تقارير

مسؤولية مؤثري التواصل الاجتماعي عن جائحة المعلومات المضللة

سلطت جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” الضوء على المشكلات التي تسببها الأخبار المضللة باعتبارها جائحة أخرى تنتشر في الفضاء الرقمي لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، وبينما يستخدم “كوفيد-19” الأشخاص كناقل للعدوى في الواقع الحقيقي، فإن فيروس الأخبار المضللة ينتشر عبر البعض من أصحاب الحسابات التي تحظى بعدد كبير من المتابعين – الذين يعرفون اصطلاحًا لدى المتخصصين في شؤون التواصل الاجتماعي باسم “المؤثرين- Influencers” – ولذلك يبدو التحكم في سلوك الناقل أو الموزع أكثر الحلول عملية للتصدي لخطر الجائحتين.
تنظيم نشاط المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي
ووفقًا لموقع ” vLex Justis” البريطاني، فإن وسائل التواصل الاجتماعي توفر منصة للمحتوى الذي ينشئه المستخدم دون أن يتم غربلته أو خضوعه لنظام تحريري، وهو ما يسمح للأخبار المزيفة بالازدهار، ويمكن أن يخدع كلا من البالغين والطلاب على حد سواء. كما أن محاولات منصات التواصل الاجتماعي للتنظيم الذاتي مشكوك في فاعليتها، فهي بطيئة جدًا في الاستجابة لما ينشر بسبب الجدل حول حرية التعبير، ولذلك يمكن أن يكون التحكم في سلوك المؤثرين أكثر فاعلية.
ويطرح الموقع تساؤلاً مفاده أنه إذا كان بالإمكان تنظيم وسائل الإعلام التقليدية دون الإخلال بالحفاظ على حرية التعبير، فلماذا لا يتم تنظيم سلوك المؤثرين؟ فبعضهم يكون بؤرة الأخبار المزيفة نظرًا لدورهم في جعل تلك الأخبار تنتشر بسرعة، وقد تسببت العديد من القصص الإخبارية المزيفة ونظريات المؤامرة التي تم اختلاقها أو مشاركتها بواسطة هؤلاء المؤثرين في حدوث أعمال عنف في العالم الحقيقي.
ويقترح موقع “vLex Justis” إلزام أصحاب الحسابات التي تحظى بمتابعين كثر بالحصول على ترخيص مسبق في حال ممارستهم أنشطة إعلانية من أجل الحفاظ على المصداقية فيما ينشرونه، مع قيام الجهات المختصة بالاحتفاظ بسجلات على الإنترنت لمشاركة هؤلاء المؤثرين للأخبار المضللة.
وبشكل عام ينبغي التأكيد على أن التحقق اللاحق من الحقائق يكون عديم الفائدة لأن رواد مواقع التواصل غالبًا ما يكون قد تحول اهتمامهم إلى موضوع جديد قبل كشف المعلومات المضللة، ومع ذلك، فإن مثل هذا النظام من شأنه أن يجعل التحقق من الحقائق اللاحقة أمرًا جديرًا بالاهتمام من خلال تكوين سجل تراكمي يكشف عن ممارسات هؤلاء المؤثرين، ويجعلهم عرضة لعدم تجديد الترخيص أو يفرض عليهم أعباء أكثر عند تجديده.
إن أحد أسباب انتشار الأخبار والمعلومات المضللة حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي هو الافتقار للمساءلة، ونظرًا لأن ذلك المحتوى يمكن أن يقوض الاستقرار السياسي والاقتصادي والحقوق الفردية، فيجب التعامل مع ذلك الملف بشكل أكثر جدية باعتباره أمرًا مؤثرًا على الجميع.

12 شخصًا يقفون وراء 65% من المحتوى المضاد للقاحات
لقد جاءت جائحة كورونا لتبرز الدور السلبي الذي يلعبه هؤلاء المؤثرون، الأمر الذي تؤكده دراسة صادرة عن “مركز مكافحة الكراهية الرقمية- CCDH” خلصت إلى أن 12 فقط من مناهضي اللقاحات مسؤولون عن ما يقرب من ثلثي المحتوى المضاد للقاحات المتداول على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وتشير الدراسة إلى أن هؤلاء الأشخاص يلعبون أدوارًا قيادية في نشر المعلومات الخاطئة حول لقاحات «كورونا» في الفضاء الرقمي، موضحة أنه تم اختيارهم لأن لديهم عددًا كبيرًا من المتابعين، أو أنهم ينتجون كميات كبيرة من المحتوى المضاد للقاحات أو لأن حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي في الشهرين الماضيين شهدت نموًا سريعًا، ومن بين هؤلاء روبرت ف. كينيدي جونيور، الذي يقود مجموعة مضادة للقاحات، والدكتور جوزيف ميركولا، الذي جمع ثروة من بيع المكملات الغذائية كبدائل للقاحات؛ وتاي وشارلين بولينجر، مؤلفا كتاب “الحقيقة حول السرطان”.
وأظهر تحليل عينة من المحتوى المضاد للقاحات الذي تم مشاركته أو نشره على فيسبوك وإنستجرام وتويتر بإجمالي 812 ألف مرة خلال الفترة ما بين 1 فبراير و16 مارس 2021 أن 65 % من المحتوى المضاد للقاح يُعزى إلى مجموعة أطلقت عليهم الدراسة اسم “دزينة المعلومات المضللة- The Disinformation Dozen “، مشيرة إلى أنه تم إلغاء حسابات ثلاثة أشخاص فقط من أصل 12 شخصًا من منصة واحدة، بينما لا يزال تسعة منهم موجودين على المنصات الثلاث، وذلك على الرغم من انتهاكهم اتفاقيات الخدمة مرارًا وتكرارًا، علمًا بأن هؤلاء الأشخاص ليس لديهم أي خبرة طبية تؤهلهم لإبداء رأي في مسألة اللقاحات ويكونون مدفوعين بمصالح مالية.
ووفقًا لتحليل المحتوى المضاد للقاحات الذي تم نشره على فيسبوك  أكثر من 689 ألف مرة خلال الشهرين الماضيين، كان 73 % من هذا المحتوى مصدره أعضاء مجموعة تضم كبار مناهضي اللقاحات، كما كشف تحليل أكثر من 120 ألف تغريدة ضد اللقاحات تم جمعها خلال الفترة ذاتها أن  17 % منها مصدرها  كبار مناهضي اللقاحات.
واللافت هنا أن انتشار تلك المعلومات المضللة نتاج طبيعي لسلسلة من الإخفاقات لمنصات التواصل الاجتماعي، حيث أظهرت أبحاث أجراها “مركز مكافحة الكراهية الرقمية- CCDH” العام الماضي أن المنصات تفشل في  التعامل مع 95 % من المعلومات المضللة التي تم الإبلاغ عنها بشأن فيروس كورونا واللقاحات.
وكشف تقرير صادر عن المركز في يناير الماضي أن خوارزمية إنستجرام كانت توصي بمعلومات خاطئة مماثلة، كما أظهر تتبع 425 حسابًا مضادًا للقاحات أن إجمالي المتابعين عبر المنصات بلغ 59.2 مليون في ديسمبر 2020 بزيادة قدرها 877 ألف متابع عن شهر يونيو من العام ذاته.
دور شركات التواصل الاجتماعي في ضبط وحذف الحسابات المروجة للمعلومات المضللة
ويرى “مركز مكافحة الكراهية الرقمية- CCDH” أن الطريقة الأكثر فاعلية لوقف نشر المعلومات المضللة هي حذف حسابات هؤلاء المؤثرين، وأيضًا حسابات المؤسسات التي يتحكمون فيها أو يمولونها بالإضافة إلى أي حسابات احتياطية قاموا بإنشائها لتجنب الحذف.
ويوصي كذلك بتقديم شاشات تحذير للمستخدمين عند محاولة اتباع روابط لمواقع معروفة باستضافة معلومات مضللة عن اللقاح، مع إظهار تصحيحات للمستخدمين الذين تعرضوا لمشاركات تحتوي على معلومات مضللة.
في المقابل، يؤكد متحدث باسم موقع تويتر أن الأخير حذف 22400 تغريدة بموجب سياسة مكافحة المعلومات المضللة الخاصة بكورونا، فيما يشير داني ليفر، المتحدث باسم فيسبوك إلى أن الشركة أزالت أكثر من مليوني قطعة من المحتوى المضلل بشأن اللقاحات منذ فبراير الماضي، فيما أخبر مارك زوكربيرغ مؤسس موقع فيسبوك المشرعين في لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأمريكي خلال جلسة استماع أن منصته تقسم المعلومات المضللة إلى فئات، أخطرها ما يمكن أن يسبب ضررًا جسديًا وشيكًا، وكذلك الادعاءات الكاذبة حول فيروس كورونا أو لقاحاته، وهو ما تتم إزالته.
وقد انتقدت مجموعة من 12 من المدعين العامين في الولايات المتحدة هذا “النهج العام” وحثوا فيسبوك وتويتر على “اتخاذ خطوات فورية” لقمع الأكاذيب المنتشرة على الإنترنت ضد اللقاح وذلك وسط تواصل الجهود لتطعيم الجمهور ضد كورونا.
وفي رسالة إلى زوكربيرغ وجاك دورسي الرئيس التنفيذي لتويتر، ضغط المدعون العامون على عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تطبيق شروط الخدمة بشكل كامل لمكافحة التضليل بشأن اللقاحات.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن نشاط أصحاب الحسابات التي تحظى بكم كبير من المتابعين، والتي تعرف باسم حسابات المؤثرين، بمثابة سلاح ذي حدين، فيمكن استخدامها بشكل إيجابي لتعزيز الوعي العام بأزمة أو قضية ما مثل أزمة كورونا، وأيضا قد تلعب دورًا سلبيًا في حال ترويجها لمعلومات مضللة نظرا لنطاق الوصول الكبير الذي يتوفر للمحتوى المنشور عبر تلك الحسابات، ولذلك لا يمكن أن يترك هذا الأثر رهنًا لمدى تحلي أصحاب تلك الحسابات بالمسؤولية المجتمعية، إذ يبدو الحل الأكثر نجاعة أن تفعل شركات مواقع التواصل الاجتماعي من جهودها لمكافحة المحتوى المضلل، فضلًا عن تنظيم نشاط تلك الحسابات التي تستخدم كثيرًا لأغراض تسويقية، عبر منح أصحابها تصاريح من قبل الجهات المختصة بتنظيم الإعلام والإعلان شأنهم شأن أي وسيلة إعلامية مع إلزامهم بمدونة سلوك تنظم عملهم وتضمن جزاءات على المخالفين.

زر الذهاب إلى الأعلى