تعرضت عملة “البيتكوين-Bitcoin” الافتراضية لهزة كبيرة في التاسع عشر من مايو الجاري، بعدما انخفض سعرها بنسبة 30% تقريبًا لتفقد حوالي 70 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال 24 ساعة فقط، على خلفية قيود جديدة فرضتها الصين على استخدام تلك العملة، بجانب إعلان شركة “تسلا” الأمريكية العملاقة المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية وقف بيع السيارات مقابل البيتكوين، واتجاه واشنطن لتشديد اللوائح التنظيمية للعملات الرقمية.
وتثير تلك التطورات المتلاحقة الكثير من التساؤلات حول مدى إمكانية الاعتماد على العملة المشفرة كمخزن للقيمة عن العملات التقليدية، فضلاً عن المخاطر المرتبطة باستخدام هذا النمط من العملات.
نشأة البيتكوين ومميزاتها وآلية عملها
ظهرت عملة البيتكوين في عام 2009، حيث أطلقها شخصية غامضة يدعى صاحبها “ساتوشي ناكاموتو”، وسرعان ما استخدمها مجموعة صغيرة من المتحمسين لتلك العملة الرقمية غير المرتبطة ببنك أو حكومة، والتي يتم تخليقها من خلال عملية تسمى التعدين.
وتخضع قيمة البيتكوين لعملية الطلب وتعتمد على نظام دفع الفرد للفرد مباشرة، ما يعني إمكانية تحويل الأموال عبر الإنترنت دون الحاجة إلى أحد البنوك ليقوم بدور الوسيط. ويجري شراء البيتكوين من خلال بعض البورصات الإلكترونية، حيث تتم مبادلة البيتكوين بالعملات التقليدية.
وتتسم تلك العملة بمجموعة من السمات من أبرزها أنها لامركزية فلا أحد يسيطر عليها، فضلاً عن عدم وجود قيود على من يمكن أن يشتريها، كما أنها مشفرة فلا يمكن تزويرها.
وتتيح البيتكوين للمستخدمين إنفاق الأموال دون الكشف عن هويتهم، على عكس العملات التقليدية التي تتطلب امتلاك بطاقة ائتمانية في حالة القيام بالتسوق عبر شبكة الإنترنت، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”.
وتستخدم البيتكوين ما يسمى بـ”السلسلة المغلقة”، أي دفتر حسابات رقمي يسجل جميع المعاملات، الأمر الذي يحول دون قيام الأفراد بخداع النظام عن طريق إنفاق البيتكوين أكثر من مرة (الإنفاق المزدوج)، بالإضافة إلى ذلك لدى كل مستخدم مفتاح خاص به مثل كلمة المرور، يتم المصادقة به على التحويل.
وتقبل بعض الشركات البيتكوين كوسيلة دفع، وتتيحها عدد من المؤسسات المالية في محافظ عملائها، فعلى سبيل المثال تعتبر شركة الدفع الرقمي “سكوير” ورئيسها التنفيذي جاك دورسي –وهو أيضًا الرئيس التنفيذي لشركة تويتر – من أشد المؤيدين للبيتكوين.
وفي فبراير الماضي أعلن بنك “BNY Mellon”، أقدم بنك في الولايات المتحدة، إدراج العملات الرقمية ضمن الخدمات التي يقدمها للعملاء، وذكرت شركة ماستركارد العالمية الرائدة في مجال تكنولوجيا حلول الدفع، أنها ستبدأ في دعم “عملات مشفرة محددة” على شبكتها.
ورغم أنه يتم إجراء أكثر من 300 ألف معاملة بيتكوين يوميًا في المتوسط، وفقًا لموقع “بلوكتشين. دوت إنفو” لتعاملات العملات المشفرة، لكن شعبية تلك العملة تبقى منخفضة مقارنة بالنقد وبطاقات الائتمان.
قرارات الصين وشركة تسلا الأمريكية وراء النزيف المفاجئ للبيتكوين
في 19 مايو الجاري، تراجع سعر البيتكوين مع إعلان الرابطة المصرفية الصينية قرارًا بحظر المؤسسات المالية وشركات الدفع من تقديم الخدمات المتعلقة بمعاملات العملات الرقمية، وقامت بكين بتحذير المستثمرين من المضاربة في تداول هذه العملات، ما أدى إلى تداول البيتكوين دون مستوى 40 ألف دولار، وذلك للمرة الأولى منذ 8 فبراير الماضي.
لكن لا تعتبر الصين وحدها السبب في هبوط سعر البيتكوين، إذ لعب الملياردير الكندي الأمريكي إيلون ماسك صاحب شركة تسلا لصناعة السيارات أيضًا دورًا في تلك المسألة، بإعلانه المفاجئ قبل أسبوع التوقف عن بيع السيارات مقابل البيتكوين، بسبب الضرر البيئي المحتمل الذي يمكن أن ينجم عن تعدين البيتكوين.
وكانت تسلا قد استثمرت في فبراير الماضي 1.5 مليار دولار في عملة البيتكوين، وبدأت في الشهر التالي قبول تلك العملة المشفرة كوسيلة للدفع، وقد ساهمت هذه الإجراءات في زيادة أسعار البيتكوين.
في المقابل، رفض عدد من محبي البيتكوين تراجع ماسك عن استخدام البيتكوين، إذ قال الملياردير الأمريكي الشهير مارك كوبان إن تعدين الذهب يضر بالبيئة أكثر من تعدين البيتكوين.
وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة ميونيخ التقنية ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 2019 أن شبكة البيتكوين تولد كمية من ثاني أكسيد الكربون مماثلة لمدينة غربية كبيرة أو دولة نامية بأكملها مثل سريلانكا، لكن دراسة أخرى أجرتها جامعة كامبريدج العام الماضي قدرت أن 39% في المتوسط من التعدين المشفر كان مدعومًا بالطاقة المتجددة، وفي المقام الأول الطاقة الكهرومائية.
وأثار موقف ماسك القلق بين مستثمري بيتكوين من أن تبيع تسلا بعض أو كل محفظتها من البيتكوين، لكن ماسك أشار في تغريدة على حسابه بموقع التدوينات القصيرة “تويتر” إلى أن تسلا ملتزمة باستثمارها.
وكانت عملة “البيتكوين” قد سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق في 14 أبريل الماضي، حيث بلغت مستوى 64854 دولارًا، ويعني ذلك أن العملة الرقمية فقدت نحو 25 ألف دولار (حوالي 38%) من قيمتها منذ ذلك التاريخ.
ويثار تساؤل هنا، مفاده هل يمكن أن يتسبب بيع العملات الرقمية في أضرار واسعة النطاق؟ والإجابة أن منظمي سوق العملات الرقمية لا يشعرون بقلق شديد بشأن انهيار محتمل في العملات الرقمية بشكل يؤدي إلى تراجع النظام المالي أو الاقتصاد، فحتى مع عمليات البيع الأخيرة، تبلغ القيمة السوقية للعملات الرقمية حوالي 1.72 تريليون دولار، وفقًا لموقع “coinmarketcap.com” المعني ببيانات العملات الرقمية.
وفي هذا الإطار، اعتبر البنك المركزي الأوروبي أن خطر تأثير العملات المشفرة على استقرار النظام المالي يبدو “محدودًا في الوقت الحالي”، ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى أنها لا تزال غير مستخدمة على نطاق واسع في المدفوعات، ولا تزال المؤسسات الواقعة ضمن اختصاص البنك المركزي الأوروبي تتعرض بشكل ضئيل للأدوات المرتبطة بالعملات المشفرة.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إن دراسة استقصائية لجهات الاتصال بالسوق وجدت أن واحدًا من كل خمس عملات مشفرة تشكل صدمة محتملة للنظام المالي خلال الفترة من 12 إلى 18 شهرًا القادمة.
ويرى غاري جينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة، أن أسواق العملات المشفرة ستستفيد من المزيد من الرقابة لحماية المستثمرين.
وأوضح في جلسة استماع أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأمريكي أنه لا يوجد لدى اللجنة، إطار تنظيمي للتداول في بورصات العملات المشفرة حتى الآن، معتبرًا أن على الكونجرس معالجة ذلك الأمر تشريعيًا نظرًا لأنه لا توجد في الحقيقة حماية ضد الاحتيال أو التلاعب.
أبرز المخاطر المرتبطة باستخدام البيتكوين
توجد ثمة مجموعة من المخاطر المرتبطة باستخدام العملات المشفرة أو الافتراضية مثل البيتكوين، ويتمثل أبرزها في مخاطر تغير السعر، حيث يتقلب سعر العملة المشفرة باستمرار، ويمكن أن يرتفع الرصيد أو ينخفض بشكل مفاجئ.
وكذلك مخاطر السيولة، فهناك احتمال أن الصفقات لا يمكن تسويتها، أو قد يكون من الصعب تسويتها، أو يمكن تداولها فقط بأسعار معاكسة بشكل كبير اعتمادًا على حالة السوق أو حجمها.
ومن بين المخاطر أيضًا تلك المتصلة بشبكة العملات المشفرة، حيث يتم تعليق معاملات العملة المشفرة (أي مصادقة المعاملات على “بلوكتشين-Blockchain”) لفترة زمنية معينة حتى يتم استلام قدر كافٍ من تأكيدات التداول.
وأخيرًا، خطر فقدان المفتاح الخاص أو كلمة المرور لخدمات المحفظة الخارجية، ففي حالة استخدام الشخص لمحفظة خارجية قد لا يتمكن من الوصول إلى عملته المشفرة إذا فقد مفتاحه الخاص أو كلمة المرور.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن اضطراب أسعار البيتكوين سيلقي بظلاله على اتجاه الأشخاص حول العالم نحو الاستثمار بكثافة في محافظ العملات الرقمية، بحيث سيصبح الخيار الأكثر جدوى هو تنويع المحفظة الاستثمارية عبر المزج بين العملات التقليدية والرقمية كوسيلة تحقق بعض التوازن وتحمي المستثمر من تقلبات الأسعار بالنسبة لهذين النمطين من العملات.
كما أن الاضطراب الراهن يعزز بقوة الأصوات التي تطالب بتطوير التشريعات المنظمة لسوق العملات الرقمية، حيث يبذل حاليًا كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جهودًا في هذا المجال.