تقارير

ظاهرة إطلاق التحديات على مواقع التواصل الاجتماعي

اكتسب إطلاق التحديات على وسائل التواصل الاجتماعي زخمًا كبيرًا خلال السنوات العديدة الماضية كوسيلة للتخلص من الملل، وقد أثارت بعض التحديات جدلًا كبيرًا سواء بالنسبة للمخاطر الجسدية المرتبطة بها لا سيما في ظل إقبال المراهقين على المشاركة فيها، أو جدلًا آخر يتعلق بالجهة التي تقف وراء إطلاقها، ومن أمثلة ذلك تحدي العشر سنوات الذي اجتاح الإنترنت في يناير 2019، وسجل 2.5 مليون إشارة هاشتاق على مدار شهر واحد، إذ ذكرت تقارير إعلامية في حينها أن شركة فيسبوك هي التي أطلقت هذا التحدي في محاولة لدعم تقنية التعرف على الوجه التي تطورها الشركة، وهو الأمر الذي سارع فيسبوك إلى نفيه.
ازدهار ظاهرة إطلاق التحديات على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل كورونا
ازدهرت ظاهرة إطلاق التحديات على منصات التواصل الاجتماعي بالتزامن مع انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” التي أدت إلى تطبيق تدابير التباعد الجسدي والاجتماعي، إذ سعى العديد من الأشخاص إلى التواصل، وأصبح تحدي بعضهم البعض على المنصات الاجتماعية المختلفة أحد الأنماط الاتصالية خلال تلك الأزمة.
ولذلك اتسم العام الماضي بكثافة التحديات التي تم تدشينها على مختلف المنصات والتي جعلت بدورها ملايين الأشخاص أكثر قدرة على تحمل ظروف الإغلاق العالمي، بجانب أن هذه التحديات صارت طريقة تسويق أساسية لإنشاء المحتوى وإشراك المستخدمين وزيادة عدد المتابعين.
ومن أكثر التحديات شيوعًا على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء الإغلاق ما يلي:
“تحدي الوسادة” #PillowChallenge على موقع تويتر، وفيه يقوم الأشخاص بصنع ثوب من الوسادة، عبر سحب وسادة عادية من فراشهم وتثبيتها على أجسادهم بحزام.
تحدي أغنية#FlipTheSwitch عبر تطبيق تيك توك، فعلى أنغام أغنية دريك Nonstop وتحديداً مقطع “flip the switch” قام عدد من المشاهير بالوجود أمام المرآة مع صديق، حيث يقف أحدهما قريبًا من المرآة والآخر يقف بعيدًا عنها، وبمجرد الوصول لمقطع غناء دريك لمقطع “Look, I just flipped a switch”، ينطفئ الضوء ويشتعل ليغير الشخصان في هذه الأثناء موضعهما وملابسهما وحركاتهما.
تحدي الإيموجي #EmojiChallenge، ويعني محاكاة الرموز التعبيرية التي نستخدمها أثناء المحادثات عبر التطبيقات المختلفة ومشاركة الصورة مع الأصدقاء وعبر مواقع التواصل الاجتماعي ليراها العالم.
تحدي مسح المرآة #WipeItDownChallenge وفيه يقوم الشخص بمسح المرايا ثم يتغير إلى شخص آخر.
الدوافع وراء إقبال المراهقين على المشاركة في التحديات
وفقًا لموقع “Parent Samurai” المعني بشؤون المراهقين، فإن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون نعمة أو نقمة للآباء والمراهقين على حدٍ سواء، فهي طريقة رائعة للتواصل مع أشخاص من جميع أنحاء العالم، مما يعزز المهارات الاجتماعية ويوسع الآفاق، ولكن يمكن أن تكون أيضًا بوابة لاتجاهات مزعجة وخطيرة تضع المراهقين في ورطة، إذ قد ينجذبون إلى المحتوى المدمر والضار الذي يتحداهم للقيام بأشياء محفوفة بالمخاطر مثل تناول مواد سامة أو إطلاق النار وغالبًا ما يتم تصوير تنفيذ ذلك التحدي ونشره عبر الإنترنت للحصول على تعليقات الجمهور.
ويعود إقبال المراهقين على المشاركة في تحديات وسائل التواصل الاجتماعي إلى الرغبة في تقليد ومسايرة الأقران، واكتساب الشعبية، وفي بعض الأحيان تحدي الوالدين، لذلك يمكن للوالدين المساعدة في منع هذا الهوس من خلال إيلاء المزيد من الاهتمام بأبنائهم المراهقين، ومراقبة نشاطهم عبر الإنترنت، ومساعدتهم في اتباع طرق إيجابية للشعور بالرضا عن أنفسهم.
وتوجد ثمة أبعاد فسيولوجية لذلك الوضع، فأدمغة المراهقين لم تكتمل النمو، حتى لو بدت أجسامهم ناضجة، فنمو الدماغ يكتمل في منتصف العشرينيات، وهذا وقت طويل لانتظار تعلم كيفية التحكم في الاندفاع واتخاذ خيارات أكثر ذكاءً، ويعني ذلك أنه نظرًا لأن أدمغة المراهقين لم تنم بشكل كامل بعد، فمن المرجح مشاركتهم في الأنشطة الخطرة، بحيث يتصرفون بناءً على الدافع والغريزة للحصول على قبول لدى الأقران.
ويشكل ضغط الأقران قوة شديدة لا يوجد مراهق محصن ضدها، ففي حين أن البعض قد يتمتع بالقدرة على المقاومة لفترة من الوقت، لكن هناك نقطة في حياة كل مراهق تقريبًا لا يمكنه فيها مقاومة الضغط، ومع التأثير الدائم لوسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا، من المرجح أن يحول المراهقون انتباههم إلى مساع أكثر خطورة لإرضاء أقرانهم الذين يبلغ عددهم الآن المئات وربما الآلاف. ويضيء هذا الاهتمام الاجتماعي مراكز المكافآت في أدمغة المراهقين الذي يطلق مادة كيميائية تسمى “الدوبامين–Dopamine” (ناقل عصبي يرتبط بالمتعة والمكافأة الفورية)، وهي باختصار سبب استمرار المراهقين في العودة إلى ممارسة التحديات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة الرهان، حتى عندما يعرفون أن الإجراء خطير.
إن الجائزة الكبرى على الإنترنت بالنسبة لهم عبارة عن قائمة طويلة من التعليقات وزيادة عدد المشاهدات والعديد من “الإعجابات” على صورهم أو مقاطع الفيديو الخاصة بهم وغالبًا ما يكون هذا التحقق للذات كافيًا لإبقاء المراهقين يبحثون عن الإثارة الكبيرة التالية ما يعكس حالة إدمان جذب انتباه الجماهير. بعبارة أخرى، لقد بعثت منصات التواصل الاجتماعي والأقران برسالة إلى المراهقين مفادها أن القيام بشيء مجنون ونشره على الإنترنت سيجعلهم رائعين في دقائق معدودة.
دور الوالدين في إبعاد المراهقين عن تجربة تحديات وسائل التواصل الاجتماعي
توجد العديد من الأدوات والأساليب المتاحة أمام الوالدين من أجل إبعاد أبنائهم المراهقين عن تجربة تحديات تتسم بالخطورة على وسائل التواصل الاجتماعي ومن أبرزها:
– التواصل عنصر مفتاحي: ليس خافيًا أن معظم المشاكل مع المراهقين يمكن تحسينها من خلال التواصل الجيد، لذلك كن منفتحًا وصادقًا بشأن مخاوفك، واعرض أمثلة لمراهقين تغيرت حياتهم بسبب مشاركتهم في تحدٍ ضار على وسائل التواصل الاجتماعي.
– طرح الأسئلة: أفضل طريقة لبدء هذه المحادثات هي أن تسأل أبناءك عن التحديات التي سمعوا عنها، مع منحهم الوقت والمساحة لشرحها، على أن تمتنع عن إصدار الأحكام، بل اتركهم يتحدثون كي تتمكن من رؤية شعورهم حيال التحديات قبل الإدلاء بأي تعليقات. ويمكنك أن تسأل أين سمعوا عن هذه التحديات، وإذا كانوا يعرفون أيًّا من أصدقائهم قام بتجريبها.
– التحدث عن المخاطر: في تلك المرحلة اسأل أبناءك عن المخاطر والنتائج التي أخذوها في الاعتبار، وعما يعتقدون أنه يمكن أن يحدث إذا حاولوا خوض ذلك التحدي، واسألهم أيضا عما يعتقدون أن أفضل مكافأة للقيام بالتحديات. هل هي مجموعة من الإعجابات والتعليقات؟ والسؤال الكبير الذي قد يطرح عليهم هو ما إذا كان قضاء أسبوع في المستشفى يستحق قول بعض الغرباء إنه “رائع!” على فيديو خاص بهم.
مشاركة العلامات التجارية في تحديات وسائل التواصل الاجتماعي
وتشير شركة “Meltwater” للعلاقات العامة والتسويق إلى أن التحديات الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي تعد واحدة من أفضل الطرق التي تحقق للعلامات التجارية تفاعلاً مع جمهورها وبناء مجتمعها على الإنترنت بشكل أكبر، فمشاركة العلامات التجارية عبر الإنترنت تتعلق بأكثر من مجرد إبداء الإعجاب والتعليقات وإعادة التغريد، حيث تمتد إلى بناء علاقات طويلة الأمد مع الجمهور بما يوفر القدرة على إنشاء دعاة للعلامة التجارية.
ولهذا السبب فإن تحديات إنستجرام، مثل “تحدي ديسمبر على إنستجرام” أو “تحدي صور إنستجرام”، حققت نجاحًا كبيرًا، فمن خلال التدفق المستمر للمحتوى الذي تم مشاركته على المنصة على مدار 30 يومًا، منح التحدي فرصة لتشجيع المشاركة من متابعي العلامة التجارية، وعزز أيضًا من الوصول إلى الجمهور، وفتح الأبواب أمام متابعين جدد وعملاء محتملين.
وبالنسبة للعلامات التجارية التي يقبل عليها بشكل خاص الجيل “Z” (الجيل المولود منذ منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة)، فإن المشاركة في التحديات عبر الإنترنت أداة للتسويق تستحق بذل الجهد والاهتمام، فهذا الجيل نشأ مع الإنترنت ويعرف كيف يصنع اتجاهات تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك تسعى العلامة التجارية لاستخدام ذلك لصالحها عن طريق اقتحام هذا المجال– إطلاق التحديات على مواقع التواصل الاجتماعي- بهدف اكتساب متابعين جدد وعملاء محتملين.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تحديات وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمثابة وسيلة ترفيهية خلال ظروف الوباء للتواصل بين الأفراد والاستمتاع بفرصة مشاركة المرح مع الأصدقاء والعائلة، إلا أن هذا لا ينفي المخاطر المرتبطة ببعض التحديات والتي قد تهدد حياة المشاركين فيها.
ونخلص أيضًا إلى أن تأكيد الهوية الذاتية يعتبر عاملاً أكثر أهمية من الشهرة لدى ممارسي التحديات على مواقع التواصل الاجتماعي، فأولويتهم هي التواصل مع الأقران من خلال إظهار لمسة من الأسلوب الشخصي، فيكون لديهم شغف في المسارعة بالمشاركة في التحدي، فلا أحد يريد الانضمام إلى التحدي متأخرًا، وبمجرد وصول التحدي لمرحلة الانتشار الفيروسي على مواقع التواصل الاجتماعي فإن شعبيته تتراجع، ويبدأ البحث عن تحدٍ جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى