تشهد إيران في الثامن عشر من الشهر المقبل الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة في تاريخها، وسط توقعات متنامية بعدم إقبال الناخبين على المشاركة في الاقتراع، الذين يدركون جيدًا طبيعة النظام الحاكم، وأن تصويتهم لن يحدث التغيير المنشود في ظل أوضاع اقتصادية كارثية، وعزلة دولية وفساد يستشري في كافة أجهزة الدولة.
ووفقًا لمراقبين للشأن الإيراني، تعتبر الانتخابات الرئاسية مجرد استحقاق دوري شكلي لا يؤثر على الإطلاق في السياسة الإيرانية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ويعود ذلك إلى طبيعة وبنية نظام الملالي، فالمرشد الإيراني علي خامنئي هو الحاكم الفعلي لإيران منذ عام 1989، ويستعين في ذلك بذراع عسكرية تتمثل في ميليشيا الحرس الثوري التي تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على بقاء النظام والبطش بالمعارضين وأي حراك شعبي ضد القمع المستمر وانتهاك حقوق الإنسان في إيران، بينما القصر الرئاسي لا يملك من الأدوات والسلطات ما يمكنه من التأثير الفاعل في السياسة الإيرانية.
تعديل قانون الانتخابات الرئاسية لتمكين قادة الحرس الثوري من خوض السباق
لقد أضفت التعديلات التي طرأت على قانون الانتخابات الرئاسية في 6 مايو الجاري، قدرًا من الخصوصية لتلك الانتخابات الرئاسية عن سابقاتها، حيث وافق خامنئي عبر مجلس صيانة الدستور على تلك التعديلات للسماح لكبار العسكريين وتحديدًا قادة ميليشيا الحرس الثوري بالترشح للرئاسة، وهو أمر لم يكن بوسعهم فعله من قبلُ.
وقد أصدر المجلس بيانًا حدد فيه شروط الترشح والتسجيل في الانتخابات الرئاسية أكد فيه إمكانية ترشح كبار العسكريين (برتبة لواء وما فوق) والوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات في المدن التي يزيد عدد سكانها على 2 مليون نسمة، كما تضمنت الشروط أن يكون عمر المرشح بين 40 و75 عاما، وأن يكون حاصلاً على درجة الماجستير أو ما يعادلها على الأقل، وشغل 4 سنوات على الأقل في المناصب الإدارية، وفقًا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
ويتولى مجلس صيانة الدستور اعتماد القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في عام 2017، أفادت وزارة الداخلية الإيرانية بأن 1636 شخصًا قد سجلوا أسماءهم للترشح للمنصب، لكن مجلس صيانة الدستور وافق على ستة مرشحين فقط.
ووفقًا لإحصاءات مجلس صيانة الدستور، فقد تم تسجيل 592 مرشحًا لخوض انتخابات الرئاسة الشهر المقبل، ومن المقرر أن يصادق المجلس على اللائحة النهائية للأسماء بحلول 27 مايو الجاري، على أن تبدأ في اليوم التالي حملة انتخابية مدتها 20 يومًا.
وإثر التعديلات في قانون الانتخابات الرئاسية، ترشحت شخصيات عسكرية بارزة مثل الجنرال حسين دهقان وزير الدفاع في حكومة روحاني الأولى، وسعيد محمد الرئيس السابق لقوات “مقر خاتم الأنبياء”، الذراع الاقتصادية للحرس الثوري، والجنرال محسن رضائي القائد الأسبق للحرس الثوري.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحرس الثوري كتنظيم لا يخلو من انشقاقات وأجنحة متنافسة، ولكنه بوجه عام يريد أن يكون له حضور أكثر وضوحًا على الساحة السياسية الرسمية كوسيلة لحماية مصالحه المستقبلية في مرحلة ما بعد خامنئي، لا سيما مع كبر سن المرشد (82 عاما) واحتمالات الصراع المتزايدة بشأن خلافته بمجرد وفاته.
وفي ذات الإطار، يخوض السباق الانتخابي اسمان بارزان في أوساط المحافظين، حيث ترشح كل من السياسي المحافظ المعتدل علي لاريجاني الرئيس السابق لمجلس الشورى، والمحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية، والذي جاء في المرتبة الثانية بعد روحاني في انتخابات عام 2017.
ومن المستبعد للغاية إمكانية رفض مجلس صيانة الدستور قبول ترشيح لاريجاني نظرًا للأدوار العديدة التي شغلها في الدولة منذ عام 1979، ولذلك فعلى الأرجح سينحصر السباق الانتخابي بين رئيسي ولاريجاني، وهي بالضبط النتيجة التي يهدف خامنئي إلى تحقيقها، الأمر الذي يجعل الانتخابات الرئاسية بمثابة مسرحية سياسية، وإن كانت تقدم لمحة عن نوع خطوط الصدع التي يمكن توقعها في جمهورية ما بعد خامنئي، وفقًا لمعهد الشرق الأوسط (مركز بحثي مقره واشنطن).
اعتراف رسمي استباقي باحتمال انخفاض مشاركة الناخبين في الاقتراع
من جهة أخرى، من المستبعد تمامًا أن تحظى الانتخابات بإقبال من جانب الناخبين الإيرانيين، فبعد 24 عامًا من انتخاب خاتمي أملًا في وعوده بإصلاح البلاد، فإن الشعب بات محبطًا بسبب الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية وانعدام الحريات الأساسية، لذا من الصعب تخيل إقبال الإيرانيين بحماس على المشاركة في الاقتراع الرئاسي.
واللافت أن نظام الملالي يدرك تلك الحقيقة جيدًا ولم يجد مفرًا من الاعتراف بها بشكل استباقي، وقد تجسد ذلك في تصريحات المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، عباس علي كدخدا التي قال فيها إن مستوى المشاركة المنخفضة المحتمل لن يؤدي إلى أي مشاكل قانونية أو يؤثر على شرعية الانتخابات، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية.
ووفقًا لتقديرات مؤسسة الطلبة الإيرانيين لاستطلاع الرأي “إيسبا” (مؤسسة حكومية)، فإن نسبة المشاركة في انتخابات هذا العام ستكون نحو 39 % من الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وهو أدنى مستوى منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
المرشد الإيراني واحتكار السلطة والقرار السياسي الداخلي والخارجي
ويشير المجلس الأطلسي (مركز بحثي مقره واشنطن) إلى أنه أيًا كان المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية فلن يكون له تأثير مادي على السياسة الداخلية أو الخارجية لإيران، فقد تعاقب على كرسي الرئاسة 7 رؤساء، أولهم أبو الحسن بني صدر (1980 – 1981) المقيم في المنفى بفرنسا، والثاني محمد علي رجائي الذي اغتيل في تفجير عام 1981. أما الثالث فهو المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، الذي تولى الرئاسة خلال الفترة من 1981 إلى 1989.
وقد تم تهميش كافة الرؤساء اللاحقين لخامنئي بعد انتهاء فترة ولايتهم، فعلي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي تولى الرئاسة من عام 1989 إلى 1997 تم استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور عندما سعى لولاية ثالثة في عام 2013، ومحمد خاتمي الذي كان رئيسًا من 1997 إلى 2005، واجه قيودًا شديدة بسبب الحركة الخضراء (2009 – 2011)، لدرجة أن الصحف تُمنع من ذكر اسمه أو طباعة صورته حتى اليوم.
وكان وضع خليفته محمود أحمدي نجاد (تولى الرئاسة خلال الفترة 2005 – 2013 أفضل حالاً بعد مغادرته المنصب، لكن مجلس صيانة الدستور استبعده أيضًا عندما سعى لولاية ثالثة في عام 2017، وقد تقدم مجددًا بأوراق ترشحه للمنافسة في السباق الانتخابي الحالي- على الأرجح سيتم رفض طلبه أيضًا-، بينما يبقى مصير الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني بعد مغادرة منصبه غير معروف بعدُ.
والحقيقة التي لا تقبل أي شك هنا أن رئاسة إيران ليست منصبًا مؤثرًا أو يصاحبه سلطات سياسية كما قد يظن البعض في الوهلة الأولى، فمجرد إلقاء نظرة على الدستور الإيراني تفسر عدم تأثير الرؤساء، أو الانتخابات بشكل عام في سياسات الدولة، إذ تضع المادة الرابعة من الدستور مصير جميع القوانين في يد ستة من رجال الدين الأعضاء في مجلس صيانة الدستور المؤلف من اثني عشر عضوًا، فهؤلاء الستة هم الذين يحددون ما إذا كان القانون يتوافق مع الشريعة أم لا، ويتم تعيينهم مباشرة من قبل المرشد الإيراني، أما الستة أعضاء الآخرين فهم من المحامين ذوي الخبرة ويتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة القضائية ويُصوت عليهم أعضاء مجلس الشورى.
وعلى الرغم من محدودية صلاحيات الرئاسة، فقد تم إعاقة رؤساء إيران حتى عند محاولتهم ممارسة سلطاتهم الدستورية، فعلى سبيل المثال، بينما يحق للرئيس اختيار وزير الاستخبارات بموجب الدستور، فإن الواقع العملي يشهد بأن المرشد الإيراني هو من يقوم بذلك.
ومن أبرز المؤشرات في هذا الإطار، ما جرى في عام 2011 حين تحدى الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد المرشد علي خامنئي بإقالة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي، ما أدى لقيام خامنئي بتوبيخ نجاد بشكل علني، موجهًا رسالة إلى مصلحي لتثبيته في منصبه وزيرًا للاستخبارات.
وفي عام 2017، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه يريد تعيين ثلاث وزيرات في الحكومة، لكنه سرعان ما أعرب عن أسفه لعدم حدوث ذلك، مشيرًا إلى أن العناصر المحافظة حالت دون تنفيذ الخطوة.
ومن بين الأمثلة الأخرى على عجز الرئاسة في إيران، مسألة حظر دخول النساء إلى ملاعب كرة القدم، إذ لا يوجد قانون ينص على ذلك، كما أن السلطة التنفيذية تسيطر على الساحات الرياضية، وقد حاولت شهيندخت مولاوردي، نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة، بالفعل إلغاء الحظر في عام 2015، لكنها رضخت قائلة إن إدارة روحاني تتخلى عن القضية “احتراماً” لكبار رجال الدين الذين عارضوا هذه الخطوة. ويعكس هذا فشل السلطة التنفيذية في تحقيق هدفها المعلن بشأن قضية تتمتع بسلطة قانونية كاملة للتصرف بشأنها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية الإيرانية لن تحمل في جعبتها تغييرًا في السياسة الإيرانية داخليًا أو خارجيًا، فعلى سبيل المثال لن تلقي بظلالها على المساعي الدائرة حاليًا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، ويعود ذلك للطبيعة المهيمنة للمرشد الإيراني في النظام.
لكن يبقى التأكيد على أن السياقات المحيطة بالانتخابات وإجراءاتها كشفت قدرًا من التحولات الآخذة في التشكل ببطء داخل النظام الإيراني، حيث صعود دور قادة ميليشيا الحرس الثوري وتنامي طموحاتهم في ممارسة المزيد من السلطة لا سيما في مرحلة ما بعد خامنئي، والتي تفيد مؤشرات عدة سواء داخل أروقة السلطة حيث الصراعات الكامنة بين العديد من الأجنحة أو خارجها ممثلة في تنامي الغضب في الشارع الإيراني أنها ستكون مرحلة شديدة الخطورة بالنسبة للحرس الثوري بوجه خاص وبنية النظام السياسي الإيراني بشكل عام.