تستخدم الشركات والمؤسسات ومنظمات الأعمال الإعلان كجزء من خطتها التسويقية لبناء الوعي وزيادة مبيعات منتجاتها وخدماتها في نهاية المطاف، وفي سبيل بلوغ ذلك الهدف يتم استخدام استراتيجيات متنوعة لجذب انتباه الجمهور ومحاولة إقناع العملاء المحتملين بتجربة المنتج أو الخدمة ويعتبر العنصر المفتاحي في تلك العملية هو القدرة على الإقناع.
والإقناع في حد ذاته عملية صعبة لأن تغيير وجهات النظر غالبًا ما يجعل الأشخاص يشعرون بأنهم لم يكونوا على علم أو اطلاع بشأن شيء ما، مما يعني أيضًا أن عليهم الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين. وترتكز استراتيجيات الإقناع على أساس أن التعديل الواقعي للسلوك هو الهدف الذي يستهدف الاتصال الإقناعي باعتباره المعيار لتقرير ما إذا كانت العملية الاتصالية قد نجحت أم لا.
الإقناع مفتاح رئيسي لعملية التسويق
وتختلف حساسية العملاء للحجج والاستمالات الإقناعية تبعًا لعدد من العوامل بما في ذلك حالتهم العاطفية المباشرة، ولذلك يحتاج المسوق إلى البحث عن “نافذة الإقناع” لدى الجمهور المستهدف.
ووفقًا لموقع “marketing-schools” المتخصص في التسويق، يقوم “التسويق الإقناعي” على توظيف علم النفس البشري لتطوير تقنيات لتسويق المنتجات أو الخدمات، وينطبق هذا تحديدًا على جانب العروض الترويجية للمزيج التسويقي، كما يعتمد على السلوك المندفع للعميل من أجل قيادته إلى الشراء.
وفيما يتعلق بالتجارة عبر الإنترنت، يشمل التسويق الإقناعي كيفية تصميم صفحة الإنترنت – مع التركيز على جزء من عملية صنع القرار التي لا يتم التحكم فيها بوعي-، فعناصر مثل التخطيط والنسخ والطباعة، جنبًا إلى جنب مع الرسائل الترويجية الصحيحة، تشجع زوار موقع الإنترنت على اتباع المسارات المخططة لهم مسبقًا على الموقع واتخاذ إجراءات محددة، بدلاً من منحهم حرية الاختيار في كيفية التفاعل مع الموقع.
ثلاث استراتيجيات أساسية للإقناع في الحملات التسويقية
ومن هذا المنطلق، فإن الإقناع -كاتصال مخطط- يقوم على استراتيجيات أساسية في تخطيط الحملات الإقناعية الناجحة بهدف تشجيع نوع معين من السلوك، وتشمل هذه الاستراتيجيات: الاستراتيجية الديناميكية النفسية والاستراتيجية الثقافية الاجتماعية واستراتيجية إنشاء المعاني.
وبالنسبة للاستراتيجية الديناميكية النفسية، فتقوم على أن أداة الإقناع تكمن في تعديل البناء السيكولوجي الداخلي للفرد، بحيث تؤدي العلاقة الدينامية السيكولوجية بين العمليات الداخلية الكامنة والسلوك العلني الظاهر إلى أفعال يريدها القائم بالاتصال الإقناعي.
وتشمل خصائص الفرد مجموعة من الخصائص البيولوجية الموروثة، ومجموعة أخرى من العوامل البيولوجية جزئيًّا والمكتسبة جزئيًّا كالحالات والظروف الانفعالية، ومجموعة من العوامل المكتسبة التي تم تعلمها لتنظيم التركيب الإدراكي للفرد، ومن بين هذه الأنواع الثلاثة لا بد أن ترتكز استراتيجيات الإقناع إما على عوامل عاطفية أو على عوامل إدراكية، إذ من الواضح استحالة تعديل عامل بيولوجي موروث لكن من الممكن استخدام رسائل الاتصال لإثارة حالة انفعالية كالغضب والخوف، والتي يمكن أن تكون مهمة عندئذ في تشكيل الاستجابة، وتمثل العواطف أساسًا واضحًا لاستراتيجيات الإقناع، لكن لن يتسنى استخدامها إلا في عدد محدود من المواقف، لذا يجري التركيز في حملات الإقناع الهادفة إلى التأثير على العوامل الإدراكية.
أما الاستراتيجية الثقافية الاجتماعية فتقوم على فكرة مفادها أن الثقافة تؤدي وظيفة حيوية في تشكيل السلوك، وتتحكم في الأنماط السلوكية المنبثقة عن الشخصية، وإذا أردنا تبرير بعض السلوكيات الغربية فلا تجد تبريرًا إلا ضمن الثقافة التي نشأ فيها الفرد، فالثقافة تحمل في طياتها الأشكال السلوكية والقوالب الفكرية التي يطبع عليها الفرد.
كما تدمج ضمن هذه العملية مسألة التوقعات الاجتماعية المتضمنة في النظم الاجتماعية التي يتفاعل من خلالها الأفراد مع بعضهم البعض، فالأسرة أو مجموعة الأصدقاء أو المدرسة تمارس مجموعة من الضوابط الفردية، وقد يجبر الفرد في بعض الأحيان على القيام ببعض السلوكيات ضمن جماعة اجتماعية معينة دون أن يكون مقتنعًا بذلك، فهذه العوامل الخارجية هي التي تشكل سلوك الفرد وتحدده مسبقا بناء على التوقعات الاجتماعية ومطالب الآخرين، وليس بناءً على رغبات الفرد وأولوياته.
وتستخدم هذه الاستراتيجيات بكثرة في الحملات الإعلامية من خلال اختيار شخصية معروفة جماهيريًّا أو أحد كبار المسؤولين لإثارة الحماس والتعاون من جانب المنظمات المختلفة والأفراد.
أما استراتيجية إنشاء المعاني فتمثل نهجًا ثالثًا للإقناع يكفل التأثير في المعاني أو بناء الصور الذهنية، وتستخدم وسائل الإعلام في إنشاء ودعم الصور الذهنية من خلال مصادر غير محدودة للمعلومات المتنافسة والتي تصوغ أو تعدل المعاني لدى الأفراد.
إن هذه الاستراتيجية يمكن أن تكون على شكل إنشاء جديد للمعاني أو استبدال المعاني بأخرى أو تثبيت المعاني الجديدة، وبالتالي فإن توفير الكم الكافي من المعلومات للجمهور بما يؤدي إلى بناء المعاني في منظومته المعرفية يؤدي إلى انبثاق السلوك المتوافق والهدف الإقناعي.
عناصر تطوير حملة التسويق الإقناعية
توجد ثمة أربعة عناصر أساسية للتسويق الإقناعي وهي: “التواصل المنظم- Structured communication”، و”سرد القصص-Storytelling”، و”كتابة الإعلانات- Copywriting”، و”التسويق العصبي- Neuromarketing”.
“التواصل المنظم-Structured communication“: يتعلق بالتحكم في ترتيب الحوار، أو كيفية تقديم المعلومات للمستهلك. والهدف من ذلك هو تحريك العميل على طول “منحنى الاندفاع” الخاص به، وتشجيع دافع العميل في البداية.
فخلال تصميم موقع الإنترنت، فإن الصفحة الأولى التي يراها العميل لا تسعى على الفور إلى البيع، ولكنها بدلاً من ذلك تقدم الرسالة الأولية وتشجع على المزيد من الاستكشاف للموقع.
“سرد القصص-Storytelling“: يعني استخدام إطار سردي لاستدعاء ردود العملاء العاطفية واللاواعية، ويثير استخدام كلمات وصور معينة ردود فعل عاطفية معتادة، مثل المودة والألفة والتعاطف.
كتابة الإعلانات- Copywriting“: وخلال هذه العملية يتم استخدام الكلمات والعبارات الصحيحة للعناوين والتعليقات التوضيحية وأوصاف المنتج والنصوص الأخرى. ويقوم التسويق الإقناعي على اختبار أنواع مختلفة من كتابة الإعلانات، من أجل تحديد الصيغة التي من المرجح أن تنتج المشاعر أو الإجابة التي يبحث الأفراد عنها. ويجب أن يتذكر كاتب الإعلانات والمسوق أن الخوف من الخسارة يحفز معظم الناس أكثر من الوعد بالمكاسب. وبالتالي فإن عبارة “لا تفوت” لها تأثير أكبر من “امتلك” المنتج محل الدعاية.
“التسويق العصبي- Neuromarketing“: ربما يكون أهم عنصر في التسويق الإقناعي، وأبرز نمط لتطبيق علم النفس في الرسالة التسويقية، حيث يسعى إلى الاستفادة من آخر ما توصل إليه الطب في دراسته للمخ البشري وأنظمته العصبية، لوضع نمط جديد من الإعلان التسويقي للسلع المختلفة، يتوقع له أن يكون أجدى وأبلغ أثرًا من فن الإعلان المتعارف عليه حاليًا والقائم على مخاطبة العقل الباطن اعتمادًا على علم النفس.
وتكشف البحوث النفسية عن معلومات حول العوامل المتنوعة التي تسهم في القرار وأن ما يقرب من 90 % من القرارات تحدث في اللاوعي، فعلى سبيل المثال، توضح الأبحاث أن الإشارات البصرية والشمية مهمة لتهيئة المجال لبلوغ حالة مزاجية معينة، لذلك تعرض محلات البقالة الزهور في المقدمة من أجل توليد انطباع لدى العملاء عن أن المنتجات ستكون طازجة ونضرة. وفيما يتعلق بتصميم موقع الإنترنت، فهذا يعني استخدام نظام ألوان ومؤثرات بصرية لتحسين استجابة زوار الموقع. كما يعتبر عرض شهادات العملاء على الموقع الإلكتروني استراتيجية فعالة لمخاطبة وجدان وعاطفة الجمهور المحتمل.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن علم نفس المستهلك أصبح يلعب دورًا أساسيًّا في أي حملة تسويقية إقناعية للمؤسسة سواء عبر منصات الإعلام التقليدي أو الإعلام الجديد وفي مقدمته شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يجعل المؤسسة أو العلامة التجارية قادرة على جذب انتباه الجمهور المستهدف والتأثير على قراراته وتحفيزه للقيام بسلوك معين.