بعد مرور ما يقرب من نصف قرن منذ أن تم إنتاج أول لعبة إلكترونية تجارية ناجحة في سبعينيات القرن الماضي، أصبحت هذه الألعاب شائعة الاستخدام بين الشباب، حيث يتم من خلالها التفاعل مع العوالم الافتراضية والذي يترتب عليه العديد من الآثار النفسية والاجتماعية.
وقد أوضحت العديد من الدراسات ترتب بعض الآثار النفسية السلبية نتيجة الممارسة، ومن بين هذه الآثار النفسية اكتساب الممارسين لها ثقافات مغايرة للمجتمع نظرًا لما تتضمنه هذه الألعاب من مخالفة للتعاليم الدينية، ونشرها للأفكار الشريرة مثل القتل والسرقة والاغتصاب والعدوانية، كما تسبب بعض هذه الألعاب الإدمان وقد تصل بمستخدميها إلى اكتساب بعض العادات السلبية مثل المقامرة، الأمر الذي جعل كثيرًا من المهتمين بهذا الشأن يطالبون بوضع قيود على هذه الألعاب كالسن ووضع ملصقات عليها توضح أنها تحتوي على بعض الممارسات التي تسبب الإدمان.
وفي هذا الإطار، استعرضت دراسة نشرتها المجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال للدكتورة نهي السيد أستاذ مساعد بشعبة الصحافة والاعلام قسم العلاقات العامة والاعلان بجامعة الأزهر، تحت عنوان “الآثار النفسية والاجتماعية للألعاب الإلكترونية على الشباب السعودي”، أهم الألعاب الإلكترونية التي يقبل عليها الشباب الجامعي، ومعدل تعرضهم لهذه الألعاب، فضلاً عن تحديد عناصر الجذب التي اعتمدت عليها في جذب فئات الشباب لها، وكذلك التعرف على الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على استخدام الشباب الجامعي لهذه الألعاب.
التعرف على أنماط ممارسة الشباب السعودي للألعاب الإلكترونية
لاحظت الدراسة أن فئة الشباب على اختلاف أعمارها وسنواتها الدراسية تقضي معظم أوقات فراغها في ممارسة الألعاب الإلكترونية، كما لاحظت أيضًا أنها تحرص على وجود طقوس معينة أثناء اللعب مثل اختيار مكان هادئ، ومظلم، وعدم حرصهم على انتقاء أعضاء الفريق بل اللعب مع المتاح منهم في الوقت الراهن لدرجة أثارت تساؤلات من بينها ما الذي تحتويه هذه الألعاب؟ وما الذي تتميز به ليصبح اللعب الافتراضي أفضل لديهم من اللعب الحقيقي؟ وما الأسباب الكامنة وراء هذه الممارسة وما الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على ممارسة الشباب الجامعي للألعاب الإلكترونية؟
واعتمدت الدراسة في تفسيرها للآثار النفسية والاجتماعية للألعاب الإلكترونية على الشباب السعودي على عدد من النظريات أهمها النظرية البنائية الوظيفية، باعتبار أن الألعاب الإلكترونية تؤدي وظائف اجتماعية مهمة وواضحة من خلال الترويح عن النفس، وتوسيع المدارك، وتنمية المهارات الإبداعية المختلفة، والتي تختلف بحسب الألعاب التي يمارسها الأشخاص شريطة أن يكون التعامل بصورة متزنة وواعية وإلا واجهنا الآثار السلبية المتمثلة في الأخطار النفسية الاجتماعية.
كما استندت الدراسة إلى نظرية الاستخدامات والإشباعات، التي تشير إلى أن الأفراد يستخدمون وسائل الإعلام لإشباع رغباتهم ويرتبط بالاستخدام معدل التعرض للوسيلة.
منهج وعينة الدراسة
واعتمدت الدراسة على منهج المسح بالعينة من خلال سحب عينة عمدية تكونت من 600 مفردة من الشباب السعودي في مختلف أنحاء المملكة من الذكور والإناث الذين تتراوح أعمارهم بين (18-35) عاما، ومن مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة، واستندت في اختيار العينة إلى التقسيم الإداري الخاص بالمملكة إلى خمس مناطق رئيسية، بواقع 120 مفردة لكل منطقة.
وقد بلغت نسبة الذكور في العينة 75%، بينما نسبة الإناث 25%، وجاءت العينة ممثلة لكافة الفئات العمرية كالتالي: الفئة العمرية من 18 إلى 23 عاما في المرتبة الأولى بنسبة 85.3%، تلاها الفئة من 24 إلى 29 عاما بنسبة 12%، وفي المرتبة الثالثة الفئة العمرية من (30 إلى 35 عامًا) بنسبة 2.7%.
ومثلت عينة الدراسة كافة فئات المجتمع حسب متغير العمل للمبحوثين فقد جاءت فئة (طالب) في المرتبة الأولى بنسبة 80.8% من إجمالي عينة الدراسة، تلاها فئة (لا يعمل) بنسبة 8.5% في حين بلغت فئة (خاص) 6% واحتلت المرتبة الثالثة، بينما في المرتبة الرابعة فئة أعمال حرة بنسبة بلغت 3%، يليها في المرتبة الأخيرة فئة حكومي بنسبة 1.7%، كما عكست عينة الدراسة مختلف المستويات التعليمية؛ فئة المؤهل الجامعي بنسبة 62.2%، ثم المؤهل الثانوي بنسبة 33.5%، ثم المؤهل فوق الجامعي بنسبة 4.3%.
نتائج الدراسة
أظهرت الدراسة أن غالبية عينة الدراسة من الشباب السعودي يمارسون الألعاب الإلكترونية بصفة غير منتظمة أحيانًا، حيث بلغت نسبتهم 40.8%، بينما كانت نسبة 35.5% من العينة يمارسون الألعاب الإلكترونية دائمًا، ونسبة 23.7% يمارسون الألعاب الإلكترونية نادرًا.
وفيما يتعلق بعدد الأيام التي يمارس فيها الشباب السعودي الألعاب الإلكترونية، جاء في المرتبة الأولى (من 2 إلى 3 أيام في الأسبوع) بنسبة بلغت 38.7%، بينما جاء في المرتبة الثانية (يوم واحد في الأسبوع) بنسبة بلغت 33.7%، فيما حلّ في المرتبة الثالثة (يوميًا) بنسبة 27.7%.
أما عن عدد الجلسات في اليوم التي يمارس فيها الشباب السعودي عينة الدراسة الألعاب الإلكترونية، جاء في المرتبة الأولى (جلسة واحدة) بنسبة 48.5%، ثم في المرتبة الثانية (جلستان) بنسبة 26%، بينما في المرتبة الثالثة (أكثر من ثلاث جلسات) بنسبة بلغت 13.8%، وفي المرتبة الرابعة (ثلاث جلسات) بنسبة 11.7%.
وبالنسبة لطريقة اللعب، احتل (اللعب بشكل متقطع وأخذ قسط من الراحة بين كل جولة) المرتبة الأولى بنسبة 52%، ثم في المرتبة الثانية (اللعب بشكل متواصل حتى الانتهاء من اللعب) بنسبة 48%.
وتشير غالبية عينة الدراسة إلى أنهم يمارسون هذه الألعاب منذ الطفولة ولا يزالون يمارسونها وهو ما يشير إلى قدرة هذه الألعاب على جذب المراهقين والشباب على اختلاف مراحلهم العمرية لما تتميز به من عناصر جذب.
وفيما يتعلق بأسباب ممارسة الألعاب الإلكترونية من قبل الشباب السعودي، تصدرت “التسلية والترفيه” المركز الأول، تلاها “حب الخيال والإثارة”، ثم “حب الاستطلاع”، وتنمية الذكاء، ثم تطوير الذات. كما أثبتت الدراسة وجود علاقة بين الخصائص الديموغرافية للشباب السعودي والآثار النفسية والاجتماعية الناتجة عن استخدام الألعاب الإلكترونية، حيث كانت فئة الطلاب أكثر عرضة لهذه الآثار من غيرها.
وبالنسبة لأسماء الألعاب المفضلة لدى الشباب السعودي، جاءت لعبة “ببجي” في المركز الأول بنسبة 32.3%، ثم لعبة “Call of duty” بنسبة 17.7%، وجاءت في المرتبة الثالثة ألعاب أخرى بنسبة 6.5% ثم في المرتبة الرابعة ” over watch” بنسبة 4.5%، ثم “أوفرواتش” بنسبة 4.3%، وأخيرًا لعبة “كود” بنسبة 3.7%
أما عن اللغة المفضلة لممارسة الألعاب الإلكترونية من قبل عينة الدراسة جاء في المرتبة الأولى اللغة الإنجليزية بنسبة 65.7%، ثم في المرتبة الثانية اللغة العربية بنسبة 34.3%.
وقد أظهرت الدراسة وجود علاقة بين الخصائص الديموغرافية للشباب السعودي والاتجاه نحو الألعاب الإلكترونية، فضلاً عن وجود علاقة بين كثافة استخدام الشباب السعودي للألعاب الإلكترونية ودوافع هذا الاستخدام وهو أيضًا ما يتفق مع المدخل النظري المتمثل في نظرية الاستخدامات والإشباعات التي تربط بين استخدام الفرد للوسيلة والدوافع الخاصة بهذا الاستخدام التي قد يكون منها ما هو إيجابي وسلبي.
وخلصت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية ذات دلالة إحصائية بين كثافة استخدام الشباب السعودي للألعاب الإلكترونية والآثار النفسية والاجتماعية الناتجة عن هذا الاستخدام، وهو ما يتفق مع المدخل النظري المتمثل في النظرية البنائية الوظيفية التي تنص على المعوقات الوظيفية (الاختلال الوظيفي) للظاهرة الاجتماعية، حيث قد تكون للظاهرة الاجتماعية انعكاسات سلبية، فليس من الضروري أن تكون إيجابية دائمًا.
توصيات الدراسة
طرحت الدراسة عددًا من التوصيات الخاصة بالاستفادة من مميزات الألعاب الإلكترونية، وتقليل الأضرار التي تلحق بممارسيها من خلال جهود أكاديمية وبحثية وتشريعية وتعليمية، وذلك على النحو التالي:
- إجراء مزيد من الدراسات حول الآثار المترتبة على ممارسة الألعاب الإلكترونية على الفئات المختلفة داخل المجتمع.
- سن العديد من القوانين والتشريعات التي من شأنها تنظيم نوعية هذه الألعاب ومحتواها حتى تكون ملائمة لكل فئة تستخدمها.
- إجراء مزيد من الدراسات حول توظيف الألعاب الإلكترونية في العملية التعليمية وغيرها من مجالات الحياة التي من شأنها أن تعود على الممارسين لها بآثار إيجابية وليست سلبية.
- عمل ندوات تثقيفية للشباب من شأنها زيادة الوعي بسلبيات وإيجابيات هذه الألعاب
- لا بد أن تحتوي كل لعبة على معلومات خاصة بالاستخدام من حيث المحتوى، الفئة العمرية، المدة الملائمة للاستخدام حتى يكون للممارس مطلق الحرية في الممارسة من عدمها بعد معرفة هذه البيانات.
- إيجاد بدائل ترفيهية تجذب الشباب وتنال إعجابهم خاصة في المدارس والجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية والتربوية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الألعاب الإلكترونية تعد سلاحًا ذا حدين، فبالرغم مما لها من سلبيات كإدمان ممارساتها وانعكاسات ذلك على شخصية الفرد، فإنها لا تخلو من الإيجابيات فالألعاب الإلكترونية التربوية هي التي تشجع على نمو المنطق واكتساب المهارات والمعرفة بطريقة ممتعة، فضلاً عن أنها تشكل مصدرًا يدفع المتعلمين إلى محاولة تطوير معلوماتهم ومعارفهم.
كما تمتاز الألعاب الإلكترونية بقدرتها على تنمية الذاكرة، وسرعة التفكير كما تطور حسن المبادرة والتخطيط والمنطق، ويمكن استخدام الألعاب الإلكترونية أيضًا في العملية التعليمية عبر تطوير ألعاب مصممة بشكل خاص لاستخدامها في التعرف على مواضيع معينة، وتوسيع المفاهيم، وفهم حدث أو ثقافة تاريخية، فضلًا عن تعلم العديد من المهارات أثناء اللعب، فالألعاب الإلكترونية بشكل عام تسهم في تحسين بعض المهارات الأكاديمية للاعبين مثل مهارة البحث عن المعلومات، واكتساب اللغات الأجنبية، ومهارات التفكير الناقد وحل المشكلات.
وبناءً على وذلك، وانطلاقًا من أن الألعاب الإلكترونية هي واقع معيش بالفعل، فيجب استغلال هذا الواقع بالعمل على تعزيز استخداماته الإيجابية.