذا تأثير مهم على تحقيق حضورهم الاجتماعي على منصة كلوب هاوس، مثل أن المنصة جعلت المستخدمين يشاركون أكثر مواضيعهم وتجاربهم الشخصية مع الآخرين في الحوارات، أو أنها مكّنتهم من الحصول على الدعم والتأييد الاجتماعي، أو أنها ساعدتهم على تجديد التفاعل بأصدقاء ذوي معرفة سابقة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن هذه الدراسة تعد من الدراسات الأولى التي تستهدف التعرف على استخدامات “كلوب هاوس” والإشباعات المتحققة منه، وقد أظهرت النتائج استخدام الجمهور للمنصة في نقاشات هادفة وموضوعات جادة تثري الوعي، وتُشكّل حائط صد ضد الشائعات، ولعل إقبال الجمهور على الأندية الموجودة عبر المنصة، يعتبر فرصة مواتية لقيام الجهات المسؤولة عن الإعلام والثقافة في المملكة لتأسيس أندية عبر المنصة تستهدف تحقيق مزيد من التفاعلية مع الجمهور في هذا الفضاء الرقمي، لا سيما الشباب ومن ثم استغلال طاقاتهم والوقت الذي يقضونه على تلك المنصات في المشاركة في مسابقات ومبادرات مجتمعية يتم تدشينها من رحم الحوار المجتمعي حول مختلف القضايا، وبالأخص تلك المتعلقة بدعم جهود التنمية وعملية التحديث التي تشهدها المملكة في شتى المجالات والقطاعات.