تقارير

تأثير أصول الشركات على منصات التواصل الاجتماعي في صفقات الاندماج

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في رسم الصورة الذهنية عن الشركة لدى جمهور المستهلكين وغرس حالة من الثقة فيما تقدمه من خدمات أو منتجات، وهذه الصورة تكون في بعض الأحيان محركًا رئيسيًّا يدفع المستثمرين إلى الرغبة في الاستحواذ على الشركات ضمن خُطَطٍ توسعيةٍ في السوق، وهو ما أكده استطلاع أجرته شركة “ديلويت -Deloitte” للخدمات المالية أفاد أن أكثر من نصف المديرين التنفيذيين المعنيين بتطوير الشركات لجؤوا إلى مطالعة حسابات الشركات على وسائل التواصل الاجتماعي قبل المضيِّ قُدُمًا في إجراءات تتعلق بتقديم عروض للاستحواذ أو الاندماج.

ويعني ذلك أن حسابات الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يمكن تسميته بـ”الأصول الرقمية” لا تقل أهمية بحال من الأحوال عن أصولها المادية، فهي أصل لا بد من أنْ يحظى بالاستثمار والاهتمام من جانب الشركات باختلاف أنشطتها.

ويبقى على المالكين الجدد وضع استراتيجية خاصة للتعامل مع تلك الأصول على وسائل التواصل الاجتماعي خلال عملية الدمج، وتوظيفها على نحوٍ أمثل يخدم أهداف التوسع والتكامل بين الكيانَيْن.

إشكالية عدم تقييم الأصول على منصات التواصل الاجتماعي

ووفقًا لتقرير لشركة “Odin Law and Media” للأعمال الرقمية، فإن الشركات عندما تستعد لعمليات اندماج أو استحواذ، تعد قائمة بجميع أصولها وقيمتها المالية، لتقوم الجهة المُشْتَرية بعد ذلك بمراجعة هذه القائمة وتضمينها في اتفاقية الشراء.

وعلى الرغم من حرص الشركات على تقديم  حصر مفصَّل للأصول المادية مثل المعدات والتجهيزات والسيارات، فإن معظم اتفاقيات الشراء، إمَّا تفشل في التعامل مع الأصول الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي أو تقوم بمعالجة سطحية لهذه الأصول، ممَّا يسبب مشكلات لاحقة في ظل اعتماد الشركات المتزايد على التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتعد صفحات التواصل الاجتماعي على فيسبوك وتويتر وإنستغرام ومتابعيهم بالنسبة لبعض الشركات أحد الأصول التجارية الأكثر قيمة التي تمتلكها.

وقد وجدت دراسة حديثة أجرتها مجلة “فوربس” الأمريكية أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 هم أكثر ولاءً بنسبة 60% للشركات التي يتابعونها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتشير شركة “Odin Law and Media” إلى أنه مع زيادة ولاء العملاء عبر تلك المنصات، من المتوقع أنْ تنفق الشركات 120 مليار دولار على التسويق الرقمي بحلول عام 2021، ويمثل هذا الرقم 46% من إجمالي الإنفاق على التسويق في الولايات المتحدة سنويًّا.

ومن هذا المنطلق فإن الفشل في تقديم معالجة تفصيلية لهذه الأصول القيِّمة، وعدم تضمين اتفاقية الشراء أي بند يتعلق بمصير ملكية الشركة التي بِيعَتْ لأصولها عبر منصات التواصل الاجتماعي، تضع المشترين في مأزق بعد إتمام صفقة الاستحواذ، حيث لا يكون لديهم حق مثبت قانونًا للسيطرة على الأصول الخاصة بحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة، ممَّا يستدعي رفع دعاوى باهظة الثمن للحصول على ملكية هذه الأصول الرقمية القيمة، لينتهي المطاف بإدراك حقيقة أنه أصل قابل للتقييم المادي، ويكون على المشتري أنْ يدفع أموالًا نظير امتلاكها.

العلاقة الجدلية بين الموظف وحسابات التواصل الاجتماعي للشركة

وقد يجد المشتري نفسه في حالة مواجهة مع الموظف المعنيِّ بإدارة حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة المَبِيعة، حيث يؤكد الموظف ملكيته لأصول الشركة على تلك المنصات، لأن الشركة تفتقر إلى السياسات والعقود التي تضمن نقل جميع حقوق الملكية الفكرية للموظفين إليها.

ويعتبر هذا التضارب في الملكية بين الموظف والشركة وثيق الصلة بشكل خاص أثناء معاملات الدمج والاستحواذ، بسبب الاستغناء عن الموظفين، فقد يرفض هؤلاء الموظفون الساخطون، الذين يتحكمون في حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، تسليم كلمات المرور، لأنهم يعتقدون أن أصول وسائل التواصل الاجتماعي ضمن حقوق ملكيتهم الفكرية.

وقد أثيرت مسألة ملكية الموظفين في أصول الشركات على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا في قضية تمَّتْ تسويتها في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، حين رفض موظف تسليم السيطرة على حساب الشركة على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، الذي يحظى بمتابعة أكثر من 17 ألف متابع، ثم تقدمت الشركة المشترية بشكوى ضد الموظف مطالبةً بتعويضٍ قدرُه 340 ألف دولار.

لكن الموظف استند في قراره بعدم تسليم حساب تويتر إلى مجموعة من الركائز على النحو التالي:

  • ملكية الحساب تعود إلى تويتر وليس إلى الشركة، لأنه، وفقًا لشروط خدمة تويتر، فإن الحسابات تخص الموقع وليس مستخدميه.
  • متابعو الحساب ليسوا ضمن نطاق ملكية الشركة، لأنهم بشر لديهم القدرة وحسن التقدير لمتابعة الحساب أو إلغاء متابعته.
  •  أي قيمة تُنسب إلى حساب تويتر تندرج ضمن نطاق الملكية الفكرية للموظف، لأنه مَن أنشأ التغريدات.

ولم يتم الفصل في هذه النقاط، نظرًا لأنه تمَّت تسوية النزاع خارج نطاق المحكمة، وقد انتهى الأمر بالموظف إلى الاحتفاظ بحساب تويتر، ورأى متابعو تويتر أن حجة الموظف لها وَجَاهتها.

وتوضح هذه الحالة أهمية قيام الشركات بتبنِّي سياسات واضحة تتعلق بأصولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فمن المستبعد  أنْ تظل حجج الموظف صامدة إذا كانت هناك سياسات وعقود واضحة.

وفي هذا الإطار، ترى سارة ويسلي ويتون، المحامية المتخصصة في تمثيل عملاء التكنولوجيا والوسائط الرقمية أنه يجب على المشترين مراجعة سياسات التوظيف للشركة المبيعة لضمان الحماية المناسبة لحقوقهم، فالمشكلة السابقة كان بالإمكان تجنُّبُها لو أن لدى الشركة سياسة تطلب من جميع الموظفين توقيع اتفاقية تنص على أن جميع الأعمال التي أنشأها الموظفون يجب أن تكون الملكية الوحيدة والحصرية فيها للشركة.

وتشير ويتون إلى أنه على الرغم من أن هذه الجملة لا تذكر على وجه التحديد أصول الشركة على منصات التواصل الاجتماعي، فقد وجدت محكمة في نيويورك أن وجود هذا البند في اتفاقية التوظيف كافٍ لتأكيد ملكية الشركة  لجميع حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي أنشأها الموظف.

كما لفتت ويتون إلى أنه إذا لم يكن لدى الشركة سياسات توظيف تضمن مبدئيًّا ملكية الأعمال التي أنشأها الموظف، فإن الخيار المتاح هو توقيع الموظف على عقد تنازل آخر يغطي ملكية أصول وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بعمله في الشركة.

استخدام حسابات الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز عمليات الاندماج

وبعيدًا عن الجدال القانوني حول ملكية حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للشركة المبيعة، فإن تلك الحسابات تلعب دورًا مهمًّا في تعزيز عمليات الاندماج، يتضح فيما يلي:

  •  تُعَدُّ حسابات الشركة على وسائل التواصل الاجتماعي قناة اتصال فاعلة مع جمهور المستهلكين والشركاء التجاريين، وأي عملية اندماج تتم قد تثير تساؤلات حول مستقبل الخدمة أو المنتَج الذي تقدِّمه الشركة، والذي اعتاد عليه الجمهور، لذلك يمكن استخدام تلك الحسابات في توجيه رسائل طمأنة للجمهور باستمرار الخدمة أو المنتج، وكذلك توجيه رسائل إيجابية إلى شركاء الأعمال تبدِّد مخاوفهم من تأثُّر أعمالهم مع الشركة بعد اندماجها، ليس هذا فحسب، بل وإظهار مزايا ذلك الاندماج أيضًا، وأنه يضع الشركة في وضع استراتيجي أفضل بكثير، وفقًا لمدوَّنة “Internet and Technology law” المتخصصة في قوانين شبكات المعلومات.
  •  كما تلعب حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة المبيعة، دورًا مهمًّا في تعزيز التعاون بين طَوَاقم الموظفين بعد الاندماج، وهي إشكالية أحيانًا تؤدي إلى فشل عمليات الاندماج والاستحواذ.

لذلك يمكن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز التواصل الفعَّال بين العاملين في الشركة المبيعة والشركة المالكة، فعلى سبيل المثال عندما استحوذت شركة “شنايدر إليكتريك-  Schneider Electric” على شركة “إنفينسيس- Invensys”، رَعَتْ “شنايدر إليكتريك” مسابقة بين موظفيها لنشر الصور والتعليقات التي توضح معنى أنْ تكون الشركتان “أفضل معًا”ـ

وقد تبرعت “شنايدر إليكتريك” بمبلغ عن كل منشور للأعمال الخيرية، وقد أدى ذلك إلى تعزيز التعاون بين الشركتين بطريقة فعّالة.

وتسمح مثل هذه الإجراءات للشركات بالاستفادة من السرعة التي تعزِّز بها وسائل التواصل الاجتماعي بناء علاقات تعاونية بشكل فعّال.

وتأسيسًا على ما سبق.. تتضح أهمية مراعاة الشركات للترتيبات القانونية التي تنظم العلاقة مع الموظفين فيما يخص حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يحفظ حقوق كل طرف، ورسم مسارات واضحة لانتقال تلك الحقوق في حال بيع الشركة، فضلًا عن وجوب وضع معايير واضحة للتقييم المادي لأصول الشركات على منصات التواصل الاجتماعي، وإزالة ما قد يطرأ من الْتِبَاس في العلاقة بين الشركة والمنصة التي تعمل عليها، وما يترتب على كل طرف منهما من التزامات وما يتمتع به من حقوق تتعلق بتلك الحسابات.

زر الذهاب إلى الأعلى